Site icon العربي الموحد الإخبارية

أبو جعفر الغافقي .. الطبيب الأندلسي العالم بالأعشاب

أبو جعفر الغافقي هو أحمد بن محمد بن أحمد ابن السيد، والذي اعتبر من أكثر أطباء الأندلس علماً بالأدوية والأعشاب، حيث قال عنه المؤرِّخ الكبير أحمد المقري في كتابه “نفح الطيب في غصن الأندلس الرَّطيب”: “.. ذاعَ اسمه وفضله العلمي في الآفاق”.

حقق شهرة واسعة في العصور الوسطى وذلك براعته في الطب والصيدلة واطلاعه العميق على مؤلفات الأطباء اليونان وعمله من بعد ذلك على تطوير العقاقير والأدوية.

عاش الغافقي في القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي)، وقد نُسِبَ إلى غافق، وهي قرية قُرب قرطبة، وابنه هو محمد بن أسلم، الطبيب والكحال الشهير، صاحب كتاب “المرشد في طب العين”.

أبو جعفر الغافقي ومكانته العلمية:-

أبو جعفر الغافقي هو إمام فاضل وحكيم عالم من أكابر الأندلس، قال عنه المؤرِّخ ابن أبي أصيبعة: إنه كان أعلم أهل زمانه بقوى الأدوية المفردة وفوائدها وخصائصها وأسمائها وآثارها الجانبية، إذ أمضى الشطر الأكبر من حياته باحثاً في النبات والأعشاب والأدوية المفردة وخصائصها.

استفاد عالم الأدوية والأعشاب ابن البيطار من مساهمات الغافقي الذي كان بدوره قد استفاد من الكتب النباتية لكل من جالينوس وديسقوريدس.

  • وقد قال عنه المستشرق الألماني مايرهوف إنَّ الغافقي: ” أكثر الصيادلة العرب أصالة وأحسن عالم نباتي في العصر الوسيط”.
  • ويقول الطبيب المؤرِّخ الفرنسي لوسيان لوكلير: إن الغافقي من حيث أهميته في تاريخ الطب الإسلامي، يأتي في المرتبة الثالثة بعد العملاقين الرازي، وابن سينا.
  • كما تناوله الدكتور نهاد عباس زينل بالقول: “إنه كان من أعلم أطباء الأندلس في العصور الوسطى بالأدوية والأعشاب.. وكان له أثرٌ لا يُستهان به في تطوُّر المعرفة في الأدوية والأغذية المستعملة في المداواة في الشرق والغرب”.

كتابه الأدوية المفردة :-

ترك أبو جعفر الغافقي خلفه أحد أهم المؤلفات التي أنجزها المسلمون في مجال الأدوية وخصائصها، ألا وهو كتاب ” الأدوية المفردة “والذي كانَ مُتردِّدَاً في إنجازه حيث خشي من جهل العامة في التمييز بين الصَّحيح وبين عديم الصحَّة.

قيل عن كتابه: إنه لا نظيرَ له في الجودة ولا شبيه له في المعنى، حيث استقصى فيه ما ذكره ديسقوريدس وجالينوس بأوجز لفظ وأتمَّ معنى، ثمَّ ذكر ما تجدَّد بعدهما للمتأخرين من الكلام في مضمار الأدوية المفردة، مضيفاً بعض الحشائش المستعملة في الطب بالأندلس والتي لم يأتِ على ذكرها أحد قبله، ليصبح كتابه المرجع الأول في هذا الميدان لسنوات طويلة.

تميز الكتاب بمحتواه الذي تضمَّن وصفاً بديعاً وبالغ الدِّقَّة للأدوية، حيث تحرَّى صاحبه الأمانة العلمية من خلال وضع الأسماء اللاتينية والبربرية إلى جانب الاسم العربي.

وقد أدرَج في كتابه ما يربو على 840 عقاراً أو دواءً مفرداً ، مستشهداً بمن عرف كل دواء بعينيه، وما عرفه بنفسه.

اطلع الغافقي على مؤلفات ديسقوريدس.

ابن البيطار ينقل عن الغافقي:-

كما أشرنا سابقاً إلى أن ابن البيطار اعتمد كثيراً على كتاب الغافقي في إنجاز مؤلَّفه الشهير “الجامع لمفردات الأدوية والأغذية”، لا بل أن البعض رأى في مفردات الأخير مشابهة تماماً لما أورده الغافقي في “الأدوية المفردة” أو الذي يعُرَف أيضاً بكتاب “الحشائش”، لكن ابن البيطار استقى معلومات أخرى مصدرها يوحنا بن ماسويه و ابن سينا والرازي وأبو حنيفة الدينوري وابن رضوان المصري وابن جلجل وإسحاق بن عمران و الإدريسي وابن الرومية وغيرهم.

وقد تحرَّى ابن البيطار (توفي 1248 م) أمانة النقل عن الغافقي، وقد جاء كتابه “الجامع” أكثر شمولاً بفضل تعدُّد مصادره العربية والأندلسية واليونانية، وقد تركَ هذا الكتاب بصمته الكبير في عالم الأدوية والأغذية المستخدمة لأغراض المداواة طيلة العصور الوسطى.

ومن ضمن الاقتباسات التي أخذها ابن البيطار من الغافقي في “الجامع” قوله:

  • قال الغافقي : أصل شجرة البرباريس إذا طُبِخَ بشراب أو حُلَّ وسُقِي، نفع من أوجاع الكبد منفعة عظيمة ويلين ورَمَها.
  • ذكر الغافقي دواءً آخر وسماه عشبة السباع، وهو ينتفع من عضَّة الكلب.. وذكر أيضاً دواءً آخر يشبه الشبت شبهاً كثيراً في ساقه وورقه ورائحته، ومنابته في أرض دقيقة رقيقة ذات حجارة، وله أصلٌ طويل كالشلجم الطويل أو الجزر، وطعمه حلو وفيه حرارة كثيرة وإذا أُخِذَ من لحاء أصله شيءٌ ودُقَّ واستخرج ماؤه وسُقِيَ منه المعضوض من كلب قدر درهمين في لبن حليب قيأهُ ويُنتفع به جدَّاً.
  • أبو جعفر الغافقي يحكي عن غيره أن (آذان الفار البري) شجرة تنبتُ في الرَّمل مفترشة الأغصان على الأرض لها ورق صغار شبيهة بآذان الفار البستاني لا يُغادَر منه شيئاً، وهذا النَّبات إذا دُقَّ بأسره واستُخرجِت عُصارتهِ ومرخ بها الذَّكر والمراق ينفع من لا يتعظ ولا يجامع فأنعظه وزاد جِماعه.
  • الغافقي وبعض الأطباء (قالوا): إن الأرنب البري ينفع بجملته من الخدَرَان، شوي وأكل لحمه، وإذا طجن (طاجين) أو غُمَّ في قِدْر ؛ نَفَعَ من قُروح الأمعاء، وقد يُحرق الأرنب كما هو صحيحاً، ويُستعمل للعصاة المتولِّدة في الكليتين..
ابن البيطار نقل بأمانة عن الغافقي .
  • قال الغافقي عن إكليل الجبل: هو نباتٌ معروفٌ عند النَّاس من نبات الجبال، يعلو أكثر من ذراع، وورقه طويل دقيق كالهدب متكاثف، ولونهُ إلى السَّواد، وعود خشبي صلب، وله بين أضعاف الورق زهرٌ دقيق، لونه بين الزُّرقة والبياض، لهَ ثمرٌ صلب إذا جفَّ تفتَّح وتناثَرَ منه بزرٌ دقيقٌ أدقّ من الخردل، وورقه في طعمه حرافة (حار) ومَرارة وقبض، وهو طيِّب الرَّائحة حار يابس، يُدرّ البول والطَّمث ويُحلِّل الرِّياح، ويفتح سدَد الكبد، ويُنَقِّي الرِّئة، وينفع من الخَفَقَان والرَّبو والسُّعال والاستسقاء الزَّقي، والصيَّادون يجعلونه في جوف الصَّيد بعد إخراج ما في أحشائهِ ليمنعهُ من إسراع النتن.
  • قال عن حجر الحوت: هو حجرٌ يوجد في رأس حوت يقومُ مقامه دماغه، وهو أبيض صلب يُشرَب فيُفَتِّت الحصى المتولِّد في الكليتين، وفعله الأوائل في ذلك قويٌّ جدَّاً.

تعرف أكثر هنا على  يوحنا بن ماسويه .. الطبيب النسطوري الأمين للخلفاء العباسيين

المصادر:-

  • طبقات الأطباء، ابن أبي أصيبعة.
  • الجامع لمفردات الأدوية، ابن البيطار.
  • الإنجازات العلمية للأطباء في الأندلس، نهاد زينل.
  • مسالك الأبصار في ممالك الأمصار، العمري.
Exit mobile version