اسمه ونشأته:-
علي حسين محسن الوردي ، عالم اجتماع عراقي، لُقِّبَ بالوردي؛ نسبة إلى عمل جده في تقطير ماء الورد، وُلِدَ في مدينة الكاظمية العراقية سنة 1913م.
ترك مقاعد الدراسة عام 1924م ليعمل صانعاً عند عطَّار، ولكنه طُرِدَ من عمله؛ لأنه كان يهتم بقراءة الكتب والمجلات ويترك الزبائن، وبعد ذلك فتح دكاناً صغيراً يديره بنفسه، وفي عام 1931م التحق بالدراسة المسائية في الصف السادس الابتدائي، وكانت هذه بداية حياته الجديدة.
تحصيله العلمي ومكانته العلمية:-
أكمل دراسته وأصبح معلماً، وكان قد حصل على المرتبة الثالثة على العراق، فأُرسِلَ لبعثة دراسية إلى الجامعة الأمريكية في بيروت، وحصل على البكالوريوس، وأُرسِلَ في بعثة أخرى إلى جامعة تكساس، حيث نال شهادة الماجستير عام 1948م، ونال شهادة الدكتوراه عام 1950م، وقال له رئيس جامعة تكساس عند تقديم الشهادة له: “أيها الدكتور الوردي ستكون الأول في مستقبل علم الاجتماع”.
الدخول في سلك التعليم:-
في عام 1943م عُيِّن في
وزارة المعارف مدرساً في الإعدادية المركزية في بغداد، ثم عُيِّنَ مدرساً لعلم
الاجتماع في كلية الآداب في جامعة بغداد عام 1950م، أحيل إلى التقاعد بناء على
طلبه، ومنحته جامعة بغداد لقب (أستاذ متمرس) عام 1970م.
منهجه العلمي:-
كان الوردي متأثراً بمنهج ابن خلدون في علم الاجتماع، فقد تسببت موضوعيته في البحث بمشاكل كبيرة له؛ لأنه لم يتخذ المنهج الماركسي، ولم يتبع الأفكار القومية، فقد أثار هذا حنق متبعي الأفكار القومية، فقد اتهمه القوميون العرب بالقطرية؛ لأنه عنون كتابه «شخصية الفرد العراقي»، وهذا حسب منطلقاتهم العقائدية إن الشخصية العربية متشابهة في كل البلدان العربية، وكذلك انتقده الشيوعيون؛ لعدم اعتماده المنهج المادي التاريخي في دراسته.
تأثر الوردي بعقلانية الجاحظ:-
ونلفت الانتباه إلى تأثره أيضاً بالجاحظ في نظرته الموضوعية، ومنهجه العقلاني، وتحليلاته الاجتماعية والنفسية للسلوك البشري.
وجهة نظر الوردي في بنية المجتمع العراقي:-
تعتبر دراسة الوردي للشخصية
العراقية من أهم الدراسات، ومن الممكن أن نستفيد منها كمنهج للبحث لباقي بلدان
الشرق الأوسط، فقد حلل الشخصية العراقية على اعتبارها شخصية ازدواجية، تحمل قيماً
متناقضة؛ هي قيم البداوة، وقيم الحضارة.
ولجغرافيا العراق أثر في تكوين الشخصية العراقية، فهو بلد يسمح ببناء حضارة؛ بسبب النهرين، ولكن قربه من الصحراء العربية جعل منه عرضة لهجرات كبيرة وكثيرة عبر التاريخ.
العراق بوتقة صهرت البدو مع الحضر:-
وصف علي الوردي العراق
بالبوتقة؛ لصهر البدو المهاجرين ودمجهم بالسكان الذين سبقوهم بالاستقرار والتحضر، فتنشئ
لديهم قيمتان: قيمة حضرية، وقيمة بدوية. فالعراقي ينادي بقيم الكرامة والغلبة،
ولكن حياته تجبره على الانصياع لقيم التحضر.
حلل علي الوردي أغلب مناطق
العراق ما عدا المناطق الكردية في العراق؛ بسبب عدم إلمامه باللغة الكردية حسب
قوله في كتاب «دراسة في طبيعة المجتمع العراقي».
دعوته للتسامح:-
دعا الوردي إلى نبذ الخلاف الطائفي بين الشيعة والسنة، وطالب بالنظر إلى موضوع الخلاف بين الإمام علي ومعاوية على أنه خلاف تاريخي تجاوزه الزمن، ويجب على المسلمين عوضاً عن ذلك استلهام المواقف والآراء من هؤلاء القادة التاريخيين.
هجومه على الوعَّاظ:-
شنَّ الوردي هجوماً لاذعاً على الوُعَّاظ دون النَّظَر إلى انتمائهم الطَّائفي في بلاد ما تزال منقسمة إلى اليوم على أساس طائفي يعوق من تقدُّمها صوب المستقبل.
ويتمحمور هجوم الوردي على الوعَّاظ ضمن إطار محاولتهم اجترار التاريخ الإسلامي الذي يسعون إلى تقديمه بطريقة مثالية، وذلك على الرغم من المثالب العديدة التي اكتنزها هذا التراث من قبيل اكتظاظ قصور الخُلفاء بالجواري والغِلمان، متحدَّثاً في هذا السياق عن حالاتٍ من بينها خلفاء الدولة العباسية ومن أبرزهم هارون الرَّشيد والمتوكِّل، وسواهما.
هذا السُّلوك الوعظي- الذي يراه الوردي كان يغض الطرف عن حالة قصور الخلافة آنذاك- هو الذي تكرر في عصره، ولربما يتكرَّر اليوم كذلك.
وفي سياق عودته للنشاط الوَعظي في العصور الإسلامية السابقة؛ يقول الوردي: “والغريب أن نراهم (الوُعَّاظ) يستنزلون غضب الله، وويلاته جميعاً، على رأس ذلك الفقير الذي يُغازل جاريةً من الجواري، بينما هُم يبارِكون للغني ويهنئونه على تلك الجواري اللواتي اشتراهُن بماله من السُّوق، كأنَّ الفَرْقَ بين الحلال والحرام، في نظر هؤلاء، هو الفَرْقُ بين وجود المال وعدمه”.
وخلال عودته للتاريخ يقول الوردي: “وقد أخذ الوُعَّاظ والفقهاء يؤيدون أصحاب الجواري على حرصهم هذا وشدَّتهم في مراقبة المرأة، فالوُعَّاظ كانوا، ولا يزالون، يعيشون على ما ينفقه عليهم أصحاب الجواري”، وذلك في محاولة منه لاسقاط ما جرى في الماضي على الواقع الذي يرى أن فيه أيضاً زواجاً وتحالفاً بين المؤسستين الوعظية الفقهية وتلك السياسية، بما يحقق مصالح الجهتين.
تحيز صارخ:-
ويزيد في هذا السِّياق: ” وسبب هذا التحيُّز في الوعظ، فيما أعتقده، راجعٌ إلى أن الواعِظين كانوا، ولا يزالون، يعيشون على فضلات موائد الأغنياء والطُّغاة، فكانت معائشهم متوقِّفة على رضاء أولياء الأمر، وتراهم لذلك يغضُّون الطَّرْف عمَّا يقوم به هؤلاء من التعسُّف والتَّرَف، ثم يدعون الله لهم فوق ذلك بطول العُمْر”.
ويختم الوردي بتلخيص مشكلته مع الوعَّاظ في العراق وغيره من بلدان العالمين العربي والإسلامي بالقول: “إنهم يأخذون جانب الحاكِم ويُحاربون المحكوم، فتجدهُم يعترفون بنقائص الطَّبيعة البشرية حينما يستعرضون أعمال الحكَّام، فإذا ظلم الحاكِمُ رعيته أو ألقى بها في مهاوي السُّوء، قالوا: إنَّه اجتهَدَ فأخطأ، وكل إنسان يخطئ، والعِصمة لله وحده، أما حين يستعرضون أعمال المحكومين، فتراهم يرعدون ويزمجرون وينذرونهم بعقاب الله الذي لا مردَّ له، وينسبون إليهم سبب كل بلاء ينزل بهم”.
لقد ذهب زمان السَّلاطين، وآن أوان اليقظة الفكرية التي تستلهم من التَّاريخ عِبرةَ الإنسانية الخالدة.
— علي الوردي.
كتب الوردي ومؤلفاته:–
- وعَّاظ السلاطين.
- مهزلة العقل البشري، وفي هذا الكتاب والكتاب الذي قبله شن
الوردي حملة شعواء ضد بعض رجال الدين، واتهمهم بالوقوف إلى جانب الحكام، وتجاهل
مصالح الأمة على حساب مصالحهم الضيقة، متخاذلين عن واجبهم الديني. - هكذا قتلوا قرة العين.
- لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث.
- منطق ابن خلدون.
- الأحلام بين العلم والعقيدة.
- دراسة في طبيعة المجتمع العراقي.
وفاة الوردي:-
توفي علي الوردي في بغداد سنة 1999م.
تعرف أكثر على محمد عابد الجابري .. المفكر العربي الكبير
المصادر:–
- مقدمة كتابه وعَّاظ السلاطين.
- منطق ابن خلدون في ضوء حضارته وشخصيته، علي الوردي.
- الكاردينيا – مجلة ثقافية عامة.
http://algardenia.com/asmafealtareck/3083-2013-02-10-19-26-37.html
اسمه ونشأته:-
علي حسين محسن الوردي ، عالم اجتماع عراقي، لُقِّبَ بالوردي؛ نسبة إلى عمل جده في تقطير ماء الورد، وُلِدَ في مدينة الكاظمية العراقية سنة 1913م.
ترك مقاعد الدراسة عام 1924م ليعمل صانعاً عند عطَّار، ولكنه طُرِدَ من عمله؛ لأنه كان يهتم بقراءة الكتب والمجلات ويترك الزبائن، وبعد ذلك فتح دكاناً صغيراً يديره بنفسه، وفي عام 1931م التحق بالدراسة المسائية في الصف السادس الابتدائي، وكانت هذه بداية حياته الجديدة.
تحصيله العلمي ومكانته العلمية:-
أكمل دراسته وأصبح معلماً، وكان قد حصل على المرتبة الثالثة على العراق، فأُرسِلَ لبعثة دراسية إلى الجامعة الأمريكية في بيروت، وحصل على البكالوريوس، وأُرسِلَ في بعثة أخرى إلى جامعة تكساس، حيث نال شهادة الماجستير عام 1948م، ونال شهادة الدكتوراه عام 1950م، وقال له رئيس جامعة تكساس عند تقديم الشهادة له: “أيها الدكتور الوردي ستكون الأول في مستقبل علم الاجتماع”.
الدخول في سلك التعليم:-
في عام 1943م عُيِّن في
وزارة المعارف مدرساً في الإعدادية المركزية في بغداد، ثم عُيِّنَ مدرساً لعلم
الاجتماع في كلية الآداب في جامعة بغداد عام 1950م، أحيل إلى التقاعد بناء على
طلبه، ومنحته جامعة بغداد لقب (أستاذ متمرس) عام 1970م.
منهجه العلمي:-
كان الوردي متأثراً بمنهج ابن خلدون في علم الاجتماع، فقد تسببت موضوعيته في البحث بمشاكل كبيرة له؛ لأنه لم يتخذ المنهج الماركسي، ولم يتبع الأفكار القومية، فقد أثار هذا حنق متبعي الأفكار القومية، فقد اتهمه القوميون العرب بالقطرية؛ لأنه عنون كتابه «شخصية الفرد العراقي»، وهذا حسب منطلقاتهم العقائدية إن الشخصية العربية متشابهة في كل البلدان العربية، وكذلك انتقده الشيوعيون؛ لعدم اعتماده المنهج المادي التاريخي في دراسته.
تأثر الوردي بعقلانية الجاحظ:-
ونلفت الانتباه إلى تأثره أيضاً بالجاحظ في نظرته الموضوعية، ومنهجه العقلاني، وتحليلاته الاجتماعية والنفسية للسلوك البشري.
وجهة نظر الوردي في بنية المجتمع العراقي:-
تعتبر دراسة الوردي للشخصية
العراقية من أهم الدراسات، ومن الممكن أن نستفيد منها كمنهج للبحث لباقي بلدان
الشرق الأوسط، فقد حلل الشخصية العراقية على اعتبارها شخصية ازدواجية، تحمل قيماً
متناقضة؛ هي قيم البداوة، وقيم الحضارة.
ولجغرافيا العراق أثر في تكوين الشخصية العراقية، فهو بلد يسمح ببناء حضارة؛ بسبب النهرين، ولكن قربه من الصحراء العربية جعل منه عرضة لهجرات كبيرة وكثيرة عبر التاريخ.
العراق بوتقة صهرت البدو مع الحضر:-
وصف علي الوردي العراق
بالبوتقة؛ لصهر البدو المهاجرين ودمجهم بالسكان الذين سبقوهم بالاستقرار والتحضر، فتنشئ
لديهم قيمتان: قيمة حضرية، وقيمة بدوية. فالعراقي ينادي بقيم الكرامة والغلبة،
ولكن حياته تجبره على الانصياع لقيم التحضر.
حلل علي الوردي أغلب مناطق
العراق ما عدا المناطق الكردية في العراق؛ بسبب عدم إلمامه باللغة الكردية حسب
قوله في كتاب «دراسة في طبيعة المجتمع العراقي».
دعوته للتسامح:-
دعا الوردي إلى نبذ الخلاف الطائفي بين الشيعة والسنة، وطالب بالنظر إلى موضوع الخلاف بين الإمام علي ومعاوية على أنه خلاف تاريخي تجاوزه الزمن، ويجب على المسلمين عوضاً عن ذلك استلهام المواقف والآراء من هؤلاء القادة التاريخيين.
هجومه على الوعَّاظ:-
شنَّ الوردي هجوماً لاذعاً على الوُعَّاظ دون النَّظَر إلى انتمائهم الطَّائفي في بلاد ما تزال منقسمة إلى اليوم على أساس طائفي يعوق من تقدُّمها صوب المستقبل.
ويتمحمور هجوم الوردي على الوعَّاظ ضمن إطار محاولتهم اجترار التاريخ الإسلامي الذي يسعون إلى تقديمه بطريقة مثالية، وذلك على الرغم من المثالب العديدة التي اكتنزها هذا التراث من قبيل اكتظاظ قصور الخُلفاء بالجواري والغِلمان، متحدَّثاً في هذا السياق عن حالاتٍ من بينها خلفاء الدولة العباسية ومن أبرزهم هارون الرَّشيد والمتوكِّل، وسواهما.
هذا السُّلوك الوعظي- الذي يراه الوردي كان يغض الطرف عن حالة قصور الخلافة آنذاك- هو الذي تكرر في عصره، ولربما يتكرَّر اليوم كذلك.
وفي سياق عودته للنشاط الوَعظي في العصور الإسلامية السابقة؛ يقول الوردي: “والغريب أن نراهم (الوُعَّاظ) يستنزلون غضب الله، وويلاته جميعاً، على رأس ذلك الفقير الذي يُغازل جاريةً من الجواري، بينما هُم يبارِكون للغني ويهنئونه على تلك الجواري اللواتي اشتراهُن بماله من السُّوق، كأنَّ الفَرْقَ بين الحلال والحرام، في نظر هؤلاء، هو الفَرْقُ بين وجود المال وعدمه”.
وخلال عودته للتاريخ يقول الوردي: “وقد أخذ الوُعَّاظ والفقهاء يؤيدون أصحاب الجواري على حرصهم هذا وشدَّتهم في مراقبة المرأة، فالوُعَّاظ كانوا، ولا يزالون، يعيشون على ما ينفقه عليهم أصحاب الجواري”، وذلك في محاولة منه لاسقاط ما جرى في الماضي على الواقع الذي يرى أن فيه أيضاً زواجاً وتحالفاً بين المؤسستين الوعظية الفقهية وتلك السياسية، بما يحقق مصالح الجهتين.
تحيز صارخ:-
ويزيد في هذا السِّياق: ” وسبب هذا التحيُّز في الوعظ، فيما أعتقده، راجعٌ إلى أن الواعِظين كانوا، ولا يزالون، يعيشون على فضلات موائد الأغنياء والطُّغاة، فكانت معائشهم متوقِّفة على رضاء أولياء الأمر، وتراهم لذلك يغضُّون الطَّرْف عمَّا يقوم به هؤلاء من التعسُّف والتَّرَف، ثم يدعون الله لهم فوق ذلك بطول العُمْر”.
ويختم الوردي بتلخيص مشكلته مع الوعَّاظ في العراق وغيره من بلدان العالمين العربي والإسلامي بالقول: “إنهم يأخذون جانب الحاكِم ويُحاربون المحكوم، فتجدهُم يعترفون بنقائص الطَّبيعة البشرية حينما يستعرضون أعمال الحكَّام، فإذا ظلم الحاكِمُ رعيته أو ألقى بها في مهاوي السُّوء، قالوا: إنَّه اجتهَدَ فأخطأ، وكل إنسان يخطئ، والعِصمة لله وحده، أما حين يستعرضون أعمال المحكومين، فتراهم يرعدون ويزمجرون وينذرونهم بعقاب الله الذي لا مردَّ له، وينسبون إليهم سبب كل بلاء ينزل بهم”.
لقد ذهب زمان السَّلاطين، وآن أوان اليقظة الفكرية التي تستلهم من التَّاريخ عِبرةَ الإنسانية الخالدة.
— علي الوردي.
كتب الوردي ومؤلفاته:–
- وعَّاظ السلاطين.
- مهزلة العقل البشري، وفي هذا الكتاب والكتاب الذي قبله شن
الوردي حملة شعواء ضد بعض رجال الدين، واتهمهم بالوقوف إلى جانب الحكام، وتجاهل
مصالح الأمة على حساب مصالحهم الضيقة، متخاذلين عن واجبهم الديني. - هكذا قتلوا قرة العين.
- لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث.
- منطق ابن خلدون.
- الأحلام بين العلم والعقيدة.
- دراسة في طبيعة المجتمع العراقي.
وفاة الوردي:-
توفي علي الوردي في بغداد سنة 1999م.
تعرف أكثر على محمد عابد الجابري .. المفكر العربي الكبير
المصادر:–
- مقدمة كتابه وعَّاظ السلاطين.
- منطق ابن خلدون في ضوء حضارته وشخصيته، علي الوردي.
- الكاردينيا – مجلة ثقافية عامة.
http://algardenia.com/asmafealtareck/3083-2013-02-10-19-26-37.html