من هو ابن الأكفاني ؟
شمس الدين ابن الأكفاني هو محمد بن إبراهيم المصري بن ساعد الأنصاري، أو أبو عبد الله السنجاري ، من علماء القرنين السابع والثامن الهجريين.
وقد كان والده يحترف مهنة صناعة الأكفان، فسُمِّي بابن الأكفاني.
وُلِدَ عام 1286 (665 هـ) وذلك في منطقة سنجار شمالي مدينة نينوى العراقية، وقد اُشتُهر ببراعته في مضمار الطب وما يتفرع عنه من استحضار الأدوية وعلاج المرضى والمصابين بها، إلى جانب تميُّزهِ في ميدان علم الجواهر، هذا فضلاً عن كونه كان فقيهاً حنفياً بارزاً.
ونتيجة للتداعيات الوخيمة التي خلَّفها الغزو المغولي على العراق وتدمير عاصمة الخلافة العباسية بغداد سنة 1258 م(656 هـ)، فقد وُلِدَ سنجار في فترة تردٍ اقتصادي ومعرفي، بيد أن ذلك لم يحُل دون مواصلة طموحه وتحويل مواهبه إلى علوم ومعارف نافعة لمحيطه.
سنجار التي ينتمي إليها :-
- ينتمي ابن الأكفاني إلى منطقة سنجار والتي قال عنها ياقوت الحموي في معجم البلدان: “مدينة مشهور من نواحي الجزيرة، بينها وبين الموصل ثلاثة أيام، وهي لحف جبلٍ عالٍ، ويقولوت إن سفينة نوح عليه السلام لمَّا مرَّت به نَطَحَتْهُ، فقال نوح سُّ جبل جار علينا، فسُمِّيت سنجار، ولستُ أُحقق هذا والله أعلم به، إلَّا أنَّ أهلَ هذه المدينة يعرفون هذا صغيرهم وكبيرهم، ويتداولونه..”.
- وقال عنها ابن الكلبي : ” إنَّما سُميَت سنجار وآمد وهيت باسم بانيها، وهُم بنود البلَنْدِي بن مالك بن ذُعْر بن بُوَيب بن عفقان بن مديان بن إبراهيم عليه السلام ، ويقال: سنجار بن ذعر نَزَلَها، قالوا: وذعر هو الذي استخرج يوسف من الجُبِّ، وهو أخو آمد الذي بنى آمد، وأخو هيت الذي بنى هيت.
- وقال عنها حمزة الأصبهاني: ” سنجار تعريب سنكار..، وهي مدينة طيبة، في وسطها نهرٌ جار، وهي عامرةٌ جداً، وقُدَّامها وادٍ فيه بساتين ذات أشجار ونخل ونارنج وبينها وبين نصيبين ثلاثة أيام..”.
التوجه إلى القاهرة:-
ترك أبو عبد الله السنجاري بلاده قاصداً القاهرة والتي باتت وجهة العلماء وذلك بعد سنوات من تدمير المغول لمدينة بغداد – التي ظلَّت إلى جانب قرطبة بالأندلس- أهم مركزين علميين في العالم الإسلامي.
وبعد سنوات من عمل الطبيب الشهير ابن النفيس في البيمارستان المنصوري في القاهرة؛ جاء الدور على ابن الأكفاني والذي أصبح الشخصية الأهم في هذا المعلم الطبي، حيث كان قيِّماً على شراء مستلزماته، وعلاج مرضاه، كما وجَد وقتاً للمضي قدماً في كتابة مؤلفاته العلمية العديدة.
تم تأسيس البيمارستان المنصوري في جمادى الأولى عام 684هـ/1285م، وكانت مدة بنائه قرابة إحدى عشر شهراً وأيامٍ فقط، وقد سُمي بالمنصوري نسبةً للملك المنصور الذي أمر ببنائه ليكون على شاكلة البيمارستان النوري في دمشق.
سماته الشخصية :-
تميز ابن الأكفاني بعلمه ومظهره وقربه من النَّاس وحرصه على مصلحة البيمارستان في القاهرة، فقد قال عنه الصلاح الصفدي إنه:
- له تجمُّل في بيته وملبسه ومركوبه من الخيل المسوَّمة والبرة الفاخرة.
- له اليد الطولى في معرفة الأصناف من الجواهر والقماش والآلات وأنواع العقاقير والحيوانات وما يُحتاجُ إليه البيمارستان المنصوري بالقاهرة.
- لا يُشتري ولا يدخل إلى البيمارستان (عقاقير أو أدوات) إلَّا بعد عرضه عليه، فإن أجاز اشتراه النَّاظر، وإن لم يُجِزْهُ لم يُشترَ البتَّة.
- ممتع في محاضراته، إذ تميز بأسلوبه الجاذب واستخدامه للفكاهة في تعليمه الطلبة.
- القدرة على التعبير بأوجز العبارات.
- عربيته ضعيفة وخطه أضعف من مرضى مارستانه، ومع ذلك فله كلامٌ حسن ومعرفة جيدة بأصول الخط المنسوب.
- يحفظ من الرُّقي والتمائم جُمَلاً كثيرة، وله اليد الطولى في الرُّوحانيات.
- يحفظ من الشعر شيئاً كثيراً إلى الغاية من شعر العرب والمولدين والمُحدَثين والمتأخرين.
أقوال العلماء في ابن الأكفاني :-
أشاد العلماء بتميز الطبيب ابن الأكفاني والذي لم ينل حظَّهُ الكافي من العناية، كما حازها غيره من العلماء العرب والمسلمين.
- قال عنه الصلاح الصفدي في “الوافي بالوفيات”: “فاضلٌ، جمَعَ أشتات العلوم، وبرع في علوم الحِكْمَة خصوصاً الرياضي، فإنَّهُ إمامٌ في الهيئة والهندسة والحساب، له في ذلك تصانيف و أوضاع مفيدة، قرأتُ عليه قطعة جيدة من كتاب إقليدس..وقرأتُ عليه مقدَّمة في وضع الآفاق، فشرحها لي أحسن شرح، وقرأتُ عليه أول الإشارات، فكانَ يحل شرح نصير الدين الطوسي بأجَلِّ عبارة، وأجلى إشارة، وما سألتهُ عن شيء في وقت من الأوقات، عمَّا يتعلق بالحكمة من المنطق والطبيعي والرياضي والإلهي؛ إلَّا وأجابَ بأحسن جواب، كأنَّمَا كان البارحة يطالع تِلْكَ المسألة طول الليل، وأمَّا الطِّبّ؛ فإنَّه كان إمام عصره وغالب طبه بخواص..”.
- وقال عنه الدكتور أنور محمود زناتي: “لم تلتفت الدَّوائر العلمية الأوروبية إلى ابن الأكفاني إلَّا حديثاً، وقد اهتمَّ بهذا الأمر مؤرخو العلم الغربيون في نطاق تأريخهم للعلوم العربية.. وأعماله ظهرت في بداية القرن الرابع عشر، لكنها ظلَّت مجهولة في أوروبا، بمعنى أنَّها لم تكُن من المصادر العلمية العربية التي نهلت منها أوروبا اللاتينية أثناء عملية نقل العلوم العربية إلى الغرب في القرنين الحادي عشر والثاني عشر”.
أبو عبد الله السنجاري ومؤلفاته:-
ترك أبو عبد الله السنجاري ( ابن الأكفاني ) عدداً مهماً من المؤلفات القيمة، من بين أبرزها:
- روضة الألبا في أخبار الأطبا .. وهو بمثابة اختصار لكتاب “عيون الأنباء” لابن أبي أصيبعة (600-668 هـ)، وتوجد منه نسخة وحيدة في المكتبة الظاهرية بدمشق.
- اللباب في الحساب.
- النظر والتحقيق في تقليب الرقيق.
- نهاية القصد في صناعة الفصد ومخطوطاته في الأحمدية بحلب ومنها صورة في معهد التراث، وفي تونس وفي دار الكتب المصرية برقم(6/48) وفي تشستربيتي وفي بيروت.
- كشف الرين في أحوال العين، وهو مختصر في طب العين ويتألف من ثلاث مقالات: في كليات العين، وفي أمراض العين ، وفي أدوية العين المفردة والمركبة. طبع بتحقيق محمد قلعه جي ومحمد وفائي بالرياض 1993م.
- نخب الذخائر في أحوال الجواهر: حققه لويس شيخو وطبعه الأب أنستاس الكرملي في بغداد عام 1931م، ثم أصدرته دار مكتبة لبنان 1991م.
- الدر النظيم في أحوال العلوم والتعليم.
- إرشاد القاصد إلى أسنى المقاصد، وهو رسالة في مختلف العلوم. طبعت في بيروت وكلكتا، وترجم القسم المتعلق بعلم النجوم إلى الألمانية عام 1906م.
- معراج الدراية شرح الهداية في الفقه.
- جامع الأسرار شرح المنار في أصول الفقه.
- غنية اللبيب في غيبة الطبيب، وفيه نوع من إرشاد الناس إلى الطريقة التي يمكن لهم من خلالها معالجة الأمراض التي قد تصيبهم وهُم بعيدين عن الأطباء، مقتفياً بذلك أثر الطبيب العملاق أبو القاسم الزهراوي (المتوفي بالأندلس سنة 427 هـ)، والذي ألَّف كتابه الشهير “التصريف لمَن عجِزَ عن التأليف“، وذلك كدليل يساعد المرضى والمصابين على معالجة أنفسهم.
وفاته:-
أُصيبَ ابن الأكفاني بمرض الطَّاعون الأسود أثناء إقامته في مصر، فتوفِّي في الأخيرة بعيداً عن مسقط رأسه وذلك سنة 1348 م (749 هـ)، أي بعد وفاة الطبيب الشهير ابن النفيس بنحو 62 عام، والذي كان قد عمل في البيمارستان المنصوري أيضاً.
اقرأ ايضاً ابن سينا .. أول من توصل إلى تشخيص حالة الدوالي
المصادر:-
- الوافي بالوفيات، الصفدي.
- معجم البلدان، ياقوت الحموي.
- غنية اللبيب، أنور الزنادي، شبكة الألوكة.
- الطب في مصر وبلاد الشَّام في العصر المملوكي، كعدان والصغير.
- المكتبة الرقمية العالمية.