Site icon العربي الموحد الإخبارية

علي بن العباس .. الطبيب الفاضل الكامل

من بين كبار أعلام الطب في الحضارة العربية الاسلامية، وأحد الشخصيات البارزة التي حملت لواء العلم وسعت إلى تطويره لخدمة بني البشر؛ علي بن العباس المجوسي الطبيب الماهر، والمرجع الكبير في النواحي التطبيقية والنظرية في المجال الطبي.

من
هو علي بن العباس المجوسي ؟

هو
أبو الحسن عليُّ بن عبَّاس الأَهوازي المَجوسي، وُلِد في إقليم الأهواز العربِيِّ
–شرق إيران حاليا- بالقرب من جنديسابور ،
لم تعرف سنة ميلاده لكن المؤرخين له يشهدون بأنه كان حيا قبل سنة 384هـ / 994م.

تذكر
كتب التاريخ بأن علي بن العباس كان مسلما من أصول زرادشتية، تعلم صناعة الطب فكان
من أشهر أطباء الدولة العباسية، إذ ذكره صاحب إخبار العلماء بأخبار الحكماء فقال:
“علي بن العباس المجوسي، طبيب فاضل كامل، فارسي الأصل، يُعرف بابن المجوسي،
قرأ عَلَى شيخ فارسي يُعرف بابن ماهر، وطالع هو واجتهد لنفسه، ووقف على تصانيف
المتقدِّمِينَ، وصنف للملك عضد الدولة فناخسرو بن بويه كُنَّاشه المسمَّى
بالملَكِي، وهو كتاب جليل، وكُنَّاش نبيل اشتمل على علم الطبِّ وعمله “.

عرف عضد الدولة بن بويه باهتمامه بالطب، إذ أسس مستشفيات عدة أهمها “البيمارستان العضدي” في عاصمة الخلافة العباسية بغداد، وقد وضع على رأسه ابن المجوسي الذي عرف بعد ذلك بأنه أول من وصف عملية الشق الجراحي لاستخراج الحصاة من الكلية.

كتاب “الملكي” وأقوال العلماء فيه:-

كان
لطبيبنا تصانيف عديدة في مجال الطب، وكان أهمها وأشهرها كتاب “كامل الصناعة
الطبية الضرورية” المعروف باسم الملكي، وقد ابتغى المؤلف من ذلك جمع قواعد
ومعارف صناعة الطب، علمها وعملها.

ويوضح القفطي أهمية كتاب الملكي للمجوسي بقوله: “مال الناس إليه في وقته، ولزموا درسه إلى أن ظهر كتاب القانون لابن سينا، فمالوا إليه، وتركوا الملكي بعض الترك، والملكي في العمل أبلغ، والقانون في العلم أثبت”.

جمال الدين القفطي (568هـ -646هـ)، كان القفطي صدراً محتشماً، جمَّاعا للكتب، لا يحب من الدنيا سواها، ولم يكن له داراً ولا زوجة

والملاحظ بأن قول
القفطي بأن “الملكي في العمل أبلغ، والقانون في العلم أثبت”  يوضح الأهمية الواقعية والتجريبية لكتاب كامل
الصناعة الطبية بين العامة والخاصة، وهذا الكتاب يختلف عن “القانون”
لابن سينا؛ لأن مؤلفه اعتمد فيه على مشاهداته العلمية في المستشفيات، لا على مجرد الدراسة
النظرية، ويتميز هذا الكتاب بمقالتيه الأولى والثانية والمشتملتين على فصول رائعة
في التشريح، فكانت مرجعا لعلم التشريح في سالرنو بإيطاليا لمدة مهمة من الزمن.

وفي الصدد ذاته؛ وصفت المستشرقة زيجريد هونكه -صاحبة كتاب “شمس العرب تسطع على الغرب”- كتاب الملكي بأنه: “كل ما تمناه الرازي وحال المرض والعمى ثم الموت دون إبرازه إلى حيز الوجود حَقَّقَه علي بن العباس في أكمل صورة، وجاء كتابه تحفة علمية رائعة، جمعت بين عمق كتاب “الحاوي” وتماسك كتاب “المنصوري”، وكان كتابًا ملكيًّا بالفعل كعنوانه، وما يزال يستحق إعجابنا وتقديرنا حتى العصر الذي نعيش فيه”.

إنجازاته العلمية:-

اشتهر علي بن العباس المجوسي باعتباره طبيباً بارعاً في علاج الأمراض المتوطنة والمستعصية على العلاج لفترات طويلة، ولم يكن علي من أولئك الأطباء المفتقرين للنواحي العلمية النظرية أو التطبيقية، بل إن الذي جعله متفردا بين علماء عصره وحتى يومنا هذا هو إلمامه بكافة النواحي النظرية التي يحتاجها أي طبيب مثله من المعرفة والعلم والدراية بما كتبه الأولون في هذا الفن، وبجانب ذلك سيره على ما يسمى في الواقع العلمي اليوم باسم “المنهج العلمي” القائم على التجربة والاستقصاء والملاحظات ومن ثم النتائج.

وقد اعترفت  المستشرقة هونكه بما لعلي بن العباس المجوسي من قيمة علمية فريدة، فكان من بين النماذج التي ذكرت عن تميز طبيبنا عن أسلافه من أطباء اليونان والعرب، قولها: “وقد قال أبقراط ومن جاء بعده، بأن الطفل في جوف الأم يتحرك بنفسه تلقائيا، ويخرج بواسطة هذه الحركة من الرحم، فجاء علي بن العباس ليكون أول من قال بحركة الرحم المولدة التي تدفع الجنين إلى الخروج بواسطة انقباض عضلاته “.

وتقصد هونكه أن علي بن العباس المجوسي قد أثبت أن الطفل في الولادة لا يخرج من تلقاء نفسه كما كان يُعتقد قبل ذلك، بل يخرج بفعل تقلصات عضلية داخل الرحم، ما يدل على اجتهاد هذا المجوسي في البحث والدراسة وتوصله إلى نتائج علمية كانت غير معروفة لدى رجال الطب من قبله.

سرطان البحر: يجلو نار العين من القُروح، ويحدُّ البصر، ويجلو الأسنان إذا سُحِقَ واستنَّ به.

المجوسي.

حس علي بن العباس النقدي:-

ومما يدل على نباهة ابن العباس قدرته النقدية الفاحصة لكل ما قرأه واطلع عليه، ما يدل على تبحره ومكانته الفائقة في المجال الطبي، إذ انتُقد كثيرا من المؤلفين السابقين له، وخاصة ما ألفه اليونانيون في هذا المجال، ولم يكن هذا الانتقاد منطلقا من التشفي لكل ما كتبه القدماء، بل كان انتقادا بالأدلة العلمية الصحيحة، والعقلية المقبولة في كتابه القيم “الملكي”، وهو ما يتحدث عنه ابن العباس نفسه في أحد مؤلفاته.

إذ يقول: “إني لم أجد بين مخطوطات قدامى الأطباء ومحدثيهم كتاباً واحداً كاملاً يحوي كل ما هو ضروري لتعلم فن الطب، فأبوقراط يكتب باختصار، وأكثر تعابيره غامضة بحاجة إلى تعليق، كما وضع جالينوس عدة كتب لا يحوي كل منها إلا قسما من فم الشفاء، ولكن مؤلفاته طويلة النفس، وكثيرة التردد، ولم أجد كتابا واحدا له يصلح كل الصلاح للدراسة، وأما أنا فإني سأعالج في كتابي كل ما يلزم للحفاظ على الصحة وشفاء الأمراض، والمستلزمات التي يجب على كل طبيب قدير مستقيم أن يعرفها”.

جالينوس

ويعتبر اليوناني أبقراط (المتوفى عام 370 قبل الميلاد)؛ أعظم أطباء عصره، وجاء مواطنه جالينوس من بعده (توفي عام 216 ميلادي) ليحظى بشهرة طبية أكبر من سابقه، مستفيدا من إسهامات الأول وبانياً عليها مجموعة من الأسس التي اعتبرت مرجعاً للطب الحديث.

نزعة علمية وأخلاقية:-

نقل مؤرخو العلوم الطبية؛ تلك النزعات العلمية والأخلاقية التي تحلَّى بها علي بن العبَّاس، من أبرزها:.

  • هو أول من أشار إلى صعوبة شفاء المريض بالسِّل الرئوي بفعل حركة الرِّئة.
  • قال: إن القلب والعروق الضوارب تتحرك جميعها حركةً واحدة، على شاكلة واحدة وبشكل متزامن.
  • أكد على ضرورة الاعتماد على تقويم صحة المريض (الوقاية خير من العلاج).
  • شدد على أهمية مُعالجة المريض بالغذاء قبل اللجوء لمرحلة إعطائه الأدوية.
  • حضَّ على ضرورة التركيز على الأدوية المفردة والابتعاد قدر الإمكان عن تلك المركَّبة.
  • دعا إلى استعمل القسطرة وذلك لأغراض إخراج البول من المثانة.
  • تمكَّن من النجاح في علاج الغدد اللمفاوية.
  • وصف علاجاً ناجحاً لالتهاب اللوزتين.
  • وصف علاجاً لكل من الخلوع والكُسور والتجبير.

تعرف على عضد الدولة .. أول من حمل لقب “شاهنشاه” بالإسلام

شهرة واسعة لكتاب الكامل

وأمَّا السَّرَطان؛ فأمرهُ عَجَب، وشفاؤه صعب، وهو حقلٌ لم يُفْلِح فيه الطِّب والتطبيب إلَّا نادِراً، لذلكَ عليكَ أن تقلَعَ الوَرَم من جُذوره حتى لا تبقى منهُ أيَّةَ بقايا أو رواسِب، ثمَّ تضَع في التجويف خِرْقَة مبلَّلَة بالخمر لئلَّا يحصُل أيّ تعفُّن أو التهاب.

— علي بن العباس.


بعض الوصفات التي أوردها علي بن العباس:-

أورد الأهوازي عدة أنماط لوصفات صيدلانية في كتابه، نستعرض بعضها:

  • رُب السَّفرجل الساذج: والذي ينفع من استطلاق البطن والقيء والحرارة وضعف المعدة، أما أخلاطه؛ فيؤخذ سفرجل مُر وعذب ويُقشَّر وينقَّى جوفه ويُدقَّ ويُعصَر ماؤه ويُطبخ بنارٍ ليِّنة حتى يبقى منه الرُّبع، ثمَّ يُصفَّى ويُبرَّد حتَّى يسكُن ثم يُعاد إلى قِدرٍ نظيفة ويُطبَخ حتَّى يرجِع إلى النِّصف، ثمَّ يُصفَّى ويُرفعَ في إناء ويُستعمل عند الحاجة..
  • دهن الأفسنتين، وهو مسخِّن للأعضاء الباردة ومقوّي لها، وأما أخلاطه؛ فيؤخذ دهن خل مناً، فُقاح الأفسنتين (زهرة نبتة طبية) أوقيَّة، تصير في إناء زُجاج ويوضَع في الشَّمس أربعين يوماً ويصفَّى ويُستعمل.
  • الحُقَن المُسهِّلة: التي تستعمل في الأمراض الحادَّة إذا احتبست الطبيعة، أمَّا أخلاطُها عن الأهوازي، فعبرَ جَلب عُنَّاب وسبستان من كُلِّ واحدٍ كَف بنفسج يابس أربعة دراهم، تين عشرة عدداً، خَطمى (نبات له زهر) ونُخالة من كُلِّ واحدٍ بقدر الحاجة مصرورة في صُرَّة، تُطبخُ في ثلاثة أرطال ماء، إلى أن يرجِعَ إلى رَطل ويُصفَّى مِنه أربعة أواق ويُبقى عليه من السِلْق المدقوق المعصور ربعَ رَطِل، شَّيزج  (السمسم ) طري أوقيتين، مرى أوقية ونصف يُضرب جيِّداً ويُحقن به وهو فاتر.

وفاة علي بن العباس المجوسي :-

لم يذكر المترجمون تاريخاً محدداً لوفاة ابن العباس، كما اختلف في تحديد ذلك عدد من المؤرخين، إلا أن أغلبهم رجّح  أن الرجل توفي في حوالي سنة 400هـ والموافقة لسنة 1010م.

المصادر:

  • علي بن عبد الله الدفاع 1998: رواد علم الطب في الحضارة العربية والاسلامية، مؤسسة الرسالة ناشرون، بيروت.
  • يوسف القفطي 1908: إخبار العلماء بأخبار الحكماء، تدقيق محمد امين الخانجي، دار الكتب الخديوية، مصر.
  • زيغريد هونكه 1993: شمس العرب تسطع على الغرب، ترجمة فاروق بيضون وكمان دسوقي، دار اآفاق الجديدة، بيروت.
  • د. ميس قطاية، مخطوط مختصر أقرباذين سابور بن سهل وأقرباذين ابن التلميذ، حلب.
  • ابن أبي أصيبعة 1995 : عيون الأنباء في طبقات الأطباء، تحقيق نزار رضا، دار مكتبة الحياة.
  • راغب السرجاني 2009: قصة العلوم الطبية في الحضارة الإسلامية، مؤسسة إقرأ للنشر والتوزيع.

http://ddc.aub.edu.lb/projects/jafet/manuscripts/MS610.M214/index.html

Photo by Aditya Romansa on Unsplash

Exit mobile version