اسمه ونشأته:-
محمد بن عبد الملك بن محمد بن محمد بن طُفَيْل، أبو بكر القيسي، الطبيب الفيلسوف، وُلِدَ في وادي آش شرق غرناطة سنة 494هـ، وتعلم الطب في غرناطة، وخدم حاكمها، ثم أصبح طبيباً لسلطان الموحِّدين أبي يعقوب يوسف سنة 558هـ، واستمر بذلك إلى وفاته.
مناصبه ودوره في تقديم ابن رشد :-
تقلَّب ابن طفيل في مناصب عدة، فاشتغل في البداية كاتباً في ديوان والي غرناطة، ثم في ديوان الأمير أبي سعيد بن عبد المؤمن حاكم طنجة، ثم أصبح وزيراً وطبيباً لسلطان الموحِّدين أبي يعقوب يوسف سنة 558هـ، وكان له تأثير كبير على الخليفة، وقد استغل ذلك في جلب العلماء إلى البلاط؛ وعلى رأسهم ابن رشد الذي قدمه ابن طُفَيْل عندما تقدم به السن إلى السلطان؛ ليقوم بشرح كتب أرسطو وليخلفه في عمله كطبيب، وقد ظل ابن طُفَيْل في بلاط السلطان إلى أن توفي.
قواسم مشتركة بين ابن طفيل وأبي يوسف :-
جمعت بين ابن طفيل والملك أبي يوسف علاقة وطيدة وكانا منسجمين إلى أبعد الحدود، حتى أن الأول كان يقيم عند الثاني في القصر أيَّاماً ليلاً ونهاراً لا يظهر.
- كان كلاهما ينتسب إلى قبيلة قيس، فصلة الدَّم عند العرب معروفة، أي أنهما تقريباً أبناء عمومة.
- كلاهما كان أديباً، إذ يقول المراكشي عن أبي يعقوب” رقيق حواشي اللِّسان، حلو الألفاظ، حسن الحديث،.. أعرَفُ النَّاس كيف تكلَّمت العرب، وأحفظهم بأيَّامها ومآثرها، وجميع أخبارها في الجاهلية والإسلام.. كان أحسن النَّاس ألفظاً بالقرآن، وأسرعهم نفوذ خاطر في غامض مسائل النحو، وأحفظهم للغة العربية…”.
- كلاهما كان نهماً فيما يتصل بالمعرفة العلمية العامة، فكان عند أبي يعقوب ” إيثار للعلم شديد وتعطُّش إليه مفرط”، وهذا ما ينسحب على ابن طفيل.
- كلاهما انغمس في الفلسفة، فابن طفيل فيلسوف بطبعه ” وكان متحقِّقاً بجميع أجزاء الفلسفة”، وأمَّا أبو يعقوب؛ فقد “طمح به شرف نفسه وعلو همته إلى تعلُّم الفلسفة، فجمع كثيراً من أجزائها وبدأ من ذلك بعلم الطِّب.. ثمَّ تخطَّى ذلك إلى ما هو أشرف منه من أنواع الفلسفة، وأمر بجمع كتبها؛ فاجتمع له منها قريب مما اجتمع للحكم المستنصر بالله الأموي.. ولم يَزَل يجمع الكُتُب من أقطار الأندلس والمغرب ويبحث عن العلماء؛ وخاصَّة أهل علم النَّظَر إلى أن اجتمع له منهم ما لم يجتمع لملك قبله من ملوك المغرب”.
مكانته العلمية ومباحثه:-
كان طبيباً أديباً، وكان بين ابن طفيل وابن رشد الطبيب الفيلسوف مراجعات ومباحث في «رسم الدواء» جمعها ابن رشد في كتابه «الكليات»، وقد أطلق عليه علماء الغرب اسم ” Abubacer أبو باسر”، وهو تحريف لأبي بكر.
آراء ابن طفيل المبتكرة في الفلك ونظريات الأجرام:-
وكانت له آراء مبتكرة في الفلك ونظريات في تركيب الأجرام السماوية وحركاتها، وفي هذا الصدد يقول الباحث ليون غوتيه في كتابه عن ابن طفيل: “على الرغم من عدم وجود أي شيء مكتوب عن الفلك، باستثناء بعض الفقرات القصيرة في كتاب «حي بن يقظان»، فإننا نعرف أن ابن طُفَيْل لم يكن راضياً عن النظام الفلكي الذي وضعه بطليموس، وأنه فكر في نظام جديد”.
وقد سَلَكَ ابن طفيل في البُرهان على كُروية العالم كله سبيلاً واضحاً وأتى ببرهان جَليّ يدُل على قوة ملاحظة هذا الفيلسوف الكبير واتساع خياله العلمي، فقال:
تكوين الأفلاك:-
واستشهد غوتيه الكاتب على ذلك بما كتبه كل من ابن رشد والبِطْرَوْجِيُّ، فابن رشد في شرحه الأوسط لِـ «الآثار العلوية» لأرسطو، انتقد بدوره فرضيات بطليموس عن تكوين الأفلاك وحركاتها، وقال: “إن ابن طفيل يتوفر في هذا المجال على نظريات رائعة يمكن الاستفادة منها كثيراً”، كما أن البِطْرَوْجِيَّ في مقدمة كتابه الشهير عن الفلك، ذكر أن ابن طُفَيْل أوجد نظاماً فلكياً ومبادئ لحركاته، غير تلك المبادئ التي وضعها بطليموس. ويتساءل الباحث الفرنسي عن احتمال أن تكون فرضيات ابن طُفَيْل تشتمل على بعض العناصر الأساس من الإصلاح الفلكي العظيم الذي جاء به كوبرنيك وجاليلي بعد أربعة قرون.
ولابن طُفَيْل شعر في غاية الجودة، وهو القائل:
ومن شعره العاطفي قوله:
ومن شعره في صلة الرُّوح بالبدن قوله:
ومن شعره في اختلاف النَّاس من حيث الاستعداد الطبيعي لتقبُّل المعاني السَّامية:
أقوال العلماء فيه:-
- قال الْمَرَّاكُشي في «المعجب»: “رأيت له تصانيف في أنواع الفلسفة من الطبيعيات والإلهيات وغير ذلك، ورأيت بخطه رسالة له في «النفس»، وكان أمير المؤمنين أبو يعقوب شديد الشغف به والحب له، يقيم عنده ابن طُفَيْل أياماً، ليلاً ونهاراً”.
- قال الدكتور أحمد أمين: ” نحن لو قارنَّا بين ابن سينا وابن طفيل من النَّاحية الأدبية، وجدنا ابن طفيل أرقُّ من ابن سينا بكثير من حَيث اللُّغة والأَدَب: فعِبارةُ ابن طُفيل أدبية مُشرقة، وعِبارة ابن سينا مغلَقة غامضة، ويظهر أن ابن طُفيل كان مُثقَّفاً ثقافةً أدبيةً أرقى من ثقافة ابن سينا، ففي كثيرٍ من عبارات ابن سينا وألفاظه ما يدلُّ على أنَّه كان يستقي معلوماته اللُّغوية من المعاجِم، لا من كُتُب الأدب، فجاءت بعض الأحيان نابية، أمَّا ابن طفيل؛ فيستقي معلوماته اللُّغوية من كُتُب الأدب والمثقفين بها، فجاءت عبارته أنصَع وأبلَغ”.
كتب ابن طفيل على رأسها “حي بن يقظان”:-
- حي بن يقظان: أشهر ما ترك ابن طفيل ، تعرف ايضا باسم: أسرار الحكمة الإشراقية، وهي قصة فلسفية عرض فيها أفكاره الفلسفية عرضاً قصصياً، محاولاً التوفيق فيها بين الدين والفلسفة، وقد عُرِفَت هذه القصة في الغرب منذ القرن السابع عشر، وتُرجِمَت إلى عدة لغات؛ منها اللاتينية، والعبرية، والإنجليزية، والفرنسية، والألمانية، والهولندية.
مهارة فلسفية في السرد المتدرج:
وقد عرض ابن طفيل في كثير من المهارة هذه الفلسفة على مراحل متدرجة متخذاً لذلك إنساناً قصصياً موهوباً قادراً على التفكير، وُجِدَ منذ طفولتِه في جزيرة مقفرة، وهناك استطاع بقوة عقله فقط أن يميط اللثام عن الفلسفة، وأسَّس لنفسه مذهب الأفلاطونية الجديدة في صورته الإسلامية، وسمَّى ابن طُفَيْل هذا الإنسان، وهو رمز للعقل، “حي بن يقظان”؛ أي: ابن الله، وتظهر في نهاية هذه القصة شخصيتان هما: أسال الظاهري وسلامان الباطني، لهما أيضاً شأن رمزي في هذه القصة، فأما أسال فكان أشد غوصاً على الباطن وأطمع في التأويل، وأما سلامان فكان أكثر احتفالاً بالظاهر وأشد بعداً عن التأويل.
2. رجز في الطب، وهي أرجوزة في الطب مؤلفة من 7700 بيت.
3. النفس، رسالة في الفلسفة.
ابن طفيل والفلاسفة:-
أبدى ابن طفيل مواقف متباينة حيال آراء وأفكار كبار الفلاسفة العرب والمسلمين، وفيما يلي ملخص نظرته تجاههم:
- الفارابي: يرى ابن طفيل بأن كُتُب أبا نصر كثيرة الشُّكوك، ويقول عن رأيه في السَّعادة: ” فهذا قد أيأس الخلف جميعاً من رحمة الله، وصيَّرَ الفاضل والشِّرير في رُتبة واحدة، إذ جعَلَ مصير الكُل إلى العَدَم، وهذه زلَّة لا تُقال، وعثرة لبس بعدها جبر”، ويرى أيضاً أن الفارابي صاحب سوء معتقد في النبوَّة.
- ابن باجة: يرى فيه ابن طفيل صاحب أصدق روية وأصحَّ نَظَر وأثقب ذِهن في الأندلس كلَّها، بيد أنَّ الدُّنيا وغرورها قد شغله، حيثُ كان يحثُّ على الاستكثار في من المال، وتصريف وجوه الحِيَل في اكتسابه.
- ابن سينا: لم يُخفِ ابن طفيل إعجابه بأمير الأطباء، وذلك بفضل طريقته العقلية الصَّارمة التي تترافق مع ذكاء مدهش، كما أنه فاق ابن باجة في تنسُّم رائحة ما وراء الطبيعة عن بُعد ووصفها وصفاً موضوعياً.
- الإمام الغزالي : ولا شكَّ عندنا في أنَّ الشَّيخ أبا حامد مِمَّن سعد السَّعادة القُصوى ووصل إلى تلك المواصل الشَّريفة المُقدَّسة.. أدَّبتهُ المعارف، وحذقته العلوم.
وفاة ابن طفيل:-
توفي ابن طفيل في مَرَّاكُش سنة 581هـ، وحضر السلطان جنازته.
المصادر:–
- الأعلام (6/249).
- فلسفة ابن طفيل ورسالته “حي بن يقظان”، عبد الحليم محمود.
- بُناة الفكر العلمي في الحضارة الإسلامية (رقم 29).
- تحفة القادم (96).
- المغرب في حلى المغرب (2/85/رقم 403).
- موجز دائرة المعارف الإسلامية (1/239).
- عبقرية العرب في العلم والفلسفة، عمر فروخ.