Site icon العربي الموحد الإخبارية

أبو عبد الله التميمي المقدسي الترياقي .. الطبيب والصيدلي

هو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن سعيد الحكيم التميمي المقدسي الترياقي الطبيب والصيدلي وعالم النبات الشهير،  وقد حَمَلَ اسم التميمي وذلك لأغراض تمييزه عن ابن مدينته (القدس الشريف)، محمد بن أميل التميمي الخيميائي.

وُلِدَ في مدينة القدس وعاش فيها معظم حياته وتنقَّل إلى الرملة والقاهرة حيث وافته المنية في الأخيرة سنة 990 ميلادية (368 هجرية)، والتي قصدها للعمل كطبيب لبعض حكام الدولة الفاطمية بمصر.

حقق محمد بن أحمد المقدسي شهرةً واسعةً بفضل براعته في تركيب الأدوية وصناعة الترياقات المستعملة كمضادَّات للسموم، مستفيداً من تبحُّره في علم النبات، سابقاً بذلك أعلاماً شهيرة في هذا المضمار، استفادت من علومه فيما بعد من قبيل موسى بن ميمون  (توفي 1204 م)، و ابن البيطار (توفي 1248 م)  وسواهما.

الظروف التي عاش فيها  محمد بن أحمد المقدسي :-

شهد القرن العاشر الميلادي تقلبات وتحولات سياسية عايشها أبو عبد الله التميمي المقدسي الترياقي ، وذلك بفعل المواجهات التي نشبت بين دويلات المنطقة، مثل الحمدانيين  (سوريا)، والإخشيديين (مصر)، حيث بدأت الدولة الإخشيدية في التفكُّك عقب موت كافور الإخشيدي سنة 969 م، كما استطاع البيزنطيون طرد الحمدانيين من قلعة أنطاكية واحتلوا مركز دولتهم (حلب).

وفي غضون ذلك؛ تمكَّن الفاطميون القادمون من المغرب من احتلال مصر وطرد الإخشيديين منها، والمباشرة في بناء مدينة القاهرة على يد جوهر الصقلي، وفي سنة 970 م؛ هاجم القائد السوري جعفر بن فلاح حاكم فلسطين الإخشيدي واسمه حسن بن عبد الله بن طغج واقتاده أسيراً، علماً بأن  محمد بن أحمد المقدسي كان الطبيب الخاص لهذا الوزير الأسير وذلك في مدينة الرملة التي كانت مقراً لحكم الإخشيديين في فلسطين.

المقدسي يتحدث عن الرملة التي كانت في عهده أكبر مدن فلسطين
أبو عبد الله التميمي المقدسي مارس الطب والصيدلة في مدينة الرملة.

مسيرته المهنية :-

أبو عبد الله التميمي المقدسي الترياقي صاحب مسيرة مهنية زاخرة، حيث ذاعت شهرته في فلسطين ومحيطها وصولاً للأقاليم الأبعد، فقد وجه شغفه لتوسيع رقعة اطلاعه وأبحاثه على النباتات وذلك لأغراض استخراج الأدوية والترياقات منها، مستفيداً مما تزخر به فلسطين من وفرة وتنوع في أصناف النبات.

ولذلك استدعاه حاكم الرملة الإخشيدي الحسن بن عبد الله متخذاً إيَّاه طبيبه الخاص، وبعد أن أُسِرَ الأول ؛ فقد دُعِيَ المقدسي إلى البلاد الفاطمي قي القاهرة، ليكون طبيباً خاصَّاً بالوزير اليهودي يعقوب بن يوسف بن كلس الذي كان قد خدم الإخشيدي في مصر ثم هرب للمغرب ليعود لاحقاً مع الفاطميين إلى القاهرة.

مؤلفات محمد بن أحمد المقدسي :-

ألَّف محمد بن أحمد المقدسي  عدداً كبيراً من المؤلفات التي تتوزع ما بين العلوم الطبية والنباتية ، فضلاً عن كتبه في مجالي التفسير والفقه، وفيما يلي أبرز هذه المؤلفات:

  • كتاب “مادة البقاء في إصلاح فساد الهواء والتَّحرُّر من ضرر الأوباء”، وهو أشهر مؤلفاته، ويتألف من عشرة فصول أو مقالات.
  • كتاب “المرشد إلى جواهر الأغذية  وقوى المفردات من الأدوية”، والذي يُعرَف اختصاراً باسم “المرشد”، وتحتفظ المكتبة الوطنية الفرنسية بأجزاءٍ منه، ويتناول هذا الكتاب خصائص بعض أصناف النبات التي يعتمد عليها كمواد مضادَّةٍ للسموم (ترياق)، كما يستعرض قيمة كل منها بما تحتويه من مواد طبية نافعة للبدن.
  • كتاب “في الترياق”.
  • كتاب”مخلص النفوس”، والذي اعتبر سابقة في ميدان استعمال النباتات والمعادن لأغراض معالجة حالات التسمم الناجمة عن لدغ الحيَّات والعقارب، وقد ألَّف هذا الكتاب في مدينة القدس، قائلاً إنه كان يهدف منه  ليكون “.. دافع لضرر  السُّمومات القاتلة المشروبة والمصبوبة في الأبدان، بلسع ذوات السُّم من الأفاعي والثَّعابين وأنواع الحيَّات المُهلِكَة السُّم، والعقارب..”.
  • كتاب “مختصر في الترياق” وفيه شقَّ طريقاً جديداً في كيفية استعمال موارد الأرض لغايات معالجة الأمراض.
  • كتاب عن الرمد وأنواعه وأسبابه وعلاجه.
  • كتاب “مفتاح السرور في كُل الهموم” والذي طرق فيه أبواب العلاج النفسي، وتحدَّث فيه عمَّا يروِّح النفس البشرية من الكتابات، كما عرض فيه كيفية صناعة العطور والأبخرة المُلطِّفة للجو.
  • كتاب “حبيب العروس وريحان النفوس” والذي يشابه سابقه من حيث خوضه غمار الطب النفسي.

كتاب مادة البقاء في إصلاح فساد الهواء والتحرُّر من ضرر الأوباء :-

أبو عبد الله التميمي المقدسي الترياقي أقَدَم على تأليف كتابه الأشهر ” مادة البقاء في إصلاح فساد الهواء والتحرُّر من ضرر الأوباء ” وذلك كنوعٍ من التقدير والعرفان للوزير الفاطمي ابن كلس والذي أحاطه بعنايته حينما انتقل للقاهرة التي شيَّدها الفاطميون وذلك بعد طردهم للإخشيديين من مصر.

ويقول المقدسي في هذا السياق: “رأيتُ أن أُؤدِّي حقَّ من بوأني هذه المكانة، وأفاضَ عليَّ هذه النعمة، أن أتأتى لسلامة نفسه النفسية من الأمراض، وأتلطَّفَ في استنقاذها من الأعراض، بتأليفِ كتابٍ يبلغُ به تعديل مزاجهُ ودفع الأعراضِ عن نفسهِ الجليلة من يتولَّى خدمته، ويختصُّ بالقُرب منه..”.. فأهدى مؤلفه لابن كلِّس.

وقد تناول في كتابه طبيعة الأوبئة التي تنتشر في الأجواء، وكيف تنتقل من المصاب به إلى الشخص السليم، كما تعرَّض إلى التدابير الوقائية ضد الأمراض المنقولة بالهواء، وقد جاء على ذكر السُبُل التي يمكن عبرها إصلاح الهواء والماء الفاسدين.

كما لم ينسَ المقدسي الإشارة في كتابه إلى مساهمات من سبقه في هذا العلم الذي حقق فيه قفزات نوعية أفادت شتى أنواع الطب في القرون التالية .

اقتباسات من مادة البقاء في إصلاح فساد الهواء والتحرُّر من ضرر الأوباء :-

يقول أبو عبد الله التميمي المقدسي الترياقي في كتابه ما يلي :

  • الهواء هو سببُ الأمراض لمرض النَّاس جميعاً، ولكن بعضهم قوى على المقاومة، ويُسمَّى ذلك ” اعتدال أمزجة أبدانهم”، مشيراً إلى العوامل التي من شأنها تقوية مناعة المريض ومن بينها نوعية الطعام والشراب، الحركة والسُّكون، النوم واليقظة، الاستفراغ والامتناع..
  • للتخلُّص من تلوث الماء يقول التميمي: ” من أراد إصلاحه بالنَّار أن يطبخهُ في آنية من النُّحاس المونك، أو من حَديد البرام”، حيث يوجِّه بأن يجري غليه حتَّى يتبخَّر ربعه ثُمَّ “يُبَرَّد في آنية من الخَزَف الرَّقيق المتخلِّل الأجزاء الكثير الرَّشح”.
  • ينبِّه دوماً إلى دور الخمائر في حدوث الأوبئة والأمراض، سابقاً بذلك ما تم كشفه بعد قرون من دور للميكروبات في هذا الصَّدَد.
  • يرى أنَّ المياه الراكدة هي في طليعة الأسباب المؤدية إلى تفشِّي الأوبئة والأمراض.
  • يوصي بعلاج الذين يغلب الدَّم على أمزجتهم وترتفع درجة حرارتهم بالفصد، وتزويدهم بالأشربة المطفئة للدَّم الثَّائر.
  • ليتمكَّن المرء من أن يعيش في بيئة نظيفة تصون بدنه وتحفظ عافيته؛ عليه أن يتَّبع نظاماً غذائياً صحيَّاً ، وأن يتجنَّب عن كل ما يتسبب بإيذاء جسمه، والحرص على ممارسة الرياضة، ونيل القسط الكافي من النوم، والابتعاد عمَّا يكدِّر صفو حياته من قلق وضغوطات.
مادة البقاء في إصلاح فساد الهواء والتحرُّر من ضرر الأوباء أشهر مؤلفات المقدسي الترياقي .

أبو عبد الله التميمي المقدسي .. وصفاته الطبية :-

تعمَّقَ أبو عبد الله التميمي المقدسي في مجال توظيف النباتات والمعادن وأصناف الحجارة وغيرها للأغراض الصحية وبغية استعمالها من قبل المرضى والمصابين في العلاجات والترياقات، ومن بين وصوفاته :

  • شَادِرُوَان: هو شيءٌ شبيهٌ بالصَّمْغِ الأسود، شديد اللَّون مثل حصى الشِّيح، ويكونُ في التجويفات التُّرابية الكائنة في أصول أشجار الحُور الكِبار العتيقة التي قدِمَت ونُجِرَت أصولها، فإذا قُطِعَت الشَّجرة، وُجِدَ الشادوران في دواخل تلك التجويفات والنحر والجيِّد إذا كسرته، كان له بصيصٌ، فإذا أنقعته في الماء الحار؛ انحلَّ وبودي لونه محلولاً إلى الشُّقرة، ويُشبهُ كسرهُ كسر الأقاقيا صافياً بصاصاً، وفي طعمه يسير مرارة، وإذا سُحِقَ منه وزن درهم وشُرِبَ بماء لسان الحَمَل قَطَعَ نفث الدَّم وحَبسَ الطبيعة، وقطع الإسهال، وذلك لأنَّ فيه قبضاً وتغرية، وقد يدخُل في السُّفوفات الحابسة للدَّم في كثيرٍ من الأضمدة القابضة المُمْسِكة، القاطعة لانبعاث الدَّم من الأعضاء، وإذا تحمَّلت به المرأة في فرجها بعد عجنه بالخَلّ، قطع النزف، وقوَّى عروق الرَّحم وأوردتها، وكذلك إذا سُقِيَ بعصير لسان الحمل، وإذا حُقِنَت الرحم به أيضاً، وقد يحلُّ الأخضر منه في ماء ورق الآس وزن مثقالين، ويُسكَبُ عليه من دِهْن الآس وزن ثلاثة دراهم أو خمسة، وتغلف به المرأة شعرها إذا كان يتساقط ، ويُسقى أصول الشَّعر به محلولاً بماء الآس، فيُقوِّي أصول الشَّعر ويمنعهُ من السُّقوط والتَّناثر.
  • مها (صنف من الزُّجاج غير أنه يصاب في معدنه مجتمعاً بالمغنيسيا): إذا سُحِقَ وصُوِّلَ بالماء؛ قَلَعَ البياض من العين.
  • رجل الغراب: يُسمى رجل الزَّاغ ومنابتها في بعض ضياع بيت المقدس من شرقيه على ميل من الطريق، وهي نبتةٌ تطولُ على وجه الأرض شبراً أو شبراً ونصف، ورقها شديد الخُضرة يضرب إلى الأسود في شكل ورق الرَّشاد البُستاني، وكل ورقة  مشقوقة بنصفين يكون منها ثلاث ورقات دِقاق الوسطى أطولهُنّ؛ واللذان يليانها أقصر منها كمثل أصبع رجل الغرب، ولها أصول غائرة في الأرض مثل شكلها في الاستدارة في شكل التوتياء البجري، وظاهرها يميلُ إلى الصُّفْرَة.
  • سرطان بحري: هذا السَّرطان مُستحجر بارد ليسَ في الدَّرَجة الثالثة بل أزيَد، ويدخل في الأكحال محرقاً وغير محرق، والمحرق أفضل و أقوى لفعله، وفيه أيضاً قبض وجلاء ويُنشِّف الرُّطوبات المنصبَّة إلى طبقات العين، وفيه تقوية لطبقاتها وعضلاتها وأعصابها، ويزيد في جلاء العين، وإذا أُحرِقَ بالنَّار؛ زادَ لطافةً وتقوية.
  • شنج: هو الحلزون الكبار البحري المقترن الجوانب، وهو نوعٌ من الحلزون، عظيم، غليظ الوسَط، مًستدَق الطَّرفين، مملوء الجوانب بقرون له ثابتة، وجوفة خالٍ، وقد يُجلب من بلاد الهند وبحر الحبش وبحر اليمن، ولون باطنه أبيض، غليظ الجسم، وربما يعلو ظاهره صُفرة ورقطة، وزعموا أنَّ البحر يقذف به مع الزلف، وقد يوجَد في بعضه حيوانٌ لزِج على شكل البزاقات يُسمَّى الحلزون، وهو  إذا أُحرِقَ يدخل في كثير من أكحال العين الجالية في كثيرٍ من إشياقفاتها وأدويتها وتحجيراتها، وذلك أنَّهُ إذا أُحرِقَ وسُحِقَ وأنهم سحقُه وغُسلَ واكتُحِلَ به غير محرق كان أقوى لجلائه، وإذا اكتحل به محرقاً كان أقوى لتنشيفه وتجفيفه، وإن غُسِلَ بعد إحراقهِ كان تنشيفه من غير لذع، وقد يُقوِّي حُسن البصر، وينشِّف رطوبة البيضة، وفيه قوَّتان نشَّافة وجلاءة.   

اقرأ أيضاً: البيمارستان النوري في دمشق .. أحد أبرز تجليات تقدم المسلمين في المجال الطبي

المصادر:-

  • طبقات الأطباء، ابن أبي أصيبعة.
  • مسالك الأبصار في ممالك الأمصار، العمري.
  • مادة البقاء في إصلاح فساد الهواء والتحرُّر من ضرر الأوباء، قراءة وتحقيق فاضل السعدوني.
Exit mobile version