نشأ ابن خلدون في تونس، وأخذ العلم عن جمهرة من علمائها، وحفظ القرآن والشاطبية ومختصر ابن الحاجب الفرعي، وتفقَّه بأبي عبد اللَّه محمد بن عبد اللَّه الجيَّاني وأبي القاسم بن العصير، قرأ عليه التهذيب، وعليه تفقَّه وحفظ المعلقات، والحماسة، وشعر أبي تمَّام، وقطعة من شعر المتنبي، وسَقْط الزَّنْد، وأخذ العربية عن أبيه، وأخذ الفقه عن قاضي الجماعة ابن عبد السلام، و ورحل إلى فاس وغرناطة وتلمسان والأندلس.
اسمه ونشأته:-
عبد
الرحمن بن محمد بن محمد بن خلدون، أبو زيد الحضرمي الإشبيلي، فيلسوف التاريخ
الإسلامي، ومؤسس علم الاجتماع، أصله من إشبيلية، وُلِدَ في تونس يوم الأربعاء، 1
رمضان، سنة 732هـ.
طلب ابن خلدون للعلم:-
نشأ
ابن خلدون في تونس، وأخذ العلم عن جمهرة من علمائها، فسمع من العالم الفاضل محمد
بن عبد الرحمن بن جابر، وقرأ القرآن على عبد الله بن سعد بن نزال إفراداً وجمعاً،
وحفظ القرآن والشاطبية ومختصر ابن الحاجب الفرعي، وتفقَّه بأبي عبد اللَّه محمد بن
عبد اللَّه الجيَّاني وأبي القاسم بن العصير، قرأ عليه التهذيب، وعليه تفقَّه وحفظ
المعلقات، والحماسة، وشعر أبي تمَّام، وقطعة من شعر المتنبي، وسَقْط الزَّنْد،
وأخذ العربية عن أبيه، وأخذ الفقه عن قاضي الجماعة ابن عبد السلام، وأخذ عن عبد
المهيمن الحضرمي، ومحمد بن إبراهيم الإربلي شيخ المعقول بالمغرب، ورحل إلى فاس
وغرناطة وتلمسان والأندلس.
مكانته العلمية:-
برع ابن خلدون في العلوم، وتقدم في الفنون، ومهر
في الأدب والكتابة، وله شعر أيضاً، وهو أحد نوادر الدهر علماً وثقافةً وتحصيلاً
وذكاءً، صاحب «التاريخ» الذي اشتهرت منه «المقدمة» شهرةً لم تكتب إلا للقلَّة من
المصنفات الإسلامية في جميع العصور، حتى دُعِيَ بصاحب «المقدمة» أو دُعِيَت هي بـ
«مقدمة ابن خلدون» وكأنه لم يصنِّف غيرها، حتى اعتُبِر مؤسس علم الاجتماع.
أقوال العلماء فيه:-
- قال ابن العماد: “كان فصيحاً، جميلَ الصورة، عاقلاً، صادقَ اللهجة، عزوفاً عن الضيم، طامحاً للمراتب العليا، ولما رحل إلى الأندلس اهتزَّ له سلطانها، وأركب خاصَّته لتلقِّيه، وأجلسه في مجلسه”.
- وقال عنه لسان الدين الخطيب: “رجل فاضل، جمُّ الفضائل، رفيع القدر، أسيل المجد، وقور المجلس، عالي الهمَّة، قويُّ الجأش، متقدِّم في فنون عقلية ونقلية، كثير الحفظ، صحيح التصوُّر، بارع الخط، حسن العشرة، فخر من مفاخر العرب”.
- قال عنه المُفكِّر العراقي الكبير علي الوردي: إن ابن خلدون استمدَّ كثيراً من جذور نقده المنطقي من أسلافه، ولكنَّه حوَّر أفكارهم وطوَّرها بحيث جعلها ملائمة لتفكيره الاجتماعي الواقعي، وأهم من تأثَّر بهم ابن خلدون من هذه النَّاحية، فيما أعتقد، الغزالي وابن تيمية، والواقع أن هذين الرَّجُلين هما أعظم من نقَدَ المنطق الأرُسطي في القرون الوسطى كلها، سواء في أوروبا أو في غيرها من البلاد الإسلامية.
- ويقول الأديب والمفكِّر المصري الكبير طه حسين: ” على أنَّه يجب ألَّا نستنتج من كل ذلك أن ابن خلدون قد استخرج سياسته الاجتماعية من العَدَمْ أو أوحتها إليه عبقرية خارقة، ولئن لم يَعِ الأقدمون فلسفةً اجتماعية بهذه الغزارة؛ فإنَّ السَّبب الجوهري في ذلك هُوَ بلا ريب نقصُ معارفهم العامَّة عن الخليقة، فقد كان من الضَّروري الإلمام بعلومٍ مختلفة والوقوف بأوسع ممَّا عرفه الأقدمون على نظرياتٍ تاريخيةٍ جغرافيةٍ وُضِعَت على شكل دائرة معارف حتى يمكن الاستعانة بمجموعة ملاحظات شاسعة كهذه على وضع فلسفةٍ عامَّةٍ عن المجتمع البشري”.
مناصبه:-
وَلِيَ
كتابة السر بمدينة فاس لأبي عنان، ولأخيه أبي سالم، ثم تنقَّل في البلاد متقلداً
مناصب مختلفة، ثم رجع إلى تونس فأكرمه سلطانها، ثم حاول نفر من الناس الإساءة إليه
عن طريق تأليب السلطان عليه، فعلم بالأمر، فما كان منه إلا أن رحل إلى المشرق،
فحطَّت رحاله في القاهرة، فأكرمه برقوق سلطان مصر، ووَلِيَ قضاء المالكية فيها، ثم
عُزِلَ، ووَلِيَ مشيخة المدرسة البيبرسية، ثم عُزِلَ عنها أيضاً، ثم وَلِيَ القضاء
مراراً، آخرها في رمضان سنة 808هـ، ولم يتزيَّ بزيِّ القضاة في مصر، محتفظاً بزيِّ
بلاده.
كتبه:-
شرح
البردة شرحاً بديعاً يدل على تفننه وإدراكه وغزارة حفظه، ولخَّص كثيراً من كتب ابن
رشد، وعلق تقييداً مفيداً في المنطق للسلطان، ولخَّص محصول الفجر، وألف في الحساب،
وفي أصول الفقه، ومن كتبه:
- مقدمة ابن خلدون: اشتُهِرَ ابن خلدون بمقدمته التي تُسمَّى «العِبَر،
وديوان المبتدأ والخبر، في أيام العرب والعجم والبربر، ومن عاصرهم من ذوي السلطان
الأكبر» والكتاب يعد من أصول علم الاجتماع، وقد تُرجِمَ إلى الكثير من اللغات؛
منها الفرنسية، واشتُهِرَت شهرةً كبيرةً بين المتعلمين من المسلمين منذ عصر ابن
خلدون وحتى أيامنا، حتى إنه تكاد لا تخلو منها مكتبة أيِّ باحث أو مثقف في ربوع
أقطار أمتنا العظيمة، وفي مواطن الاستشراق أيضاً. - الحساب.
- شرح البردة.
- رسالة في المنطق.
- شفاء السائل لتهذيب المسائل.
ما هي أطروحة ابن خلدون الاجتماعية؟
ظّلت النظرية الاجتماعية التي جاء بها العلامة عبد الرحمن بن خلدون مثاراً للدرس والتمحيص والنقد إلى يومنا هذا.
ومؤسس علم الاجتماع صاحب أكثر من نظرية اجتماعية بعضها لا يزال يِكرر نفسه على أرض الواقع إلى غاية يومنا هذا، ما يُدلل على عمق ورؤية صاحب المقدمة الشهيرة وذائعة الصيت.
وقد نقلَّ أنور الجندي في كتابه “نوابغ الإسلام” عن السكندري أبرز ملامح أطروحة ابن خلدون في علم الاجتماع.
ملامح أطروحة ابن خلدون:-
- أولاً: أن الاجتماع البشري لا يخلو من بداوة وحضارة.
- ثانياً: أن البداوة والاخشيشان اساسُّ كلِّ حضارة.
- ثالثاً: أن البداوة تستلزم بالطبع العصبية.
- رابعاً: البداوة تتطلّب بالطبع العصبية (تكاتف).
- خامساً: البداوة تستلزم الخشونة والنشاط، وهما يستلزمان الغلب والاستيلاء على أهلِّ الحضر والاندماج فيه.
- سادساً: نشوء الحضارة واضمحلالها لا يكون طفرةً، إنما يقتضي انقضاء نصف قرّنٍ أو أربعين عاماً على أقلِّ تقدير حتى يكون التأثير قد شمِلَّ النشء والشبان والكهول.
- سابعاً: تأسيس الدول أو غَلَبة أمّة على أُخرى، لا يكون إلّا بدافع ديني أو سياسي.
- ثامناً: غلَبة أمة على أُخرى لا يكون إلا بدافع نتيجة ضعف المغلوبة ضعفاً لا مقاومة فيه بعصبية أو قوى أخرى معنوية.
- تاسعاً: التغلب على الأمم القوية بالعصبيّة أو كثرة العدد يكون بالمطاولة لا بالمُناجزة.
- عاشراً: إن المغلوب مولع ابداً بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيّه ونحلته وعاداته.
- حادي عشر: الأمّة إذا غُلِبت وصارت في مُلّك غيرها (من كُلِّ وجه) أسرَع إليها الفناء.
- ثاني عشر: إن الأوطان كثيرة القبائل والعصائب ، قلَّ أن تحكم فيها دولة.
- ثالث عشر: أن الحضارة في الأمصار تدوم وترّسخ برسوخ الدول وطول عُمرها.
وفاته:-
توفي
فجأةً في القاهرة يوم الأربعاء، 26 رمضان، سنة 808هـ.
تعرف أكثر على فاس .. مدينة الأسواق والتجارة عبر التاريخ
المصادر:
- الأعلام (3/330).
- منطق ابن خلدون في ضوء حضارته وشخصيته، علي الوردي.
- شذرات الذهب في أخبار من ذهب (1/71/رقم 37).
- نيل الابتهاج بتطريز الديباج (251).
- أنور الجندي، نوابغ الإسلام.