من هو ثابت بن قرة ؟
ثابت بن قرة بن مروان بن ثابت بن زكريا
بن إبراهيم بن زكريا، أبو الحسن الحراني الصابي الرياضي الطبيب، عالم الطبيعة،
الفلكي، الموسيقي، المترجم.
هو من أهل حران ( جنوبي تركيا اليوم)،
وقد ولد بها سنة 221هـ، وتعلم فيها اللغة والشعر والفقه والحديث وعلوم القرآن
الكريم.
ثم انتقل إلى مدينة بغداد واستوطن في
عاصمة الخلافة العباسية،وذلك في حقبة الخليفة المعتضد.
ترك ثابت بن قرة خلفه كتباً كثيرة في فنون شتى من لا تقتصر على المنطق والحساب والهندسة والتنجيم والهيئة.
دراسة ثابت بن قرة :-
عندما أتم ثابت بن قرة الخامسة عشرة من عمره؛ التحق بحلقات العلم بالمسجد الجامع في حرَّان ليتلقى تعليمه العالي على أيدي الأساتذة بكل من اللغتين السريانية واليونانية إلى جانب العربية، كما تلقى عبر هذه اللغات دروس الفلسفة والرياضيات والفلك والمنطق والطب.
كما درس ثابت الكتب المعتمدة في العلوم البحتة، كمؤلفات الأغارقة أرسطو وأفلاطون وإقليدس وجالينوس، وبرز ابن قرة بين أقرانه في المسجد الجامع الكبير، وتميز بعقليته الموسوعية في الفلسفة والرياضيات خاصة.
وأجيز
ثابت في العلم والتدريس، فصار له الحق في كشف أسرار العلم وتفسير كتب أرسطو
وأفلاطون وإقليدس وغيرهم، وكشف ما في كتب الآخرين من أخطاء، فصحح هذه الأخطاء عن
ثقة ودراية وتجربة.
إنجـازاتــه:–
تصدر ثابت بن قرة للتدريس بالمسجد الجامع الكبير وهو في العشرين من عمره، فذاعت شهرته في ديار مضر شمالي الجزيرة (أرض الشمال بين نهري دجلة والفرات).
ومن
الكتب التي درَّسها ثابت بالمسجد الجامع الكبير في الطب، كتب “جالينوس البرغامي”
( 130 – 202 ق.م)، وكان ثابت يسميه الحكيم
الفاضل.
كما كان يعتمد حكمة أبقراط القائلة : “إن حفظ الصحة في دفع المرض بما يضاده”.
التفاضل والتكامل:-
ويعتبر
ثابت بن قرة، مبدع علم التفاضل والتكامل، حيث استطاع بعبقريته العلمية أن يحقق
نتائج مدهشة ساهمت في تقدم هذا العلم.
وكنتيجة
لاكتشافاته في التفاضل والتكامل؛ استطاع العلماء التوصل إلى حلول كثير من المسائل
الرياضية التي كانت تعتبر عثرة في تقدم الرياضيات، كما أن ذلك ساهم أيضاً في تقدم دراسات
حول الطبيعة وفي مجال الهندسة إلى جانب إيجاد حلول للعمليات المعقدة.
ساهم
كذلك ثابت بن قرة في علم الهندسة التحليلية ومزج بينها وعلم الجبر، وأصبح نابغة
عصره في الاهتمام بالدراسات حول الشمس وحركاتها وطول السنة الشمسية والتي سجل
بأنها 365 يوماً و 6 ساعات و 9 دقائق و 10 ثوان.
ثابت بن قرة وتطوير نظرية فيثاغورس:–
كان
ثابت بن قرة أعظم أعلام عصره في علم الهندسة وكان لامعا بين أقرانه ومعاصريه.
ومن
إنجازاته أنه قام بتطوير نظرية الإغريقي فيثاغورس (570-495 قبل الميلاد) التي تقول:
إن مربع الوتر في المثلث قائم الزاوية يساوي مجموع مربعي الضلعين القائمين.
كما
وأضاف نظريات أخرى في الهندسة فاقت ما جاء به فيثاغورس، هذا فضلا عن تمكنه من
إعطاء حلول هندسية لبعض المعادلات التكعيبية التي عجز عنها علماء الإغريق العظام.
مصادقته للخليفة المعتضد:–
عاش
ثابت بن قرة في بغداد وسافر إلى مدن إسلامية كثيرة وأصبح من مشاهير علماء عصره،
فأرسل إليه الخليفة المعتضد وأبقاه في قصره يستنير برأيه في الأمور الهامة ويغدق عليه
من الود والصداقة، حتى أن الخليفة كان يمازحه ويُضاحكه ويقبل عليه ثابت بن قرة دون
وزراء الخليفة وخاصته.
كان الخليفة المعتضد يقدر ثابت بن قرة ويحترمه، فقد حدث يوما عندما كان الأول بصحبة الثاني أن اتكأ الخليفة على يد ثابت، ولكن سرعان ما سحب يده بسرعة معتذراً إليه وقال له: “سهوتُ ووضعتُ يدي على كتفك واستندتُ عليها وليس هكذا يجب أن يكون، فإنَّ العلماء يعلون ولا يُعلى عليهم”.
و
في عام 283هـ – 890م؛
سأل المعتضد منجمیه عن حال السنة القادمة، فقالوا: “إنها سنة ممطرة وستغرق
بغداد ويهلك خلق کثیر” فعارضهم ثابت بحساباته الفلكية، وخالفهم في الرأي،
وحدث ما توقعه ثابت، فلم تسقط الأمطار من بداية السنة إلى نهايتها، بل إن الينابيع
قد جفت، واعترى المنجمين الخجل والخزي.
وفي ظل حُكم المعتضد؛ نَعِم ثابت بن قرة بحياة طيبة، فقد أقطعه المعتضد ضياعاً تدر عليه عائداً كل عام.
أقوال العلماء فيه:–
- قال عنه الفيلسوف والمؤرخ الأميركي ويل ديورانت (1885-1981 م ) في كتابه الشهير “قصة الحضارة”: “إن ثابت بن قرة أعظم علماء عصره في علم الهندسة وكان لامعة بين إخوانه العرب”.
- وقال عنه الذهبي: “كان عجباً في الرياضيات، إليه المنتهى في ذلك، وكان ابنه إبراهيم رأس الأطباء، وكذلك حفيده ثابت بن سنان الطبيب، صاحب التاريخ المشهور”.
- قال عنه ابن خلكان: “وكان الغالب عليه الفلسفة، وله تآليف كثيرة في فنونٍ من العِلم مقدار عشرين تأليفاً، وأخذ كتاب إقليدس الذي عرَّبه حنين بن إسحاق العِبادي، فهذَّبه ونقَّحه وأوضحَ منه ما كان مستعجماً، وكان من أعيان عصره في الفضائل..”.
بعض الذين يُعنون بالعلوم الرياضية قد لا يصدِّقون أنَّ ثابتاً من الذين مهَّدُوا لإيجاد (التكامُل والتفاضُل)، ولا يخفى ما لهذا العِلم من شأن هذا الاختراع والاكتشاف، فلولا هذا العِلم ولولا التسهيلات التي أوجَدَها في حلول كثيرٍ من المسائل العَويصَة، والعمليات الملتوية، لما كانَ في الإمكان الاستفادةِ من القوانين الطَّبيعية واستغلالها لخير الإنسان، وثابت بن قرَّة من الذين اشتغلوا بالهندسة التحليلية وأجادوا فيها، ولهُ فيها ابتكارات لم يسبقه أحدٌ إليها، وقد وَضَعَ كتاباً في الجبر بيَّنَ فيهِ علاقة الجبر بالهندسة وكيفية الجمع بينهما.
— قدري طوقان.
- تحدَّث المؤرخ ابن العبري عن ثابت بن قرة، وذلك في كتابه “تاريخ مختصر الدول”.
وقال ابن العبري – المتوفى عام 1286 م- “وفي دار محمد بن موسى بن شاكر، تعلَّم ثابت بن قرة بن مروان الصابئ الحرَّاني نزيل بغداد، فوجبَ على محمد حقُّهُ فوصلهُ بالمعتضد وأدخلهُ في جُملة المنجمين”.
وأضاف ابن العبري “بلغ ثابت هذا مع المعتضد أجل المراتب وأعلى المنازل حتى كان يجلس بحضرته في كل وقت ويحادثه طويلاً ويضاحكهُ ويُقبل عليه دون وزرائه وخاصَّته”.
وزاد ” له مصنفاتٌ كثيرة في التعليمات الرياضية، والطب، والمنطق، وله تصانيف بالسريانية، فيما يتعلق بمذهب الصابئة في الرسوم والفروض والسنن، وتكفين الموتى ودفنهم ، وفي الطهارة والنجاسة، وما يصلح من الحيوان للضحايا وما لا يصلح، وفي أوقات العبادات وترتيب القراءة في الصلاة”.
مؤلفات ثابت بن قرة :–
أحصى
مؤرخو العلوم والعلماء في موسوعاتهم لثابت بن قرة مائة وثمانين كتابا في علوم
الرياضة، والطب، والطبيعة، والفلسفة، والفلك، والأخلاق، وقد فقد أكثر هذه الكتب في
الأحداث الدامية التي أصابت العالمين العربي والإسلامي قبيل عصر النهضة الأوربية
الحديثة.
ولعلّامتنا في الرياضيات كتب عديدة، أهمها؛
- أشكال الخطوط التي يمر عليها ظل القياس.
- أشكال القطع.
- استخراج مسائل الهندسة.
- أشكال المجسطي.
- الأعداد المتحابة.
- آلة الزمر.
- المفروضات (وقد وضع به مسائل رياضية).
- تمهيد في علم حساب التفاضل والتكامل.
- مدخل لكتاب إقليدس.
وفي الطب ألَّف ثابت كتباً أهمها؛
- اختصار النبض الصغير لجالينوس.
- الذخيرة في علم الطب.
- تدبير الصحة والبصر والبصيرة في علم العين.
- وجوامع الأمراض.
- الأدوية المفردة الذخيرة في علم الطب.
وفي علم الفلك ألف كتبا أهمها؛
- إبطاء الحركة في فلك البروج.
- ترکیب الأفلاك.
- علة كسوف الشمس والقمر.
ألَّف ثابت في علم الموسيقى أيضاً، ومن أهم مؤلفاته في هذا المجال؛
- شرح السماع الطبيعي.
آراء جديدة ضمَّنها في مؤلفاته:-
- نظرية الاهتزاز الأرضي التي استخدمها لشرح بعض الاختلافات بين المقاييس التي أنجزها اليونان، والمقاييس التي أتمها العرب، وتثبت هذه النظرية نوعاً من الارتجاج الدوري في ضبط معادلة الليل والنهار.
- الأعداد المُتحابة، أي أن عددين يكونا متحابين إذا كان مجموع الأعداد التي يقسم بها أحدهما بدون باقٍ يساوي الآخر.
- الأعداد التَّامة والزائدة والناقصة.
- تمهيد لإيجاد علم التكامل والتفاضل.
- بحث المربَّعات السحرية، ويُسجَّل له بأنه أول من بادر بذلك من العرب.
- أوجد حلولاً هندسية لبعض المعادلات التكعيبية.
اقرأ ايضاً.. ابن ملكا البغدادي .. الطبيب والفيسلوف الأوحد في زمانه
وفاته:-
توفي ثابت في بغداد، في السادس والعشرين من صفر الخير، سنة 288هـ.
المصادر:-
- خير الدين الزركلي: الأعلام، دار العلم للملايين.
- علي بن يوسف القفطي: إخبار العلماء بأخبار الحكماء، دار الكتب العلمية.
- ابن العبري، تاريخ مختصر الدول.
- علماء العرب، ميخائيل خوري.
- ماذا قدَّم المسلمون للعالم، السرجاني.
- علي عبد الفتاح: أعلام المبدعين من علماء العرب والمسلمين، دار الكتب العلمية.
- مكتبة قطر الرقمية.
Image by Edmund Fung from Pixabay