توطئة:-
يعد العصر العباسي من أزهى العصور التي مرت على الحضارة الإسلامية، إذ عرفت الأخيرة ازدهارا وتطورا في جميع المجالات، بما في ذلك مجال العلوم الحقة عامة، والطب بشكل خاص، فهذا سنان بن ثابت ،عالم، طبيب، ورياضي بغدادي معروف، ابن أحد أبرز علماء المسلمين؛ ثابت بن قرة، وأبٌ لنجم من نجوم العلم في الحضارة الإسلامية؛ إبراهيم بن سنان.
من هو سنان بن ثابت ؟
هو أبو سعيد، سنان بن ثابت بن قرة بن مروان بن ثابت بن زكريا الحراني، وهو من أشهر علماء الطب في عصره ، ولد سنة 880 م في حرَّان (تركيا) في أسرة عريقة، اشتهرت بالعلم.
نشأ في بغداد، حاضرة الخلافة العباسية، وموطِن العلم وقِبّلة العلماء
في العالم العربي والاسلامي، فعاشَ في عصرِّ ازدهار الحضارة الإسلامية وتطوّرِ
العلوم العقلية والنقلية.
تربى سنان ونشأ في بيت علم، فوالده ثابت بن قرة من أشهر علماء
الرياضيات والطب والفلك والفلسفة، يجيد كثيراً من اللغات كالسريانية واليونانية
والعبرية، وقد مكنه ذلك من ترجمة العديد من كتب الأقدمين في هذه العلوم، ولم يكتف
بذلك فقط بل طوَّرَ الكثير منها، حتى صارت مؤلفاته كتبا دراسية معتمدة في الكثير
من الدول الإسلامية.
فكان سنان عالم فيزياء ورياضيات وفلك، لكن نجمه سطع في علم الطب أكثر من سواه، إذ عَمِل طبيبا لدى الخليفة المقتدر بالله العباسي، وقد أسلم في عهده، ثم خَدَمَ الخليفة القاهِر بالله ثم الخليفة الراضي بالله.
دراسته للطب:-
لقد عاصر سنان بن ثابت عدداً من علماء المسلمين، ودرس عليهم أو اطلع على مؤلفاتهم، فنهل من علمهم الواسع ومعارفهم وخبراتهم وتجاربهم، وكان من أشهر هؤلاء العلماء، والده ثابت بن قرة (ت: 288هـ) ، ومحمد بن زکریا الرازي (ت: 313هـ)، وبختيشوع بن يوحنا (ت: 329هـ)، و العالم الكبير إسحاق بن عمران البغدادي (ت 294)، وقسطا بن لوقا البعلبكي (ت: 300هـ). فتزود سنان من معارفهم وعلومهم وتجاربهم ومؤلفاتهم، فظهرت مهاراته الطبية وتفتقت قدراته في هذا المجال.
كما أتاح له تقدم الطب في بغداد؛ بيئة علمية مناسبة لكي يمضي قدما نحو
النجاح في هذا العلم السامي.
المركزية العلمية:-
وقد لعبت المراكز العلمية التي انتشرت في بغداد في عصر سنان بن ثابت دوراً بارزاً في تطوير الطب وتقدمه، كمنازل العلماء والمساجد والبيمارستانات (وهي بمثابة عيادات طبية أو مستشفيات) والمجالس الطبية التي تعقد فيها الدروس الطبية التخصصية.
وقد استفاد سنان بن ثابت من تلك المدارس، فجامع المنصور مثلاً، كان
منارة من منارات العلم في بغداد، كانت تعقد فيه حلقات التعليم في مختلف العلوم ،
كذلك مجلس الطبيب أبي بكر الرازي الذي كان يحضره عدد كبير من طلبة العلم، ما جعله
مجمعا علميا بارزا في المدينة التي كان يطلق عليها لقب “دار السلام”.
وكذلك حال أغلب منازل العلماء، إذ كانت أشبه بالمدارس المتخصصة لتدريس
الطب.
أما البيمارستانات؛ فلم يقتصر دورها على مداواة المرضى، بل أصبحت
معاهد علمية ومدارس لتعليم الطب وممارسته.
ومن البيمارستانات التي تتلمذ فيها سنان؛ “بیمارستان صاعد” و “بيمارستان بدر”، لتوكل له مهمة إدارة هذه البيمارستانات فيما بعد.
سنان بن ثابت والمارستانات:-
- تقلَّد مارستانات بغداد الخمسة سنة 304 هجرية.
- بنى في سنة 306 هجرية مارستانين كبيرين، أحدهما للخليفة المقتدر وكانت نفقته مائتي دينار في كل شهر، والثاني لأمه وكانت النفقة الشهرية عليه ستمائة دينار.
- أقام للوزير ابن الفرات مارستاناً ثالثاً ببغداد سنة 311 هجرية، كانت النفقة الشهرية عليه مائتي دينار.
- شيَّد لبجكم حاكم بغداد مارستاناً رابعاً على الشاطئ الغربي لبغداد وزوده بالأطباء والأدوات المختلفة وذلك سنة 329 هجرية.
الإضافات التي قدمها سنان بن ثابت لمهنة الطب:-
كانت من ابرز إسهامات طبيبنا، تقنين ممارسة
الطب وتنظيمه لجميع الأطباء وممارسي مهنة الطب، وذلك بعد أن عهد إليه الخليفة
المقتدر بالله اختبار الأطباء، وعدم السماح لأي منهم بممارسة الطب ووصف العلاج إلا
بعد أن يجتاز اختبار يعقده سنان بن ثابت، ثم يمنح إجازة تجيز له ممارسة الطب .
وقد نتج عن ذلك مجموعة من النتائج والتجديدات، نختصرها في التالي:
- تقنين مهنة الطب وعدم السماح بممارستها إلا لمن منح شهادة طبية تخوله لممارسة الطب من قبل سنان بن ثابت.
- الحد من أخطاء الأطباء الذين يمارسون هذه المهنة، وذلك بعد تحديدهم واختبارهم، ومعرفة جدارتهم العلمية وقدرتهم على ممارسة الطب بمهنية فائقة، ومراقبتهم من قبل هيئة رسمية مرخص لها من قبل الخليفة نفسه .
- تصفية الدجالين والعرافين الذين يمارسون الطب، وتوعية المجتمع بخطرهم وقلة خبرتهم ومعرفتهم، وتحذير الناس منهم ومن التطبب عندهم.
- حصر الأطباء ببغداد، ومعرفة عددهم وتخصصاتهم، وتسهيل الوصول إليهم، والاستفادة من علمهم عند الحاجة إليهم.
تصانيفه ومؤلفاته:-
ولسنان تصانيف كثيرة، إذ كان قوياً في علم
الهيئة وله في ذلك أشياء ظاهرة تغني عن الإطالة بذكرها. ومن مؤلفاته :
- تاريخ ملوك السريان.
- رسالة في الاستواء.
- رسالة إلى بجكم.
- رسالة إلى ابن رائق.
- رسالة إلى علي بن عيسى الوزير.
- الرسائل السلطانيات والإخوانیات.
- رسالة في النجوم.
- رسالة في شرح مذهب الصابئين.
- رسالة في قسمة أيام الجمعة على الكواكب السبعة كتبها إلى أبي إسحاق إبراهيم بن هلال الصابي ورجل آخر.
- رسالة في الفرق بين المترسل والشاعر.
- رسالة في أخبار آبائه وأجداده.
هذا وقد نقل سنان إلى العربية نوامیس هرمس والسور والصلوات التي يصلي بها الصابئون، كذلك قام بإصلاح كتاب أفلاطون في الأصول الهندسية، وزاد في هذا الكتاب شيئا كثيرا.
وفاة سنان بن ثابت:-
توفي سنان سنة 943 م في بغداد حيث عاش حياته كلها، وألف عشرات الكتب،
وعالج، ودرّس. ولم تصلنا أي تفاصيل عن ظروف أو سبب وفاته رحمه الله.
المصادر:–
- القفطي 2005: إخبار العلماء بأخبار الحُكماء، دار الكتب العلمية، بيروت.
- هيلة بنت محمد بن علي القصيّر، 2015: دور سنان بن ثابت في تطور الطب ونشر الوعي الصحي، مجلة كلية اللغة العربية بالزقازيق، العدد 30.
- العصر العباسي الثاني، شوقي ضيف.
- أثر العرب فى الحضارة الأوروبية، العقَّاد.
توطئة:-
يعد العصر العباسي من أزهى العصور التي مرت على الحضارة الإسلامية، إذ عرفت الأخيرة ازدهارا وتطورا في جميع المجالات، بما في ذلك مجال العلوم الحقة عامة، والطب بشكل خاص، فهذا سنان بن ثابت ،عالم، طبيب، ورياضي بغدادي معروف، ابن أحد أبرز علماء المسلمين؛ ثابت بن قرة، وأبٌ لنجم من نجوم العلم في الحضارة الإسلامية؛ إبراهيم بن سنان.
من هو سنان بن ثابت ؟
هو أبو سعيد، سنان بن ثابت بن قرة بن مروان بن ثابت بن زكريا الحراني، وهو من أشهر علماء الطب في عصره ، ولد سنة 880 م في حرَّان (تركيا) في أسرة عريقة، اشتهرت بالعلم.
نشأ في بغداد، حاضرة الخلافة العباسية، وموطِن العلم وقِبّلة العلماء
في العالم العربي والاسلامي، فعاشَ في عصرِّ ازدهار الحضارة الإسلامية وتطوّرِ
العلوم العقلية والنقلية.
تربى سنان ونشأ في بيت علم، فوالده ثابت بن قرة من أشهر علماء
الرياضيات والطب والفلك والفلسفة، يجيد كثيراً من اللغات كالسريانية واليونانية
والعبرية، وقد مكنه ذلك من ترجمة العديد من كتب الأقدمين في هذه العلوم، ولم يكتف
بذلك فقط بل طوَّرَ الكثير منها، حتى صارت مؤلفاته كتبا دراسية معتمدة في الكثير
من الدول الإسلامية.
فكان سنان عالم فيزياء ورياضيات وفلك، لكن نجمه سطع في علم الطب أكثر من سواه، إذ عَمِل طبيبا لدى الخليفة المقتدر بالله العباسي، وقد أسلم في عهده، ثم خَدَمَ الخليفة القاهِر بالله ثم الخليفة الراضي بالله.
دراسته للطب:-
لقد عاصر سنان بن ثابت عدداً من علماء المسلمين، ودرس عليهم أو اطلع على مؤلفاتهم، فنهل من علمهم الواسع ومعارفهم وخبراتهم وتجاربهم، وكان من أشهر هؤلاء العلماء، والده ثابت بن قرة (ت: 288هـ) ، ومحمد بن زکریا الرازي (ت: 313هـ)، وبختيشوع بن يوحنا (ت: 329هـ)، و العالم الكبير إسحاق بن عمران البغدادي (ت 294)، وقسطا بن لوقا البعلبكي (ت: 300هـ). فتزود سنان من معارفهم وعلومهم وتجاربهم ومؤلفاتهم، فظهرت مهاراته الطبية وتفتقت قدراته في هذا المجال.
كما أتاح له تقدم الطب في بغداد؛ بيئة علمية مناسبة لكي يمضي قدما نحو
النجاح في هذا العلم السامي.
المركزية العلمية:-
وقد لعبت المراكز العلمية التي انتشرت في بغداد في عصر سنان بن ثابت دوراً بارزاً في تطوير الطب وتقدمه، كمنازل العلماء والمساجد والبيمارستانات (وهي بمثابة عيادات طبية أو مستشفيات) والمجالس الطبية التي تعقد فيها الدروس الطبية التخصصية.
وقد استفاد سنان بن ثابت من تلك المدارس، فجامع المنصور مثلاً، كان
منارة من منارات العلم في بغداد، كانت تعقد فيه حلقات التعليم في مختلف العلوم ،
كذلك مجلس الطبيب أبي بكر الرازي الذي كان يحضره عدد كبير من طلبة العلم، ما جعله
مجمعا علميا بارزا في المدينة التي كان يطلق عليها لقب “دار السلام”.
وكذلك حال أغلب منازل العلماء، إذ كانت أشبه بالمدارس المتخصصة لتدريس
الطب.
أما البيمارستانات؛ فلم يقتصر دورها على مداواة المرضى، بل أصبحت
معاهد علمية ومدارس لتعليم الطب وممارسته.
ومن البيمارستانات التي تتلمذ فيها سنان؛ “بیمارستان صاعد” و “بيمارستان بدر”، لتوكل له مهمة إدارة هذه البيمارستانات فيما بعد.
سنان بن ثابت والمارستانات:-
- تقلَّد مارستانات بغداد الخمسة سنة 304 هجرية.
- بنى في سنة 306 هجرية مارستانين كبيرين، أحدهما للخليفة المقتدر وكانت نفقته مائتي دينار في كل شهر، والثاني لأمه وكانت النفقة الشهرية عليه ستمائة دينار.
- أقام للوزير ابن الفرات مارستاناً ثالثاً ببغداد سنة 311 هجرية، كانت النفقة الشهرية عليه مائتي دينار.
- شيَّد لبجكم حاكم بغداد مارستاناً رابعاً على الشاطئ الغربي لبغداد وزوده بالأطباء والأدوات المختلفة وذلك سنة 329 هجرية.
الإضافات التي قدمها سنان بن ثابت لمهنة الطب:-
كانت من ابرز إسهامات طبيبنا، تقنين ممارسة
الطب وتنظيمه لجميع الأطباء وممارسي مهنة الطب، وذلك بعد أن عهد إليه الخليفة
المقتدر بالله اختبار الأطباء، وعدم السماح لأي منهم بممارسة الطب ووصف العلاج إلا
بعد أن يجتاز اختبار يعقده سنان بن ثابت، ثم يمنح إجازة تجيز له ممارسة الطب .
وقد نتج عن ذلك مجموعة من النتائج والتجديدات، نختصرها في التالي:
- تقنين مهنة الطب وعدم السماح بممارستها إلا لمن منح شهادة طبية تخوله لممارسة الطب من قبل سنان بن ثابت.
- الحد من أخطاء الأطباء الذين يمارسون هذه المهنة، وذلك بعد تحديدهم واختبارهم، ومعرفة جدارتهم العلمية وقدرتهم على ممارسة الطب بمهنية فائقة، ومراقبتهم من قبل هيئة رسمية مرخص لها من قبل الخليفة نفسه .
- تصفية الدجالين والعرافين الذين يمارسون الطب، وتوعية المجتمع بخطرهم وقلة خبرتهم ومعرفتهم، وتحذير الناس منهم ومن التطبب عندهم.
- حصر الأطباء ببغداد، ومعرفة عددهم وتخصصاتهم، وتسهيل الوصول إليهم، والاستفادة من علمهم عند الحاجة إليهم.
تصانيفه ومؤلفاته:-
ولسنان تصانيف كثيرة، إذ كان قوياً في علم
الهيئة وله في ذلك أشياء ظاهرة تغني عن الإطالة بذكرها. ومن مؤلفاته :
- تاريخ ملوك السريان.
- رسالة في الاستواء.
- رسالة إلى بجكم.
- رسالة إلى ابن رائق.
- رسالة إلى علي بن عيسى الوزير.
- الرسائل السلطانيات والإخوانیات.
- رسالة في النجوم.
- رسالة في شرح مذهب الصابئين.
- رسالة في قسمة أيام الجمعة على الكواكب السبعة كتبها إلى أبي إسحاق إبراهيم بن هلال الصابي ورجل آخر.
- رسالة في الفرق بين المترسل والشاعر.
- رسالة في أخبار آبائه وأجداده.
هذا وقد نقل سنان إلى العربية نوامیس هرمس والسور والصلوات التي يصلي بها الصابئون، كذلك قام بإصلاح كتاب أفلاطون في الأصول الهندسية، وزاد في هذا الكتاب شيئا كثيرا.
وفاة سنان بن ثابت:-
توفي سنان سنة 943 م في بغداد حيث عاش حياته كلها، وألف عشرات الكتب،
وعالج، ودرّس. ولم تصلنا أي تفاصيل عن ظروف أو سبب وفاته رحمه الله.
المصادر:–
- القفطي 2005: إخبار العلماء بأخبار الحُكماء، دار الكتب العلمية، بيروت.
- هيلة بنت محمد بن علي القصيّر، 2015: دور سنان بن ثابت في تطور الطب ونشر الوعي الصحي، مجلة كلية اللغة العربية بالزقازيق، العدد 30.
- العصر العباسي الثاني، شوقي ضيف.
- أثر العرب فى الحضارة الأوروبية، العقَّاد.