اسمه ونشأته:-
يحيى بن عيسى بن علي بن جَزْلَة، أبو علي البغدادي ، كان نصرانياً ثم أسلم سنة 466هـ، وألَّف رسالة في الرد على النصارى، وكتب بها إلى إليا القس.
قال عنه الذهبي: “كان ذكياً صاحب فنون ومناظرة واحتجاج، وكان يداوي الفقراء من ماله”.
سبب إسلامه:-
قرأ الطب على نصارى الكرخ الذين كانوا في زمانه، وأراد قراءة المنطق فلم يكن في النصارى المذكورين في ذلك الوقت من يقوم بهذا الشأن، وذُكِرَ له أبو علي بن الوليد شيخ المعتزلة في ذلك الأوان، ووُصِفَ بأنه عالم بعلم الكلام ومعرفة الألفاظ المنطقية فلازمه لقراءة المنطق، فلم يزل ابن الوليد يدعوه إلى الإسلام ويشرح له الدلالات الواضحة ويبين له البراهين حتى استجاب وأسلم.
مكانته العلمية:-
اتصل بالمقتدي باللَّه العباسي، وصنف له عدة كتب، وكان من المشهورين في علم الطب وعمله، وهو تلميذ أبي الحسن سعيد بن هبة الله.
علم بإسلامه القاضي أبو عبد
الله الدامغاني قاضي القضاة يومئذ فسُرَّ بإسلامه، وقد كانت له عليه خدمة بالطب
فقربه وأدناه ورفع في محله بأن استخدمه في كتابة السجلات بين يديه.
وكان يطبب أهل محلته ومعارفه
بغير أجرة، ويحمل إليهم الأشربة والأدوية بغير عوض، ويتفقد الفقراء ويحسن إليهم.
ووقف كتبه قبل وفاته، وجعلها
في مشهد أبي حنيفة.
ولابن جزلة أيضا نظرٌ في علم
الأدب، وكتب الخط الجيد.
حديث ابن العبري عن ابن جزلة:-
تناول المؤرخ ابن العبري؛ ابن جزلة ، وذلك في مُعرض الإشادة به والحديث عن مناقبه الأخلاقية والمهنية الطبية.
ففي كتاب “مختصر تاريخ الدول” ؛ قال ابن العبري -المتوفى سنة 1286 م – إن ابن جزلة قرأ الطب على نصارى الكرخ (بغداد) الذين كانوا في زمانه، وأراد قراءة المنطق، فلم يكن في النصارى المذكورين في ذلك الوقت من يقوم بهذا الشأن، وذُكِرَ له أبو علي بن الوليد شيخ المعتزلة في ذلك الوقت، ووصِف بأنه عالم بعلم الكلام ومعرفة الألفاظ المنطقية؛ فلازمه لقراءة المنطق”.
وأضاف ابن العبري” .. فلم يزل ابن الوليد يُحسِّن له الإسلام، حتى استحاب وأسلم، فسُرَّ بإسلامه أبو عبد الله الدامغاني قاضي القضاة يومئذ، وقرَّبه وأدناه ورفع محلَّه بأن استخدمه في كتابة السجلات بين يديه”.
وكان مع اشتغال ابن جزلة بالسِّجلات؛ يُطبب أهل محلته بغير أجرة ولا جُعالة، بل احتساباً ومروءة ويحمل إليهم الأدوية بغير عوض، ولما مرِضَ مرَضَ موته؛ وقفَ كتبه لمشهد الإمام أبي حنيفة، ومن مشاهير تصانيفه؛ كتاب تقويم الأبدان وكتاب المنهاج، بحسب ابن العبري.
إسهاماته العلمية:-
- وضع جداول تشتمل على شروح وافية عن كل مرض.
- استعرض أنواع الأوبئة والأمراض وأوقات ظهورها، ثم البلدان التي تنتشر فيها، وطرق تشخيصها، وكيفية علاجها.
- اتبع طريقة منتظمة في متابعة أعضاء جسم الإنسان وأمراضها، ووضع ذلك في جداول تسهل على المثقف العادي في عصره استعماله في العلاج.
- كان من الصيادلة المشهورين في بغداد، وقد أسهم في هذا الميدان من خلال وصف العقاقير والأعشاب والأدوية، وكل ما يستعمله الإنسان في التطبب من لحوم ونباتات ومستحضرات كيماوية.
- ومما يتميز به ابن جزلة في ميدان العلاج، أنه كان يؤمن بأهمية الموسيقى في شفاء الأمراض والوقاية منها، وقد قال في هذا الشأن: “الموسيقى من الأدوات النافعة في حفظ الصحة، استعملها الأطباء في شفاء الأبدان المريضة، فموقع الألحان من النفوس موقع الأبدان المريضة”.
كتب ابن جزلة:-
- تقويم الأبدان في تدبير الإنسان: صنفه للمقتدي بأمر الله،
رتب فيه ابن جزلة أسماء الأمراض في جداول، مع وصف طريقة علاج 352 مرضاً. - منهاج البيان فيما يستعمله الإنسان: صنفه للمقتدي بأمر
الله، ورتبه على الحروف، وجمع فيه أسماء الحشائش والعقاقير والأدوية وغير ذلك
شيئاً كثيراً. - الإشارة في تلخيص العبارة.
- ما يستعمل من القوانين الطبية في تدبير الصحة.
- حفظ البدن، لخصه من كتاب تقويم الأبدان.
- رسالة في مدح الطب وموافقته الشرع والرد على من طعن عليه.
- تقويم الصحة بالأسباب الستة.
- أقرباذين.
- الرد على النصارى: رسالة كتب بها لما أسلم إلى إليا القس
وذلك في سنة 466ه: مدح فيها الإسلام، وأقام الحجة على أنه الدين الحق، وذكر فيها
ما قرأه في التوراة والإنجيل من ظهور النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه نبي مبعوث،
وأن اليهود والنصارى أخفوا ذلك ولم يظهروه، ثم ذكر فيها معايب اليهود والنصارى.
ابن جزلة محل نقد من قِبَل ابن البيطار:-
أقدَمَ عالم النبات الشهير ابن البيطار (1197 – 1248 م) في كتابه “الإبانة والإعلام بما في المنهاج من الخَلَل والأوهام” على نقدِ كتاب “منهاج البيان فيما يستعملهُ الإنسان”، وهو المؤلَّف الذي جَمَعَ فيه ابن جزلة الأدوية والأغذية والأشربة، حيث نبَّه الأول لما أوردهُ الثاني في كتابه من أخطاء، وما غلَط فيه من أسماء الأدوية.
وفي هذا الصدد؛ يقول ابن البيطار بعد الإشارة لكتاب ابن جزلة: ” أمَّا بعد، فإنَّه ما أشار عليَّ- مَن خَلُصتْ بإرادة الخَيْر لي نِيَّتُه، وندبني إلى ما رجوت- أن أتعرَّض لبعض الكتابات الموضوعة في الحشائش والأدوية والمُفردة، فأستطلع بسائط أدويته، وأتعقَّب ما جرى فيها من التباس أو غَلَط، وأُعلِمُ بما وَقَعَ فيه من الأوهام في الأسماء والمنافع، فوضعتُ في ذلك مقالةً تشتملُ معناها على وفاء المقصود، مُعتمِداً على يقينٍ صحيح، أو تجربةٍ مشهودة، أو علمٍ متحِّقق”.
وفاة ابن جزلة:-
توفي ابن جزلة في أواخر شعبان سنة 493هـ.
المصادر:–
- إخبار العلماء بأخبار الحكماء (273).
- الأعلام (8/161).
- مختصر تاريخ الدول.
- قصَّة العلوم الطبية في الحضارة الإسلامية، راغب السرجاني.
- سير أعلام النبلاء (19/188/رقم 108).
- عيون الأنباء في طبقات الأطباء (343).
- وفيات الأعيان (6/267/رقم 812).