اسمه ونشأته:-
ابن ملكا البغدادي أبو البركات هبة الله بن علي بن ملكا البغدادي، طبيب وفيلسوف، لُقِّب بأوحد الزمان، وُلِدَ في البصرة سنة 480هـ، ونشأ في بغداد، كان يهودياً ثم أسلم في أواخر عمره.
مكانة ابن ملكا البغدادي العلمية:-
كان موفق المعالجة لطيف الإشارة وقف على كتب المتقدمين والمتأخرين في هذا الشأن واعتبرها واختبرها، كان يتخذ القرارات الجريئة لإجراء العمليات الجراحية الخطيرة، كما كان دقيقاً في التشخيص، وأصبح طبيباً مشهوراً مارس صنعته في خدمة خلفاء بغداد، فكان في خدمة المستنجد بالله العباسي، وحظي عنده، واتهمه السلطان محمد بن ملكشاه بأنه أساء علاجه فحبسه مدة، ولما مرض أحد السلاطين السلجوقية استدعاه من مدينة السلام وتوجه نحوه ولاطفه إلى أن برئ، فأعطاه العطايا الجمة من الأموال والمراكب والملابس، والتحق وعاد إلى العراق على غاية ما يكون من التجمُّل والغنى.
كما قام بمعالجة الأمراض النفسية التي تصيب الإنسان، واتبع طرق أذهلت علماء العصر الحديث، ومن أبرز هذه الطرق معالجته لمريض يتوهم بأن دان فوق رأسه، حيث كان هذا المريض يمنع أحداً من الاقتراب منه؛ خشية كسر الدان الموجود فوق رأسه، فقام ابن ملكا بعلاجه بالطريقة الوهمية، حيث أمر أحد طلابه بضربه بالعصا فوق رأسه على مسافة ذراع، كما طلب من طالب آخر أن يقوم بإلقاء دان، فظن المريض أن الدان الذي فوق رأسه قد تكسَّر، وبرأ من مرضه.
ولم يكتفِ ابن ملكا بدراسة
الطب وحسب، بل درس عدداً كبيراً من العلوم الأخرى، ومن أبرز هذه العلوم الفيزياء،
كما اطلع على علوم الميكانيك، ودرسها بشكل مكثف؛ حيث درس أنواع الحركة، وكمية
الحركية، والتساقط الحر للأجسام، والقانون الثاني للحركة، والقانون الثالث للحركة.
كما برز في الفلسفة، سار في الطبيعيات على منهج أرسطو وابن سينا والفارابي، ونال رتبة أرسطو في الفلسفة؛ لذا لُقِّب فيلسوف العراقيين.
أقوال العلماء فيه:-
- قال ابن أبي أُصَيْبِعَة: “تصانيفه في غاية الجَوْدة، وله فطرة فائقة، أَضَرَّ بِأَخَرَةٍ، وكان يملي على الجمَال بن فضلان، وابن الدَّهان، والمهذَّب ابن النَّقَّاش، ووالد الموفَّق عبد اللطيف كتابه المسمى بـ «المعتبر»”.
- قال عنه غالب السرجاني: ” نَجَحَ فيه تصحيح الخطأ الجسيم الذي وقع فيه أرسطو، عندما قال بسقوط الأجسام الثقيلة أسرع من الأجسام الخفيفة، وسبق جاليليو في إثبات الحقيقة العلمية المُهِمَّة التي تقضي بأن سرعة الجِسم السَّاقِط سقوطاً حُرَّاً تحت تأثير الجاذبية الأرضية لا تتوقَّف إطلاقاً على كُتلته، وذلك عندما تخلو الحركة من أيَّة معوقات خارجيَّة”.
لو تحرَّكَت الأجسامُ في الخَلاء لتساوت حركة الثقيل والخفيف، والكبير والصَّغير، والمخروط المُتحَرِّك على رأسه الحاد، والمخروط المُتحرِّك على قاعدته الواسِعة في السرعة والبطء، لأنها إنَّما تحتلفُ في الملاء بهذه الأشياء بسهولة خرقها لما تخرقهُ من المقاوم المخروق كَالمَاءِ و الهواء وغيرهِما.
— ابن ملكا.
كتب ابن ملكا البغدادي:-
- المعتبر، تناول فيه المنطق والطبيعيات بما في ذلك علم
النفس والإلهيات. - اختصار التشريح من كلام جالينوس.
- مقالة في سبب ظهور الكواكب ليلاً واختفائها نهاراً.
- الأقرباذين.
- رسالة في العقل وماهيته.
- رسالة في صفة برشعتا، وهو دواء هندي.
- رسالة في صفة دواء ترياقي يقال أمين الأرواح.
وفاته:-
تعرَّض جمال الدين القفطي إلى مساهمات ابن ملكا الذي ساءت حالته حينما أسَن، حيث أدركتهُ علل قصُر عن معاناتها طبه، وقد هيمنت عليه الآلام المبرحة التي لم يستطع جسمه تحمُّلها، ليُصاب بالعمى والطَّرَش والبرص والجُذام.
فحينما أصابه الجذام أولاً؛ عالج ابن ملكا نفسه بتسليط الأفاعي على جسده بعد أن جوَّعها، فبالغت في نهشه، فبرئ من الجذام وعَمِيَ، ويظهر أنه عاد إليه بصره بعد زمن، وتوفي بهَمَذَان نحو سنة 560هـ، وحُمِلَ تابوته إلى بغداد.
وأضاف القفطي أن ابن ملكا حينما شعر بدنو أجله؛ أوصى من يتولاه بأن يكتب على قبره ما مثله: ” هذا أوحد الزمان أبي البركات ذي العبر صاحب المعتبر”.
المصادر:–
- إخبار العلماء بأخبار الحكماء (256).
- الأعلام (8/74).
- سير أعلام النبلاء (20/419/رقم 275).
- موجز دائرة المعارف الإسلامية (1/291).
- ماذا قدَّم المسلمون للعالم، السرجاني.
- موقع نجومي.