اسمه ونشأته:-
موفق الدين يعقوب بن سِقْلاب المقدسي المشرقي، طبيب فلكي، نصراني، وعاش ابن سقلاب في القدس وأقام بها سنين كثيرة.
مكانة ابن سقلاب العلمية:-
كان يعرف ابن سقلاب العلم الطبيعي والهندسة والحساب والأحكام النجومية، كان أعلم أهل زمانه بكتب جالينوس ومعرفتها والتحقيق لمعانيها والدراية لها.
وكان من كثرة اجتهاده في
صناعة الطب وشدة حرصه ومواظبته على القراءة والمطالعة لكتب جالينوس، وجودة فطرته
وقوة ذكائه، أن جمهور كتب جالينوس وأقواله فيها كانت مستحضرة له في خاطره.
فكان مهما تكلم به في صناعة
الطب على تفاريق أقسامها، وتفنن مباحثها، وكثرة جزئياتها، إنما ينقل ذلك عن
جالينوس.
ومهما سُئِلَ عنه في صناعة
الطب من المسائل والمواضيع المستعصية وغيرها، لا يجيب بشيء من ذلك إلا أن يقول:
قال جالينوس، ويورد فيه أشياء من نصوص كلام جالينوس، حتى كان يُتَعَّجَب منه في
ذلك.
وربما أنه في بعض الأوقات كان يذكر شيئاً من كلام جالينوس، ويقول: هذا ما ذكره جالينوس في كذا وكذا ورقة من المقالة الفلانية من كتاب جالينوس، ويسميه، ويعني به النسخة التي عنده؛ وذلك لكثرة مطالعته إياها وأنسه بها.
شهادة ابن أبي أُصَيْبعة:-
قال ابن أبي أُصَيْبعة في وصف ابن سقلاب : “ومما شاهدته في ذلك من أمره، أنني كنت أقرأ عليه في أوائل اشتغالي بصناعة الطب، ونحن في المعسكر المعظمي، وكان أبي أيضاً في ذلك الوقت في خدمة الملك المعظم رحمه الله شيئاً من كلام أبقراط حفظاً واستشراحاً.
وزاد” فكنت أرى من حسن تَأتيه في الشرح وشدة استقصائه للمعاني بأحسن عبارة وأوجزها وأتمها معنى، ما لا يجسر أحد على مثل ذلك ولا يقدر عليه، ثم يذكر خلاصة ما ذكره وحاصل ما قاله، حتى لا يبقى في كلام أبقراط موضع إلا وقد شرحه شرحاً لا مزيد عليه في الجودة، ثم إنه يورد نص ما قاله جالينوس في شرحه لذلك الفصل على التوالي إلى آخر قوله”.
ولقد كنت أراجع شرح جالينوس
في ذلك فأجده قد حكى جملة ما قاله جالينوس بأسره في ذلك المعنى، وربما ألفاظ كثيرة
من ألفاظ جالينوس يوردها بأعيانها من غير أن يزيد فيها ولا ينقص، وهذا شيء تفرد به
في زمانه”.
وكان في أوقات كثيرة لما
أقام بدمشق يجتمع هو والشيخ مهذب الدين عبد الرحيم بن علي في الموضع الذي يجلس فيه
الأطباء عند دار السلطان، ويتباحثان في أشياء من الطب، فكان الشيخ مهذب الدين أفصح
عبارة وأقوى براعة وأحسن بحثاً، وكان الحكيم يعقوب أكثر سكينة وأبين قولاً وأوسع
نقلاً؛ لأنه كان بمنزلة الترجمان المستحضر لما ذكره جالينوس في سائر كتبه من صناعة
الطب.
وكان الحكيم يعقوب أيضاً
متقناً للسان الرومي خبيراً بلغته، ونقل معناه إلى العربي، وكان عنده بعض كتب
جالينوس مكتوبة بالرومي؛ مثل: «حيلة البرء»، و«العلل»، و«الأعراض»، وغير ذلك.
وكان أيضاً ملازماً لقراءتها
والاشتغال بها.
ولازم في القدس رجلاً فاضلاً
فيلسوفاً راهباً في دير السيق، كان خبيراً بالعلم الطبيعي، متقناً للهندسة وعلم
الحساب، قوياً في علم أحكام النجوم والاطلاع عليها.
واجتمع أيضاً الحكيم يعقوب
في القدس بالشيخ أبي منصور النصراني الطبيب، واشتغل عليه، وباشر معه أعمال صناعة
الطب، وانتفع به.
وكان الحكيم يعقوب من أتم
الناس عقلاً، وأسدهم رأياً، وأكثرهم سكينة.
معالجاته:-
كانت في الغاية من الجودة
والنجح؛ وذلك أنه كان يتحقق معرفة المرض أولاً تحقيقاً لا مزيد عليه، ثم يشرع في
مداواته بالقوانين التي ذكرها جالينوس، مع تصرفه هو فيما يستعمله في الوقت الحاضر.
وكان ابن سقلاب شديد البحث واستقراء الأعراض، بحيث أنه كان إذا افتقد مريضاً لا يزال يستقصي منه عرضاً عرضاً وما يشكوه مما يجده من مرضه حالاً حالاً، إلى ألا يترك عرضاً يستدل به على تحقيق المرض إلا ويعتبره، فكانت أبداً معالجاته لا مزيد عليها في الجودة.
وكان الملك المعظم يشكر منه هذه الحالة، ويصفه ويقول: لو لم يكن في الحكيم يعقوب إلا شدة استقصائه في تحقيق الأمراض حتى يعالجها على الصواب ولا يشتبه عليه شيء من أمرها.
تعرف على أحمد بن الجزار القيرواني .. الفيلسوف الباهر والطبيب الحاذق
وفاة ابن سقلاب :-
توفي ابن سقلاب في دمشق، في عيد الفصح، في شهر ربيع الآخر، سنة 625هـ.
المصادر:–
- الأعلام (8/198).
- عيون الأنباء في طبقات الأطباء (697).
- الوافي بالوفيات (28/62/رقم 59).