Site icon العربي الموحد الإخبارية

عمر الخيام …الشاعر وعالم الفلك والرياضيات البارع

توطئة:-

يُعرف عمر الخيام باللغة العربية باسم غياث الدين، وهو أبو الفتوح عمر بن إبراهيم النيسابوري المشهور بـ”الخيَّام” المولود في (18 أيار/ مايو 1048 م) في مدينة نيسابور الواقعة في إقليم خراسان (اليوم نعرفها ضمن إيران المعاصرة).

وقد عاش الخيّام حياة مديدة حتى توفي أيضاً في مسقط رأسه بتاريخ (4 تشرين الأول / ديسمبر سنة 1131 م).

هو عالم الفلك، الرياضيات والشاعر الذي ذاع صيته في البلاد الإسلامية وحتى في نظيراتها الأوروبية وذلك عبر ما تُرجِم للخيام إلى اللغتين اللاتينية والإنجليزية وخاصة في “الرباعيات” التي ترجمها الكاتب الإنجليزي إدوارد فيتز جيرالد سنة (1859 م).

مدينة أصفهان الشهيرة حضارياً وتاريخياً ومعمارياً

كناه وألقابه:-

كنَّاه عالم الرياضيات المُعاصر له، عبد الرحمن الخازن، بأبي حفص، كما أنَّ له كنية أخرى هي أبو الفتح.

وقد حَمَل الخيَّام ألقاباً كثيرة، من باب التبجيل والتعظيم والتوقير، فلقبَّهُ كثيرون بـ”حُجَّة الحق” و” الإمام” و” الإمام” و”الحكيم” و”الفيلسوف” و”الدستور”، كمل أطلق عليه ألقاباً أخرى من قبيل : “سيد حكماء المشرق والمغرب”، و”نصرة الدِّين” وأخيراً “سيد المحققين”.

نشأته وتعليمهُ:

أغلب الظن أن لقب الخيَّام الذي حمله غياث الدين النيسابوري ارتباط فيه بفعل حِرفة أبيه في صناعة الخِيَم وتجارتها.

 وخلال فترة نموه؛ تلقى الخيام تعليماً جيداً في كل من الفلسفة وعلوم الطبيعة في المدينة التي ولِد فيها قبل أن يشد الرحال صوب سمرقند (مدينة في أوزباكستان) التي عكَف فيها على تمرس عِلم الجبر ودراسته.

في سمرقند؛ تابع الخيَّام أطروحته المميزة في الجبر المسماة (رسالة في البراهين على مسائل الجبر والمقابلة)، هذه الأطروحة التي تُظهر مقدار براعته الرياضية، حيث كشف النقاب آنذاك -عبر مناقشته المنهجية- عن آليته المستخدمة في حل المعادلات المكعبة وذلك عبر القطع المخروطي.

 يعتبر عمل الخيام الرياضي امتداداً لما وصل إليه البوزجاني ( أبو الوفا الذي عاش في بغداد بين عامي 940 و 998 م) فيما يتعلق بالمكعب وجذور القوى الرابعة، حيث يقوم بإيجاد جذور الأعداد الكيفية.

هذا الشكل الظاهر أعلاه؛ يعبر عن رباعي عمر الخيام الذي كان قد وضعه ليثبت صحة الفرضية الخامسة للعالم الإغريقي إقليدس (القرن الثالث قبل الميلاد) فيما يتصل بالخطوط المتوازية التي لا لزوم لها.

حيث بدأ الخيَّام
بإنشاء مقاطع خطية (AD) و (BC) متساوية
الطول والعمودية على القطعة المستقيمة (AB).

 يلاحظ أن الخيَّام قد فكر أنه إن كان بالإمكان أن يُثبت بأن الزوايا الداخلية الواقعة في الجزء العلوي من الرباعي تُمثل زوايا قائمة، ومن هنا؛ فإنه سيتمكن ببساطة أن يثبت أن الضلعين (DC) و  (AB) متوازيان.

 ومع أن عمر الخيَّام قد أثبت أن الزوايا الداخلية في الأعلى متساوية؛ بيد أنه لم يتمكن من أن يثبت أنها زوايا قائمة.

قدراته ومكانته العلمية:-

لقد وصَفَ المؤرخون؛ الخيَّام بأنه كان “فَطِناً، سريع الحفظ، قوي الذاكرة، ذا قريحة فذَّة وعبقرية نادرة”.

تميَّز أيضاً بخُلُق رفيع، ونَفسٍ طيبة، مقدِّساً الله سبحانه وتعالى، بعيداً عن الفحشاء، سواء بين النَّاس أو بينه وبين نفسه.

يقول عنه مجتبى مينوى: إنه “كان عالماً رياضياً، ومنجِّماً، وفيلسوفاً، وفقيهاً، وطبيباً”.

أما البيهقي؛ فقد عدَّه بعد ابن سينا في أجزاء علوم الحكمة، فضلاً عن تمكنِّه من علوم القراءات واللغة.

الزمخشري الشهير صاحب “الكشَّاف”

الزمخشري ذكر الخيَّام في كتابه “الزاجر للصغار عن معارضة الكبار”، قائلاً: إنه كان متبحراً في اللغة العربية ونحوها، وصرفها، وأنه في مناقشته مع العلماء؛ كان يحترم آراءهم مع اختلافها مع آرائه.

قال عنه جمال الدين القفطي: “إمام خراسان، وعلَّامة الزمان، يعلم علم اليونان، ويحُث على طلب الواحد الديَّان بتطهير الحركات البدنية، لتنزيه النفس الإنسانية، ويأمر بالتزام السياسة المدنية حسب القواعد اليونانية”.

وأضاف القفطي: وكان عديم القرين في علوم النجوم والحكمة، وبه يُضرب المثل في هذه الأنواع”.

أما سارتون؛ فيقول عنه: “إنه أعظم عباقرة الرياضة في النصف الثاني من القرن الحادي عشر الميلادي، الخامس الهجري”.

يقول قدري طوقان: “إن الخيَّام استطاع أن يجد الجذور الثلاثة للمعادلات التكميلية، وهو عمل كبير لم يصل إليه أحد من قبله”.

اسم كبير:

لقد أفلح الخيَّام ببناء اسم كبير له عندما دعاه السلطان السلجوقي مالك شاه إلى مدينة أصفهان (إيران حالياً) ليقوم بالتدابير الفلكية اللازمة لإصلاح التقويم الفلكي، وحتى يقوم عُمَر بذلك؛ فقد قام ببناء مرصد فلكي هناك وأنشأ تقويماً جديداً أسماه بـ “تقويم الجلالي”.

أصفهان .. المدينة التاريخية

 المميز في تقويم الخيام -والذي كان أكثر دقة من
التقويم الغريغوري أو الذي نسميه بالتقويم الميلادي- أنه جعل في كل 33 سنة قفزة 8
أعوام وهو ما سمي بالتقويم الجلالي.

انتقاد نظرية إقليدس:

كما أن الخيَّام قام خلال إقامته في أصفهان بانتقاد نظرية إقليدس في جزئية التشابه والنظرية النسبية الإقليدية، ولا ينكر أن أراءه قد شقت طريقها إلى أوروبا لتلقي بظلالها الواضحة على عالم الرياضيات الإنجليزي جون واليس (1616 – 1703 م) والذي ناقش بشكل مفصل فكرة الخيام المتمثلة في توسيع مفهوم الرقم لتشمل الأعداد غير العادية مثل الجذر التربيعي للعدد (2) والعدد باي “π”.

دراسة في الجبر للخيام، غالبًا ما يُطلق عليها رسالة في البراهين على مسائل الجبر والمقابلة .

تجربة ناجحة:

لقد كانت فترة إقامته في مدينة أصفهان ثريّة بالنجاحات والإنجازات، لكن وفاة الشاه الراعي له سنة (1092م)؛ أدى إلى محاربته من قبل أرملة السلطان، ليترك المدينة متوجهاً نحو مكة المكرمة، ومنها صوب نيسابور حيث درس وعمل في المحكمة على أنهُ فلكي.

عالم موسوعي:

لقد برع الخيام في كل من الفلسفة، التاريخ، الرياضيات بالإضافة إلى علوم الطب والفلك من بين العديد من العلوم التي أجادها هذا الرجل المذهل.

الخيام والأدب:

لم تصل شهرة الخيام إلينا عبر أعماله بالعلوم والفلك وحسب؛ بل إنما أيضاً كانت شهرته الممتدة حول العالم والقادمة من الرباعيات أو رباعيات الخيام كما نعرفها.

 فالرباعيات هي عبارة عن أبيات متكاملة مكونة من أربع أسطر تنتهي بحرف معين، حيث تكون الأسطر الأربع متناسقة بالروح والنمط.

إرث كبير خلّفه وراءه

لطالما شدت قصائد الخيام أبياته الشعرية الفريدة اهتمام المؤرخين والمهتمين بالآدب، حتى أنها قد ألهمت الشاعر والكاتب إدوارد  فيتز جيرالد ليقوم بكتابة رباعيات عمر الخيام والتي تتضمن بعض من العبارات الرائدة في تاريخ الأدب العالمي، وهي التي مطلعها:

سمعتُ صـوتًا هـاتفًا فــي السَّحَر … نادى مِن الغيب غُفاة البَشر

هُبــوا املأوا كأسَ المُنى قـبل أن … تملأ كأس العُمر كفُ القدر

وصول الرباعيات للعالمية:

 ومن الملاحظ أن رباعيات عمر الخيام قد ترجمت إلى كل اللغات الرئيسة في العالم حتى يقال: بأنها كانت من العوامل المؤثرة والتي لونت الأفكار الأوروبية بلون الأدب الفارسي.

هذه الشهرة التي حصلت عليها رباعيات الخيام لم تكن شائعة لدى أقرانه من الأدباء ومن عاصره منهم، بل بدأت رباعياته بالانتشار بعد قرنين على الأقل من وفاته، حيث لم يكن معروفاً عنه الأدب بقدر ما شاع صيته في العلم حتى أن بعض الناس كانوا يظنون أنها أبيات نسبت له حتى تكتسب الشهرة.

جمع الرباعيات:

لم يكتب عمر الخيام رباعياته بمخطوطة واحدة أو قام بجمعها بكتيب أو ما شابه، بل جمعها الروائي البريطاني فيتز جيرالد، فكان هو من تخيل تناسب جمعها مع بعضها ضمن سلسلة تقوم على السلاسة ونوعية الأفكار المطروحة.

إن النصوص المترجمة لعمر الخيَّام وخاصة تلك التي نقلها وترجمها المؤرخ البريطاني فيتز جيرالد؛ أظهرت كم كان الخيام رجلاً عميق التفكير، متسائلاً عما يدور حوله، باحثاً في أعمق المسائل الوجودية بين الحياة والأبدية، اليقين علاقة الإنسان بربه، والعديد من المسائل العقائدية والفلسفية.

تلاميذه:-

كان الخيام صاحب مدرسة في مختلف العلوم التي برع ونبغ فيها، وتتلمذ عليه نخبة من الرياضيين والفلكيين وبناة الأرصاد، وحتى الأطباء من بين أبرزهم:

  • النظامي العروضي السمرقندي.
  • عبد الرحمن الخازن- صديقه الذي استفاد من علمه.
  • شرف الزمان محمد الإيلاقي.
  • عبد الله بن محمد الميانجي.
  • الحكيم علي بن محمد الحجازي القايني.

بعض منجزات الخيَّام:-

  • دراساته في الجبر تعتبر أول محاولة ناجحة لحل المعادلات التكعيبية، مُميزاً بين ثلاث عشرة معادلة، حلها حلاً هندسياً وليس جبرياً، سابقاً الجميع في هذا المضمار.
  • ألَّف في العلوم الطبيعية رسالة سمَّاها “ميزان الحكمة” المشهورة بـ “رسالة في الاحتيال لمعرفة مقداري الذهب والفضة في جسم مركب منهما”.
  • وَصَفَ بطريقة علمية دقيقة؛ الميزان الجامع وطريقة استعماله.
  • اخترع “القسطاس المستقيم” لوزن الأجسام المتناهية في الصغر، سواء أكانت حبة أم ألف درهم.
  • اخترع ميزان الماء المطلق لوزن ورصد الأجسام، ووزن الهواء، والماء، والذهب، والفضة، وغيرها من الأجسام.
  • تحدَّث عن علاج كثير من الأمراض التي تصيب المعدة، والقلب، والمفاصل، والرأس، ووَضَعَ الدواء المناسب لكل من هذه الأمراض.
  • تحدث عن خواص الشعير وكيفية استعماله لعلاج أربعة وعشرين نوعاً من الأمراض.
  • تحدَّث أيضاً عن الأضرار التي تسببها أنواع الشراب المختلفة، وتناول طرق منع هذه الأضرار.
  • تبحَّر في علوم الحيوان، حيث تعرَّض إلى وجود 43 نوعاً من الخيول، وصفها بأسلوب علمي دقيق، وهو ما ينسحب على حديثه على أنواع الصقور.
  • تناول أنواع السيوف والأقواس والأسهم والقلم وأنواعه، وقائمة طويلة من العلوم.
ترك خلفه إرثاً كبيراً في شتى العلوم

مؤلفات الخيَّام:-

  • رسالة في الجبر والمقابلة، ألَّفها الخيام باللغة العربية.
  • رسالة في شرح ما أشكل من مصادرات إقليدس.
  • زيج ملكشاهي:  وقد كان الخيام على رأس الذين قاموا باعداده سنة 1075 م.
  • رسالة بالعجمية في كليات الوجود.
  • رسالة في الكون والتكليف: ألَّفها بالعربية، وتناول فيها حكمة الله تعالى في خلق العالم، وخصوصاً الإنسان وتكليفه بالعبادات.
  • ميزان الحكم.
  • مختصر في الطبيعيات.
  • نوروز نامه.
  • رباعيات الخيام: المترجمة لمختلف لغات العالم.
  • ترجمة الخطبة الغراء لأبي علي بن سينا، نقلها من العربية إلى الفارسية.

وفاته:-

ذهب براون إلى أن وفاة الخيَّام كانت في نيسابور في سنة 517 هجرية، بينما يميل كارل بروكلمن في كتابه “تاريخ الأدب العربي”؛ إلى أن العالم الكبير قد قضى سنة 515 هجرية، في وقت يقول فيه صاحب رواية “جهار المقالة”: إنه زار قبر الخيام سنة 530 هجرية، وإنه كانت قد مضت بضع سنوات على وفاة هذا العظيم، لذا قد يكون أجله قد حان سنة 526 هجرية.

بفضل تبحُّره في علم التنجيم؛ فقد تنبأ الخيام بمكان قبره، وقد صدقت نبوءته.

تعرف أيضاً على شمس الدين السمرقندي .. الرياضي والفلكي

المصادر:

https://www.britannica.com/biography/Omar-Khayyam-Persian-poet-and-astronomer

عمر الخيام، عالم الفلك والرياضيات وكتابه نوروزنامه، ترجمة رمضان متولي.

https://www.destinationiran.com/wp-content/uploads/2019/12/Kamal-ol-Molk-Tomb.jpg

http://shof.co.il/?mod=articles&ID=6861

https://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/6/61/The_statue_of_Omar_Khayyam.jpg

Photo by SAJJAD salehi on Unsplash

Photo by zahra khalili on Unsplash

مكتبة قطر الرقمية.

Exit mobile version