Site icon العربي الموحد الإخبارية

قاضي زاده الرومي .. أكبر علماء الفلك في عصره

خلال فترة الخلافة العثمانية؛ جرى تأليف الكثير من الكُتُب في علوم الرياضيات والطب والفلك، وفي العِلم الأخير فقط؛ جرى تأليف ثلاثمئة واثنين وعشرين كتاباً وذلك منذ عهد بايزيد الثاني نجل محمد الفاتح (1447-1512 م) وحتى أواخر القرن السادس عشر الميلادي.
أحد أصحاب تلك المؤلفات المَعنية بعلم الفَلَك؛ سَطَع نَجمه أكثر مِن سواه؛ وهو صلاح الدين موسى بن القاضي محمود البورصوي المعروف بـ” قاضي زاده الرومي “، الذي خلَّف وراءه  كثيرا من المؤلفات في هذا العلم، وأهمها الشرح الذي كتبه على مؤلَّف “المحلي في الهيئة”، لشرف الدين محمود بن محمد بن عمر الجَغميني الخَوارزمي المتوفّى في العام 1221 م.

من هو قاضي زاده الرومي ؟

موسى بن محمد إبن القاضي محمود الرومي، صلاح الدين المعروف بقاضي زاده موسى چلبي ، عالم بالرياضيات والفلك والحكمة، وهو من أهل بروسة أو بورصة ( في تركيا حاليا)، لم تذكر كتب التراجم  تاريخ ولادته، لكن المعروف انه ولِدَ في بروسة وتلقى تعليمه الأساسي فيها، إذ كان شغل من والده وجده من قبله منصباً قضائياً بها، ثم تعلَّم موسى مبادئ الرياضيات وعلم الكونيات، فانتقل إلى خراسان لطلب العلم والاتصال بكبار علماء الرياضيات والفلك في العالم.

نسخة بخط يد قاضي زاده الرومي تظهر تعليقه على مؤلف الجغميني
نسخة بخط يد قاضي زاده الرومي تظهر تعليقه على مؤلف الجغميني

تفسير معنى علم الهيئة:-

فسَّر قاضي زاده الرومي عِلم الهيئة وذلك في سياق شرحه على الملخص للجغميني قائلاً: ” عِلم الهيئة الذي يبحث فيه عن أحوال الأجرام البسيطة العلوية والسُّفلية من حيث الكمية والوضع، والحركة اللازمة لها وما يلزم منها”.

وقد فسَّر البرجندي هذا الكلام في حواشيه على قاضي زاده الرومي قائلاً: ” واعلم أنّ الغرض من قيد الحيثية المذكورة الاحتراز عن علم السماء والعالم؛ فإن موضوعه البسائط المذكورة ههنا، لكن يبحث فيه عنها لا من الحيثية المذكورة، بل من حيث طبائعها ومواضعها والحكمة في ترتيبها ونضدها وحركاتها لا باعتبار القدر والجهة.. والمراد باللازمة الدائمة على زعمهم؛ هي حركات الأفلاك والكواكب واحترزُ بها عن حركات العناصر كالرِّياح والأمواج والزَّلازل، فإنَّ البحث عنها من الطبيعيات”.

مكانة قاضي زاده الرومي العلمية:-

اتجه عالم الفلك قاضي زاده الرومي إلى خُراسان، حيث درس مبادئ العلوم على علماء زمانه ثم لازم علي شمس الدين منلا قنادي ودرس عليه الهندسة، وقد مدحه علماء خراسان وذكروا عنه الشيء الكثير عن تفوقه في الهيئة والرياضيات.

وبعد عودته من رحلته؛ اشتهر قاضي زادة بعلمي الرياضيات والفلك، حتى صارَّ من العلماء المعتمدين في عصره في هذين الحقلين، بل وأصبح مديراً لهيئة التدريس في مدرسة سمرقند، فأناط به الأمير أولغ بك  مهمة المساعدة في إنشاء مرصد سمرقند، فعمل تحت إشراف جمشيد الكاشي، ثم توفي الأخير قبل إتمام هذه المهمة، فتولاها قاضي زاده.

وبعد الانتهاء من المرصد؛ أسندت إدارته إليه، فكان قاضي زاده يلقي فيه المحاضرات العامة، وكان اهتمامه منصبا على صياغة القوانين الأساسية في علم الفلك بغض النظر عن التطبيق، فقد لجأ إلى تبسيط بعض القوانين الفلكية بالبراهين لجعلها سَهلة الفَهم يسيرة على المتعلم. وقد تتلمذ عليه كبار علماء الرياضيات والفلك في زمانه، فكان من أشهرهم علي القوشجي.

تقدير وإجلال قاضي زاده:-

وأثناء عمله بالمرصد؛ اُشُتِهرَ عالم الفلك قاضی زاده بین معاصريه باحترامه للأساتذة وطلاب العلم وصيانتها كرامتهم ومكانتهم، بل إنه كان لا يقبل أي اعتداء عليهم، وكان يدعو كذلك إلى استقلال الأساتذة عن أي ضغط من ولاة الأمر أو غيرهم.

 لقد كان قاضي زاده زاهدا في حطام الدنيا، فكان يشتغل للعلم لا لغيره ، ما جعل  أولغ بك يقدِّره ويحترمه لدرجة كبيرة. وقد ترتب على علاقة قاضي زاده بالأمير أولغ بك أن قاضي زاده قدَّرَ النجوم وحركتها ثم راقب بكل دقة ولادة القمر ونقصانه ليلة بعد أخرى. كما راقب ميل الشمس، وكانت هذه الموضوعات ذات أهمية كبيرة  لأولغ بك.

استنباط عالم الفلك قاضي زاده براهين جديدة:-

وقد جمع عالم الفلك قاضي زاده الرومي في مرصد سمرقند جماعة من كبار الحكماء وأصحاب العقول النيرة من مختلف بقاع العالم، وذلك لتدارس النظريات الجديدة.

وقد استنبط على إثر ذلك؛ براهين جديدة للمسائل الفلكية، كما تمكن قاضي زاده وزملاؤه نتيجة للأرصاد التي قاموا بها في مرصد سمرقند من إصلاح كثير من الأخطاء التي ظهرت في الجداول الفلكية التي وضعها علماء اليونان ووُضِعت نتائج هذا العمل في زيج أولغ بك أو الزيج الإليخاني، حيثُ بيَّن فيها قاضي زاده حركة كل كوكب وموقع الكواكب في أفلاكها، فضلاً عن معرفة تواريخ الأشهر والأيام والتقاويم المختلفة.

عالم الفلك جمشيد بن مسعود

كما طوَّرَ قاضي زاده الجداول المُثلثية لجيب زاوية درجة واحدة،  وإن كان جمشید غیاث الدين الكاشي قد سبقه في الفكرة، إلا أن قاضي زاده تولى التمحيص والتدقيق في هذا الشأن، ليخرج بنتائج ممتازة.

مؤلفات قاضي زاده في الفلك والرياضيات:-

كان قاضي زاده الرومي عالماً مُغرماً بالقراءة والترجمة والتأليف، فَتَركَ مُصنّفات كثيرة  في مجاليّ الفلك والرياضيات، من أهمها:

  • شرح كتاب أشكال التأسيس في الهندسة لـشمس الدين محمد بن أشرف.
  • شرح الملخص في الهيئة .
  • رسالة في جيب الزاوية ذات الدرجة الواحدة؛ السمرقندي وهذا الكتاب يحتوي على خمسة وثلاثين شكلا من كتاب إقليدس.
  • رسالة في الحساب.
  • شرح كتاب ملخص في الهندسة.
  • شرح التذكرة في الفلك لـ نصير الدين الطوسي.
صاحب علم الرياضيات العالِم الفلكي نصير الدين الطوسي أحد أعظم علماء الفرس، برع الطوسي في عدة علوم منها الفلك، الهندسة، المنطق، التقاويم، الطب والجغرافيا، …

مقتل قاضي زادة:-

لقد خالف علّامتنا المُنجِّمين، وأوضح مراراً أن نظرياتهم كاذبة لا أساس لها من الصحة، ولذا فقد كان معارضوه وأعداؤه يتربصون دوماً للنيل منه.

كما تعرض قاضي زاده الرومي للإهانة والتجريح، ذلك لأنه لم يأخذ بأقوال المنجمين، لينتهي به المطاف مقتولا على أيديهم في سمرقند وذلك سنة 1436م، ولم تَذكُر كُتُب التراجم أية تفاصيل عن تلك الحادثة.

المصادر:

  • خير الدين الزركلي، الأعلام، قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمتعربين والمستشرقين، ج7، دار العلم للملايين.
  • علم الفلك، تاريخه عند العرب في القرون الوسطى، السنيور كرونلينو.
  • علي عبد الفتاح، أعمال المبدعين من عُلماء العرب والمسلمين، دار ابن حزم.
  • Photo by Jeremy Thomas on UnsplashCopy
Exit mobile version