من هو بختيشوع بن جبرائيل ؟
هو بختيشوع بن جبرائيل بن بختيشوع ابن جرجس، طبيب عراقي سرياني الأصل، من مواليد القرن الثامن الميلادي، ينتمي لعائلة بختيشوع العريقة التي تعود أصولها لجنديسابور في إقليم الأهواز.
كان بختيشوع شديد القرب من الخلفاء العباسيين، فخدم الواثق، والمتوكل، والمستعين، والمهتدي، والمعتز، وكان أشد القرب إلى الخليفة المتوكل، إذ بلغ في عهده منزلة كبيرة، ونال مالاً وجاهاً عظيماً.
وبختشيوع تعني عبد المسيح، حيث أن معنى البخت في السريانية هو العبد، بحسب ابن أبي أصيبعة.
منزلة آل بختيشوع العلمية والاجتماعية:-
آل بختيشوع هم عائلة سريانية خدمت الخلفاء والطب لمدة تزيد على قرنين ونصف، وحصدت من وراء ذلك الجاه والثروة. بدءاً من رأسها جورجيوس بن جبرائيل الذي كان رئيسا لبيمارستان جنديسابور، فأحضره الخليفة أبو جعفر المنصور. مرورا بأبنائه وأحفاده بختيشوع بن جورجيوس، جبرائيل بن بختيشوع ، جبرائيل بن عبد الله بن بختيشوع، وعبد الله بن جبرائيل الذي توفي عام 451ه.
وقد قال فثيون الترجمان عنهم: “إن جنس جورجس وولده كانوا أجمل أهل زمانهم بما خصهم الله به من شرف النفوس ونبل الهمم، ومن البر بالمعروف والأفضال والصدقات، وتفقد المرضى من الفقراء والمساكين، والأخذ بأيدي المنكوبين والمرهوقين على ما يتجاوز الحد في الصفة والشرح”.
شهرته في مجال الطب:-
لقد كان بختيشوع بن جبرائيل بن بختيشوع طبيباً حاذقاً ابن طبيب، وحفيد طبيب، اعترف له ابن سينا بفضله فقال”جبرائيل بن بختيشوع بن جورجس كان مشهوراً بالفضل جيد التصرف في المداواة. عالي الهمة، سعيد الجد، حظياً عند الخلفاء، رفيع المنزلة عندهم، كثيري الإحسان إليه. وحصل من جهتهم من الأموال، ما لم يحصله غيره من الأطباء”. وقد كان طبيبا متمكنا عالما باسرار مهنته، مثقفا، خبيرا، خلّف كتبا ورسائل عديدة، تعتبر مراجع مهماً في علم الطب.
علاقة بختيشوع بن جبرائيل ومنزلته بقصر الخلافة:-
لما ملك الواثق أمر الخلافة؛ كان محمد بن عبد الملك الزيات وابن أبي داود يعاديان بختيشوع لسراته وظهور مروءته ونبله وحسن معرفته وكثرة بره وصلاته، وكانا يضرمان عليه الواثق حتى نكبه وقبض أملاكه ونفاه إلى جنديسابور، وقد ذكر ابن أبي أصيبعة تفاصيل نفي بختيشوع المتكرر بسبب مكائد الكائدين والحاقدين عليك في كتابه الشهير عيون الأنباء في طبقات الأطباء.
ولما اعتل الواثق بالاستسقاء وبلغ الشدة في مرضه؛ أنفذ من يحضر بختيشوع فمات الواثق قبل أن يوافي بختيشوع، ولما ولي المُتوكل صلحت حال بختيشوع حتى بلغ في الجلالة والرفعة وعظم المنزلة وحسن الحال وكثرة المال وكمال المروءة ومباراة الخليفة في اللباس والزي والطيب والفرش والضيافات والتفسح في النفقات مبلغا يفوق الوصف.
ومن أخباره؛ أن المعتز بالله اعتل في أيام أبيه المتوكل عِلَّةً من حرارة امتنع معها من أخذ شيء من الأدوية والأغذية فشق ذلك على المتوكل كثيراً واغتم له غمة شديدة فصار إليه بختيشوع والأطباء عنده وهو على حاله في الامتناع وقوة المرض فحادثه ومازحه فأدخل المعتز يده في كم جبة وشي يماني كانت على بختيشوع ، وقال: ما أحسن هذا الثوب.
فقال له بختيشوع: “یا مولانا ما له والله نظير في الحسن وثمنه عليَّ ألف دينار، كل تفاحتين وخذ الجبة”، فدعا المعتز بتفاحتين وأكلهما فقال بختيشوع: “تحتاج الجبة إلى ثوب يكون معها وعندي ثوب هو أخ لها فاشرب شربة سكنجبين وخذه”، فشرب شربة سكنجبين وأخذهما فوافق ذلك اندفاع طبيعة المعتز، وكان المتوكل يشكر هذا الفعل أبدا بختيشوع ويعتقد به له.
مواقف مع المتوكل:-
قال بعض الرواة: دَخَلَ بختيشوع بن جبريل يوماً إلى الخليفة المتوكل وهو جالسٌ على سدَّة في وسط داره
الخاصَّة، فجَلَسَ بختيشوع على عادته معه فوق السدَّة وكان عليه درَّاعة ديباج رومي وكان قد انشقَّ ذيلها قليلاً.
فجَعَلَ المتوكِّل يُحادِث بختيشوع ويعبث بذلك الفتق حتى بلغ إلى حد النَّيفق، ودار بينهما الكلام يقتضي أن
سأل المتوكل بختيشوع بماذا تعلمون أن الموسوس يحتاج إلى الشَّد.
قال بختيشوع: إذا بلغ إلى فَتق درَّاعه طبيبه إلى حد النيفق شددناه، فضحك المتوكِّل حتى استلقى على
ظهره، وأمر له بخلعة حَسَنة ومالٍ جزيل، وهذا يدُل على لطف منزلة بختيشوع عند المتوكِّل وانبساطه معه.
وفي يوم من الأيام؛ قال لبختيشوع: ادعُني، قال: نعم وكرامة، فأضافه وأظهر من التجمُّل والثروة ما أعجب
المتوكل والحاضرين، وقد استكثر المتوكل لبختيشوع ما رآه من نعمته وكمال مروءته فحَقَدَ عليه ونكَبَه
بعد أيَّام يسيرة فأخذ له مالاً وحضر الحسين بن مخلد فختَمَ على خزائنه وباع شيئاً كثيراً وبقي بعد ذلك
حطب وفحم ونبيذ وأمثال هذه فاشتراه الحسين بستة الآف دينار، وذكر أنه باع من جملته بإثني عشر ألف
دينار، وكان هذا في سنة أربع وأربعين ومائتين.
مؤلفاته:-
لجبرائيل بن بختيشوع من الكتب:
- رسالة إلى المأمون في المطعم والمشرب.
- كتاب المدخل إلى صناعة المنطق.
- كتاب في الباه.
- رسالة مختصرة في الطب.
- كتاب في صنعة البخور، ألفه لعبد الله المأمون.
وفاة بختيشوع بن جبرائيل:-
توفي بختيشوع في شهر صفر من سنة 256هـ (القرن التاسع الميلادي) ببغداد . ولما توفِّي خلف عبيد الله
ولده وخلف معه ثلاث بنات وكان الوزراء يضادونهم ويطالبونهم بالأموال، فتفرقوا.
المصادر:-
- ابن أبي أصيبعة : عيون الأنباء في طبقات الأطباء.
- جمال الدين القفطي: تاريخ الحكماء.
- جمال الدين القفطي: إخبار العلماء بأخبار الحكماء.
- ابن العبري، تاريخ مختصر الدول.
- خير الدين الزركلي : الأعلام.
- هيكل نعمة الله و إلياس مليحة: موسوعة علماء الطب حياتهم وآثارهم.
- عبد المجيد عطية: تنظيم صنعة الطب خلال عصور الحضارة العربية الإسلامية.