ابن حمزة المغربي هو علي بن وليّ بن حمزة، عالمٌ رياضيٌ جزائريٌ صاحب بحوثٍ مبتكرةٍ في المتتاليات العددية والهندسية، وواضع الأسس الأولى لعلم اللوغاريتمات.
مولد ابن حمزة المغربي ونشأته:-
ولد ابن حمزة بمدينة الجزائر من أب جزائري وأم تركية، ولا يُعرف سبب تلقيبه بالمغربي -ونحسبه أنه أُطلق عليه لما كان في المشرق تمييزًا له كونه قادم من المغرب العربي- أما في المصادر العثمانية فقد ورد اسمه بـ علي بن وليّ فقط دون أي كنية أو لقب.
ولا يُعرف على وجه التحديد تاريخ مولد ابن حمزة المغربي ، ولو أن المؤكد أنه عاش في القرن 10هـ/ 16م وهو من أبرز علمائه، نشأ في كنف والده الذي حرص على تأديبه وتعليمه، فحفظ القرآن وهو صغير كما حفظ نصيبًا من الأحاديث النبوية، وقد ظهرت منذ صغره ميوله للعلوم العقلية وخاصة علم الرياضيات الذي طغى على كل اهتماماته.
ابن حمزة في اسطنبول:-
لم تكن المدارس العالية في مدينة الجزائر على قلّتها لتغطي حاجته في التعليم والتحصيل، فأرسله والده وهو في العشرين من عمره إلى اسطنبول عاصمة الدولة العثمانية لمواصلة تعليمه عند أخواله، مكث ابن حمزة المغربي مدة هناك يتعلّم الرياضيات، فأخذ عن العديد من علماء اسطنبول، إلى جانب اجتهاده الشخصي في التعمق في هذا العلم، فكما يظهر من كتاباته فإنه استفاد كثيرًا من أسلافه وخاصة «أبي العباس ابن الهائم» (ت. 753هـ)، و«أبي عبد الله بن غازي المكانسي» (ت. 858هـ).
وخلال هذه الفترة ؛ عمل ابن حمزة في التعليم، فكان يُدرّس الرياضيات لأبناء اسطنبول، وللطلبة القادمين إليها من شتى أقاليم البلاد العثمانية، كونه كان يجيد اللغتين العربية والتركية.
وبعد أن أكمل تعليمه حظي بالكثير من الوظائف بفضل موهبته التي أهلته للترقي فيها حتى بلغ منصب: خبير في الحسابات بديوان المال في قصر السلطان العثماني، وقد كان ذلك في عهد السلطان مراد الثالث (1574- 1595م).
لُقّب ابن حمزة بـ «النسّاب» ذلك أنه كان يعتمد منهجًا خاصا في بحوثه، بحيث كان يتحرّى الدقة في نسب كل عمل استفاد منه إلى صاحبه، وكان هذا عملا جليلا منه، فقد أزال الغبار عن الكثير من العلماء وعرّفنا على جهودهم وانجازاتهم، من أمثال: «سنان بن الفتح» (ت. القرن 3هـ)، و«علي الصفدي المصري» (ت. 399هـ)، و«عماد الدين الكاشي» (ت. 745هـ)، و«نصير الدين الطوسي» (ت. 597هـ)، و«أبو الحسن النسوي» (ت. 1030هـ) فضلا عن العالمين السالفي الذكر ابن الهائم، وابن غازي وغيرهم.
عودته إلى الحزائر:–
كان ابن حمزة المغربي يعيش في اسطنبول يزاول عمله، إلى أن بلغه خبر وفاة والده، وعندها قرّر العودة إلى الجزائر ليبقى بجانب والدته التي أصبحت وحيدة، فاستقال من منصبه وقفل راجعًا، وفي الجزائر عمل في التجارة فكان يؤجر حوانيت والده للتجار الصغار وينتفع منها.
وظل كذلك لمدة ثم قرّر الارتحال رفقة والدته إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج والاستقرار بها بشكل نهائي، فباع كلّ أملاكه بما فيها بيته، وشقّ طريقه نحو بيت الله الحرام.
ابن حمزة المغربي في مكة:-
بعد أن استقر له المقام بمكة المكرمة، اتجه ابن حمزة المغربي لتدريس علم الحساب للحجاج الوافدين من مختلف الجهات، وكان يهتم بتعليمهم المسائل الحسابية التي يحتاجونها في حياتهم اليومية، فضلًا عن المسائل المتعلقة بالميراث.
ولما كان معلّمًا مقتدرًا اشتهر بين الناس، وعُرف اسمه كعالم متمرس في الرياضيات وعلومها، وما زاده شهرة تمكنه من حل المسألة المكية، فبلغ ذلك مسامع الوالي العثماني بمكة وأعجب به، فعرض عليه العمل في ديوان المال، وكان له ذلك، ومكث في منصبه هذا نحو 15 سنة.
المسألة المكية:–
وهي مسألة رياضية مستعصية، تدور حول الميراث، سماها ابن حمزة بالمسألة المكية لأنه حلها في مكة، ، وملخصها أن جاء حاج هندي لابن حمزة وطلب منه حل مسألة استعصت على علماء الهند ولم يجدوا لها حلًّا، ولا قاعدة لحل ما شابهها من المسائل، لكن ابن حمزة المغربي أظهر مهارة في حلها بطريقة مبتكرة، أثارت دهشة من حوله، والأدهى من ذلك أن الحلّ كان بواسطة قاعدة تمكنهم من حل مسائل أخرى على شاكلتها.
وتدور هذه المسألة حول رجل توفي وترك 9 أولاد و81 نخلة، بحيث تعطي النخلة الأولى رطلا من التمر كل سنة، وتعطي النخلة الثانية رطلين، والثالثة ثلاثة أرطال وهكذا إلى النخلة ال81 التي تعطي 81 رطلا، والمطلوب هو تقسيمها بحيث يتساوى نصيب الأولاد في عدد النخل وكمية الثمار معًا، وقد توصل ابن حمزة لإيجاد حلّ طريف لها يجد القارئ لذة في مطالعته، وقد وضحه في جدول مفصل.
وما زالت كتب التراث تحتفظ بهذا الحلّ، فقد أروده صالح زكي في كتابه «آثار باقية»، ونقله حافظ طوقان في كتابه «تراث العرب العلمي في الرياضيات والفلك»، الذي سمّى الفصل الخاص بعلماء القرن 16م بـ «عصر المغربي» على اسم ابن حمزة، وفي هذا تأكيد على مكانته وبراعته، بل وعلى تفوقه على علماء عصره.
ابن حمزة يضع أسس علم اللوغاريتمات:–
خلال تواجده في مكة وإلى جانب عمله كان ابن حمزة المغربي يجتهد في دراسة المتتاليات الحسابية والهندسية دراسة عميقة، ومحاولة الربط بينهما، من خلال ابتكار طريقة لتحويل علمية الجمع إلى ضرب والطرح إلى قسمة قادته في النهاية إلى وضع الأسس الأولى علم اللوغاريتمات وهو أحد فروع الرياضيات؛ وهو العلم الذي سهل العمليات الحسابية المعقدة وخدم العلوم التطبيقية خدمة عظيمة.
ولكن وللأسف لا يُنسب هذا العلم الجديد لابن حمزة رغم جهوده الكبيرة فيه، بل إلى العالم الانجليزي «جون نابيير» (1550- 1617م) الذي جاء بعده بـأزيد من عقدين وطوره وجعل منه علمًا قائما بذاته، وهذا لا يعني بالضرورة أن نابيير اطلع على بحوث ابن حمزة فهذه المسألة تبقى حلقة مظلمة لا يمكن إثباتها أو نفيها، إلا أن إثبات أسبقية التاريخية على الأقل يُعطي الحق لابن حمزة في الاعتراف له بوضعه الأسس الأولى لهذا العلم الجديد، بناء على ما توصل إليه. حتى وإن لم تكن إسهاماته بشكل مباشر تهدف إلى تأسيس علم بعينه.
ويصر الغرب على إبراز جهود العالمين الانجليزيين جون نابيير، و«هنري بريكس» (1560- 1630م)، وحتى السويسيري «جوست بورجي» (1552- 1632م) متجاهلين إسهامات علماء المسلمين، إذ يقول اللورد مولتون «إن اختراع اللوغاريتمات لم يمهّد له وأن فكرة الرياضي نابيير في هذا البحث جديدة لم ترتكز على بحوث سابقة لعلماء الرياضيات»، وفي المقابل لا نجد عند المسلمين دراسات تبرز جهود ابن حمزة ودوره في هذا المجال، وفي الرياضيات عامة، بل إن سيرته طواها النسيان، على غرار ما لحق بالكثير من العلماء الأجلاء.
ومهما يكن من أمر؛ فإن بحوث ابن حمزة «تعطي فكرة عن التقدم الذي بلغه العقل العربي» في مجال العلوم الرياضية حتى القرن 10هـ/ 16م، حتى وإن لم يأخذ نصيبه من التقدير والاعتراف له بهذا الابتكار.
آثار ابن حمزة:
للأسف ضاعت الكثير من مؤلفات ابن حمزة المغربي ، ولا شك أنها تحوي أبحاثًا قيمة لا تقل أهمية من تلك التي وصلتنا، وقد احتفظت لنا خزائن الكتب بأشهر مؤلفاته وهو كتابه: «تحفة الأعداد لذوي الرشد والسداد»: ألّفه عندما كان بمكة، وهو باللغة التركية، وقد جاء ذكره في كتاب كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون بعنوان: «تحفة الأعداد في الحساب»، وهناك من يعتبره كتابًا آخر لابن حمزة غير هذا، لكن الأصح أن كلا العنوانين يشيران إلى نفس الكتاب حسب الدراسات الحديثة، وهو في علم الحساب تناول فيه المسائل الحسابية والمساحات والحجوم، وضمّنه بحوثه المبتكرة في المتتاليات.
كما جمع فيه أفكاره حول الإرث، وقد عمد إلى ترتيبه تبويبه على الطريقة الحديثة، فقسمه إلى: مقدمة حول تعريف الحساب وأصول الترقيم والتعداد، وأربع مقالات (المقالة الأولى: الأعداد الصحيحة، المقالة الثانية: الكسور والجذور، المقالة الثالثة: طرق استخراج قيمة المجهول، المقالة الرابعة: مساحات الأشكال والأحجام)، وخاتمة وعدّد فيها بعض المسائل الغريبة والطريفة وحلّها بطرق لم يُسبق لها، ومن بينها المسألة المكية. وقد حظي الكتاب بإعجاب كبير لدى مؤرخي العلوم، حيث وصفه الدكتور صالح زكي بأنه «من أكمل الكتب الحسابية».
وفاته:–
وعلى غرار مولده ؛ لا يُعرف تاريخ وفاة ابن حمزة المغربي ، والأرجح أنه توفي بمكة المكرمة التي اختارها ليكمل بقية حياته، ودفن بها.
اقرأ ايضاً.. ابن ملكا البغدادي .. الطبيب والفيسلوف الأوحد في زمانه
مراجع للاستزادة:–
• هدى الصادق أرحومة، عالم الرياضيات النساب، ابن حمزة المغربي، المجلة الجامعة، ع15، مج1، كلية التربية، جامعة طرابلس.
• قدري حافظ طوقان، تراث العرب العلمي في الرياضيات والفلك، ط2، لجنة التأليف والترجمة والنشر.
ابن حمزة المغربي هو علي بن وليّ بن حمزة، عالمٌ رياضيٌ جزائريٌ صاحب بحوثٍ مبتكرةٍ في المتتاليات العددية والهندسية، وواضع الأسس الأولى لعلم اللوغاريتمات.
مولد ابن حمزة المغربي ونشأته:-
ولد ابن حمزة بمدينة الجزائر من أب جزائري وأم تركية، ولا يُعرف سبب تلقيبه بالمغربي -ونحسبه أنه أُطلق عليه لما كان في المشرق تمييزًا له كونه قادم من المغرب العربي- أما في المصادر العثمانية فقد ورد اسمه بـ علي بن وليّ فقط دون أي كنية أو لقب.
ولا يُعرف على وجه التحديد تاريخ مولد ابن حمزة المغربي ، ولو أن المؤكد أنه عاش في القرن 10هـ/ 16م وهو من أبرز علمائه، نشأ في كنف والده الذي حرص على تأديبه وتعليمه، فحفظ القرآن وهو صغير كما حفظ نصيبًا من الأحاديث النبوية، وقد ظهرت منذ صغره ميوله للعلوم العقلية وخاصة علم الرياضيات الذي طغى على كل اهتماماته.
ابن حمزة في اسطنبول:-
لم تكن المدارس العالية في مدينة الجزائر على قلّتها لتغطي حاجته في التعليم والتحصيل، فأرسله والده وهو في العشرين من عمره إلى اسطنبول عاصمة الدولة العثمانية لمواصلة تعليمه عند أخواله، مكث ابن حمزة المغربي مدة هناك يتعلّم الرياضيات، فأخذ عن العديد من علماء اسطنبول، إلى جانب اجتهاده الشخصي في التعمق في هذا العلم، فكما يظهر من كتاباته فإنه استفاد كثيرًا من أسلافه وخاصة «أبي العباس ابن الهائم» (ت. 753هـ)، و«أبي عبد الله بن غازي المكانسي» (ت. 858هـ).
وخلال هذه الفترة ؛ عمل ابن حمزة في التعليم، فكان يُدرّس الرياضيات لأبناء اسطنبول، وللطلبة القادمين إليها من شتى أقاليم البلاد العثمانية، كونه كان يجيد اللغتين العربية والتركية.
وبعد أن أكمل تعليمه حظي بالكثير من الوظائف بفضل موهبته التي أهلته للترقي فيها حتى بلغ منصب: خبير في الحسابات بديوان المال في قصر السلطان العثماني، وقد كان ذلك في عهد السلطان مراد الثالث (1574- 1595م).
لُقّب ابن حمزة بـ «النسّاب» ذلك أنه كان يعتمد منهجًا خاصا في بحوثه، بحيث كان يتحرّى الدقة في نسب كل عمل استفاد منه إلى صاحبه، وكان هذا عملا جليلا منه، فقد أزال الغبار عن الكثير من العلماء وعرّفنا على جهودهم وانجازاتهم، من أمثال: «سنان بن الفتح» (ت. القرن 3هـ)، و«علي الصفدي المصري» (ت. 399هـ)، و«عماد الدين الكاشي» (ت. 745هـ)، و«نصير الدين الطوسي» (ت. 597هـ)، و«أبو الحسن النسوي» (ت. 1030هـ) فضلا عن العالمين السالفي الذكر ابن الهائم، وابن غازي وغيرهم.
عودته إلى الحزائر:–
كان ابن حمزة المغربي يعيش في اسطنبول يزاول عمله، إلى أن بلغه خبر وفاة والده، وعندها قرّر العودة إلى الجزائر ليبقى بجانب والدته التي أصبحت وحيدة، فاستقال من منصبه وقفل راجعًا، وفي الجزائر عمل في التجارة فكان يؤجر حوانيت والده للتجار الصغار وينتفع منها.
وظل كذلك لمدة ثم قرّر الارتحال رفقة والدته إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج والاستقرار بها بشكل نهائي، فباع كلّ أملاكه بما فيها بيته، وشقّ طريقه نحو بيت الله الحرام.
ابن حمزة المغربي في مكة:-
بعد أن استقر له المقام بمكة المكرمة، اتجه ابن حمزة المغربي لتدريس علم الحساب للحجاج الوافدين من مختلف الجهات، وكان يهتم بتعليمهم المسائل الحسابية التي يحتاجونها في حياتهم اليومية، فضلًا عن المسائل المتعلقة بالميراث.
ولما كان معلّمًا مقتدرًا اشتهر بين الناس، وعُرف اسمه كعالم متمرس في الرياضيات وعلومها، وما زاده شهرة تمكنه من حل المسألة المكية، فبلغ ذلك مسامع الوالي العثماني بمكة وأعجب به، فعرض عليه العمل في ديوان المال، وكان له ذلك، ومكث في منصبه هذا نحو 15 سنة.
المسألة المكية:–
وهي مسألة رياضية مستعصية، تدور حول الميراث، سماها ابن حمزة بالمسألة المكية لأنه حلها في مكة، ، وملخصها أن جاء حاج هندي لابن حمزة وطلب منه حل مسألة استعصت على علماء الهند ولم يجدوا لها حلًّا، ولا قاعدة لحل ما شابهها من المسائل، لكن ابن حمزة المغربي أظهر مهارة في حلها بطريقة مبتكرة، أثارت دهشة من حوله، والأدهى من ذلك أن الحلّ كان بواسطة قاعدة تمكنهم من حل مسائل أخرى على شاكلتها.
وتدور هذه المسألة حول رجل توفي وترك 9 أولاد و81 نخلة، بحيث تعطي النخلة الأولى رطلا من التمر كل سنة، وتعطي النخلة الثانية رطلين، والثالثة ثلاثة أرطال وهكذا إلى النخلة ال81 التي تعطي 81 رطلا، والمطلوب هو تقسيمها بحيث يتساوى نصيب الأولاد في عدد النخل وكمية الثمار معًا، وقد توصل ابن حمزة لإيجاد حلّ طريف لها يجد القارئ لذة في مطالعته، وقد وضحه في جدول مفصل.
وما زالت كتب التراث تحتفظ بهذا الحلّ، فقد أروده صالح زكي في كتابه «آثار باقية»، ونقله حافظ طوقان في كتابه «تراث العرب العلمي في الرياضيات والفلك»، الذي سمّى الفصل الخاص بعلماء القرن 16م بـ «عصر المغربي» على اسم ابن حمزة، وفي هذا تأكيد على مكانته وبراعته، بل وعلى تفوقه على علماء عصره.
ابن حمزة يضع أسس علم اللوغاريتمات:–
خلال تواجده في مكة وإلى جانب عمله كان ابن حمزة المغربي يجتهد في دراسة المتتاليات الحسابية والهندسية دراسة عميقة، ومحاولة الربط بينهما، من خلال ابتكار طريقة لتحويل علمية الجمع إلى ضرب والطرح إلى قسمة قادته في النهاية إلى وضع الأسس الأولى علم اللوغاريتمات وهو أحد فروع الرياضيات؛ وهو العلم الذي سهل العمليات الحسابية المعقدة وخدم العلوم التطبيقية خدمة عظيمة.
ولكن وللأسف لا يُنسب هذا العلم الجديد لابن حمزة رغم جهوده الكبيرة فيه، بل إلى العالم الانجليزي «جون نابيير» (1550- 1617م) الذي جاء بعده بـأزيد من عقدين وطوره وجعل منه علمًا قائما بذاته، وهذا لا يعني بالضرورة أن نابيير اطلع على بحوث ابن حمزة فهذه المسألة تبقى حلقة مظلمة لا يمكن إثباتها أو نفيها، إلا أن إثبات أسبقية التاريخية على الأقل يُعطي الحق لابن حمزة في الاعتراف له بوضعه الأسس الأولى لهذا العلم الجديد، بناء على ما توصل إليه. حتى وإن لم تكن إسهاماته بشكل مباشر تهدف إلى تأسيس علم بعينه.
ويصر الغرب على إبراز جهود العالمين الانجليزيين جون نابيير، و«هنري بريكس» (1560- 1630م)، وحتى السويسيري «جوست بورجي» (1552- 1632م) متجاهلين إسهامات علماء المسلمين، إذ يقول اللورد مولتون «إن اختراع اللوغاريتمات لم يمهّد له وأن فكرة الرياضي نابيير في هذا البحث جديدة لم ترتكز على بحوث سابقة لعلماء الرياضيات»، وفي المقابل لا نجد عند المسلمين دراسات تبرز جهود ابن حمزة ودوره في هذا المجال، وفي الرياضيات عامة، بل إن سيرته طواها النسيان، على غرار ما لحق بالكثير من العلماء الأجلاء.
ومهما يكن من أمر؛ فإن بحوث ابن حمزة «تعطي فكرة عن التقدم الذي بلغه العقل العربي» في مجال العلوم الرياضية حتى القرن 10هـ/ 16م، حتى وإن لم يأخذ نصيبه من التقدير والاعتراف له بهذا الابتكار.
آثار ابن حمزة:
للأسف ضاعت الكثير من مؤلفات ابن حمزة المغربي ، ولا شك أنها تحوي أبحاثًا قيمة لا تقل أهمية من تلك التي وصلتنا، وقد احتفظت لنا خزائن الكتب بأشهر مؤلفاته وهو كتابه: «تحفة الأعداد لذوي الرشد والسداد»: ألّفه عندما كان بمكة، وهو باللغة التركية، وقد جاء ذكره في كتاب كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون بعنوان: «تحفة الأعداد في الحساب»، وهناك من يعتبره كتابًا آخر لابن حمزة غير هذا، لكن الأصح أن كلا العنوانين يشيران إلى نفس الكتاب حسب الدراسات الحديثة، وهو في علم الحساب تناول فيه المسائل الحسابية والمساحات والحجوم، وضمّنه بحوثه المبتكرة في المتتاليات.
كما جمع فيه أفكاره حول الإرث، وقد عمد إلى ترتيبه تبويبه على الطريقة الحديثة، فقسمه إلى: مقدمة حول تعريف الحساب وأصول الترقيم والتعداد، وأربع مقالات (المقالة الأولى: الأعداد الصحيحة، المقالة الثانية: الكسور والجذور، المقالة الثالثة: طرق استخراج قيمة المجهول، المقالة الرابعة: مساحات الأشكال والأحجام)، وخاتمة وعدّد فيها بعض المسائل الغريبة والطريفة وحلّها بطرق لم يُسبق لها، ومن بينها المسألة المكية. وقد حظي الكتاب بإعجاب كبير لدى مؤرخي العلوم، حيث وصفه الدكتور صالح زكي بأنه «من أكمل الكتب الحسابية».
وفاته:–
وعلى غرار مولده ؛ لا يُعرف تاريخ وفاة ابن حمزة المغربي ، والأرجح أنه توفي بمكة المكرمة التي اختارها ليكمل بقية حياته، ودفن بها.
اقرأ ايضاً.. ابن ملكا البغدادي .. الطبيب والفيسلوف الأوحد في زمانه
مراجع للاستزادة:–
• هدى الصادق أرحومة، عالم الرياضيات النساب، ابن حمزة المغربي، المجلة الجامعة، ع15، مج1، كلية التربية، جامعة طرابلس.
• قدري حافظ طوقان، تراث العرب العلمي في الرياضيات والفلك، ط2، لجنة التأليف والترجمة والنشر.