أبو القاسم المجريطي – اسمه ونشأته:-
مَسْلَمَة بن أحمد بن قاسم بن عبد الله، أبو القاسم المجريطي فيلسوف رياضي فلكي كبير، وُلِدَ في مَجْرِيط (مدريد الإسبانية اليوم) سنة 338هـ (949 م)، وعاش في قرطبة.
المجريطي الذي اعتبره الأندلسيون المعاصرون له حجة عصره في علم الفلك؛ انتقل في فترة شبابه إلى قرطبة عاصمة الخلافة الأموية في الأندلس آنذاك، وهناك درس وعمل حتى وفاته.
كانت إنجازاته الأساسية في مجال الفلك الرياضي، ومن المعروف أيضاً أنه كان يكتب في المعاملات التجارية.
أبو القاسم المجريطي – المكانة العلمية:-
يعد إمام الرياضيين بالأندلس، وأوسعهم إحاطة بعلم الأفلاك وحركات النجوم، وكانت له عناية بأرصاد الكواكب وشَغَفٌ بتفهيم كتاب «المجسطي» لبطليموس، وعني بزيج محمد بن موسى الخوارزمي، فنقل تاريخه الفارسي إلى التاريخ العربي، ووضع أوساط الكواكب لأول تاريخ الهجرة، وزاد فيه جداول حسنة، إلا أنه اتبعه على خطئه ولم يُنبِّه على مواضع الغلط فيه، بحسب البعض (التوضيح أدناه).
وفي هذا المجال؛ كان أول أندلسي يضع ملاحظاته الفلكية، فوفقاً للزرقالي؛ فقد لاحظ المجريطي نجم المليك “أو نجم الأسد” في عام 979 م ، ووجد أن خط الطول السماوي له هو 135° 40′ .
بعد تحديد إحداثيات هذا النجم أصبح المجريطي قادراً على تحديد خط الطول لكل النجوم الثابتة ومن ثم تثبيت حركة مبادرة الاعتدالين عند 13° 10′ مع مراعاة عصر تجميع فهرس النجوم في كتاب المجسطي لبطليموس.
تظهر قيمة خط الطول السماوي لنجم المليك في جدول النجوم الذي يصحب تعليقات المجريطي على أطروحة بطليموس عن الإسقاط المجسم للكرة (وهي التقنية الأساسية لتشييد الأسطرلاب).
يظن بعض المؤرخين خطأ أن المجريطي تعلم اليونانية وترجم كتاب بطليموس بنفسه، ولكن الدراسات الحديثة أظهرت أنه على الأرجح قام بتنقيح ترجمة عربية لهذا العمل.
في الواقع يحتوي نص المجريطي على العديد من الإضافات لنص بطليموس والتي عملت على تحسين خطوات رسم الخطوط الأساسية للأسطرلاب وعلى تحديد مواقع النجوم الثابتة أو خرائط النجوم باستخدام عدة أنواع من الإحداثيات.
في الجزء الثاني من هذا العمل يتناول المجريطي عدداً من المسائل عن علم الفلك الكروي باستخدام نظرية مينيلوس التي كانت تعتبر أداة هندسية فريدة في عصره وقد كتب عنها سابقاً عدة ملاحظات في كتاب آخر.
اتصال مسلمة المجريطي بعلماء المشرق:-
سافر المجريطي إلى الشرق واتصل بعلماء العرب والمسلمين وتداول معهم فيما توصَّل إليه من أبحاثه في الرياضيات وعلم الفلك، وبنى مدرسة في قرطبة تتلمذ عليه فيها عدد من كبار علماء الرياضيات، والفلك، والطب، والفلسفة، والكيمياء، والحيوان.
أبو القاسم المجريطي – الإسهامات العلمية:-
- في مجال الكيمياء والرياضيات: يعتبر الـمَجْريطي حُجَّة عصره في الكيمياء، وقد كانت له في هذا المجال إسهامات عديدة؛ منها:
ميز بين الكيمياء والسيمياء، وحرر علم الكيمياء من الخرافات والسحر، ودعا إلى دراسة الكيمياء دراسة علمية تعتمد على التجربة والاستقراء. - كان يرى أن الرياضيات ضرورية في دراسة الكيمياء.
- أولى عناية خاصة للتجارب الخاصة بالاحتراق والتفاعلات التي تنتج عنه.
- اشتُهِرَ بتحضيره أوكسيد الزئبق حيث لم يسبقه أحد إلى تحويل الزئبق إلى أوكسيد الزئبق.
- طوَّر نظريات الأعداد وهندسة إقليدس
- وفي مجال علم الفلك:اختصر الجداول الفلكية للبَّتاني، فكان مختصره مرجعاً لعلماء الفلك.
- أول من علَّق على الخريطة الفلكية لبطليموس.
- نال شهرة عظيمة بتعليقه وتقويمه للجداول الفلكية للخوارزمي وتعويض تاريخها الفارسي بالتاريخ الهجري.
- كذلك اهتم المجريطي كثيراً بعلم الحيوان، فقد تكلم عن تكوين الحيوانات وتفضيل بعضها على بعض وفوائدها.
كتب المجريطي :-
- ثمار العدد، في الحساب.
- اختصار تعديل الكواكب من زيج البتاني.
- رتبة الحكيم، حاول في هذا الكتاب أن يوفق بين كيمياء الرازي وكيمياء جابر بن حيان.
- غاية الحكيم، ويتضمن بحوثاً مقتضبة في علم الفلك، والرياضيات، والكيمياء، وتاريخ السِّحر، وعلم الحِيَل، وفي التاريخ الطبيعي، وتأثير المنشأ والبيئة في الكائنات، وقد عقد عدَّة فصول للبحث في مملكة المواليد الثلاثة، خصوصاً ما يوجد منها ببلاد الأندلس.
- الأحجار.
- روضة الحدائق.
المجريطي صاحب مدرسة:-
بالإضافة إلى مؤلفاته الشخصية، تعود أهمية المجريطي إلى العلوم الأندلسية ونشاطه في التدريس العلمي. أسس المجريطي مدرسة مبتكرة للفلكيين الأندلسيين وفيها كانت تدرس تخصصات الحساب والهندسة أيضاً.
علَّم المجريطي الكثير من الطلاب في مدرسته، ومن تلاميذه بعض الشخصيات البارزة مثل ابن السمح و ابن الصفار وابن برغوث (توفي عام 1052)، وقد قاموا بمد العلم إلى ثلاثة أجيال وأثروا بشكل كبير على انتشار العلوم في كل أرجاء الأندلس.
جمع المجريطي للمرة الأولى في الأندلس بين فرعين من الرياضيات وهما علم الفرائض “وهو يشمل تقسيم المواريث على أساس ديني” و العلوم الفلسفية القائمة على الرياضيات وهي تشمل علم الفلك.
كان اهتمام المجريطي بهذين الفرعين من الرياضيات يعكس اهتمام أستاذيه المشهورين: عبد الغافر بن محمد الفرضي الذي كتب أطروحة عن الفرائض، وعلي بن محمد بن عيسى الأنصاري الذي ورد أنه كان يعرف علم الفلك.
تنقيح “السند هند”:-
كان العمل الأكبر للمجريطي هو تنقيح كتاب زيج السند هند للخوارزمي بالاشتراك مع تلميذه ابن الصفار. كان هذا الكتيب الفلكي من القرن التاسع مكوناً من الجداول والنصوص التفسيرية وقد اعتمد بشكل أساسي على المذهب الهندي الذي كان يختلف عن المادة الفلكية الإسلامية اللاحقة التي اعتمدت على نماذج الكواكب الموجودة في كتاب المجسطي.
وبالرغم من فقدان النص الأصلي لكتاب الخوارزمي، غير أن النسخة اللاتينية التي ترجمها أديلار الباثي في القرن الثاني عشر لتنقيح المجريطي مازالت موجودة.
هذا النص المشار إليه بإسم زيج الخوارزمي ومسلمة يشمل جداول مستمدة من الزيج الأصلي للخوارزمي ( الذي يحتوي على مواد معتمدة على المذاهب الفارسية والبطلمية بالإضافة إلى المذاهب الهندية) بالإضافة إلى المواد والجداول التي تم تنقيحها أو إضافتها أو استبدالها بواسطة المجريطي وابن الصفار.
كان هدف عالمي الفلك الأندلسيين أن يجعلا الجداول الأصلية متوافقة مع الزمان والمكان الذي يعيشان فيه.
جداول التقويم:-
على سبيل المثال استُبدِلت جداول التقويم الشمسي الفارسي الموجودة في جداول الخوارزمي بالتقويم القمري الإسلامي (التقويم الهجري)، كما تم تعديل بعض الجداول التي كانت مخصصة لكل مرصد لتتوافق مع الإحداثيات الجغرافية لقرطبة.
من النتائج الملحوظة لاستخدام خطوط الطول الخاصة بقرطبة أن المجريطي قدم أول دليل لتعديل هام على حجم البحر الأبيض المتوسط إلى حجمه الفعلي، وقد بقي هذا محفوظاً في معظم الجداول الجغرافية الأندلسية.
بشكل عام أثر التغيير على جداول علم الزمن ، والحركة المتوسطة، والاقتران والمقابلة و رؤية الهلال القمري.
كما تضمنت أيضاً إضافة جداول جديدة للممارسات الفلكية لحساب منازل القمر وانبعاث الأشعة.
علاوة على ما سبق، ترجح النسخة النهائية للزيج أن المجريطي وابن الصفار قاما بتضمين بعض العناصر التي كانت مستخدمة في الأندلس المعاصرة برغم أنها غير ضرورية .
من ذلك جدولي حساب المثلثات الموجودين في الترجمة اللاتينية، أحدهما لجيب الزاوية والآخر لظل الزاوية والذي لم يستخدم في كتاب السند هند الأصلي.
من المساهمات الأندلسية الأخرى الموجودة في الزيج الإشارة إلى العصر الأسباني (38 ق.م) في قسم التسلسل الزمني، واستخدام احداثيات خطوط الطول ودوائر العرض الخاصة بقرطبة في عمل جداول معينة، وإضافة طرق حسابية محسنة أكثر دقة وأسهل في الاستخدام.
وفاته:-
توفي في قرطبة سنة 398هـ (1007 م)، وقد نسب إليه المؤرخون عن طريق الخطأ بعض الأعمال في السحر والكيمياء، ولكنه كان منجماً محترفاً، وبسبب الاقتران الذي حدث بين عامي 1006/1007 م بين زحل والمشتري؛ فقد تنبأ بنهاية دولة الأمويين، وبحدوث الخراب والمذابح والمجاعات.
اقرأ هنا بديع الزمان الجزري.. عالم الميكانيكا والمخترع المبهر
المصادر:
- إخبار العلماء بأخبار الحكماء (244).
- تراث العرب العلمي في الرياضيات والفلك، قدري طوقان.
- الأعلام (7/227).
- بُناة الفكر العلمي في الحضارة الإسلامية (رقم 14).
- موجز دائرة المعارف الإسلامية (16/5050).
- جامعة الملك سعود (المخطوطات العربية).
- https://islamsci.mcgill.ca/RASI/BEA/Majriti_BEA.htm