من هو عبد اللطيف البغدادي ؟
هو أحد أشهر رواد الفلسفة الإسلامية ، ولد في بغداد عام سبع و خمسين وخمسمائة هجرية الموافق للسنة الثانية والستين والمائة بعد الألف ميلادية -557هـ 1162م- ، عرف باسم ابن نقطة و ابن اللباد ، إلا أن اسمه الحقيقي الكامل هو مُوفَّقُ الدِّين عبد اللطيف بن يوسف بن محمَّد المَعروف بالبغدادي، يعتبر أحدُ أكثر العُلَماء المُكثِرين من التَّصنيف في الحِكمَة وعلم النَّفس والطبِّ والنَّبات والدَّواء والتَّاريخ والأدب.
كان والده يوسف مشتغلا بعلم الحديث وبعلم القراءات و متضلعا في المذهب، فيسر له والده في صباه سماع الحديث من جماعة مهمة من العلماء، كما أن كان عمه سليمان فقيها معروفا، فنهل البغدادی من هذا المنبع العلمي الفياض .
نشأته ودراسته:-
اشتهر ابن اللباد في عصره بعزوفه عن اللهو و المرج ، بل بذكائه وفطنته ، إذ كان يقضي جل وقته في الدراسة وطلب العلم كما كان سريع و كثير الحفظ كونه ترعرع في بيئة تكتنفها نفحات العلم و التقوى ، و قد ألحقه والده بالرواية على يد كبار الشيوخ آنذاك بعدما نبغ في النحو وعلوم اللغة والكلام، كما و بفضل إحاطته بخطوط اللغة العربية والقرآن والفصاحة وحفظ المقامات وديوان المتنبي ظل البغدادي يلازم الشيخ الوجيه الواسطي الذي كان رجلا بصيرا من أهل الثروة والمروءة إلى أن سبق الشيخ نفسه و ازداد عنه علما فقيل في حقه “يتكلم كراريس على كل باب ولا ينفد ما عنده” ، ثم شرع يلقن تلاميذ الوجيه بنفسه .
مكانته العلمية:-
لم يكن ابن اللباد مهتما فقط بمجالات الفلسفة الإسلامية وعلوم الأدب و اللغة ، بل اشتهر ابن نقطة أيضا كأحد أمهر جراحي حقبته، ومن ضمن أبرز الأطباء الذين خلدت أسماؤهم إلى عصرنا هذا وصنفت مؤلفاته في هذا المجال كأفضل المراجع على مر الزمن ، كما وكان صيدلانياً في الآن ذاته فاهتم بدراسة علم النبات و الكيمياء لعلاقتهما بصناعة الأدوية ، و مما ميزه أن كان مجدا في طلب علمه وفياً في خدمة مهنته فانصرف بكل جوارِحه وجهده إلى إتقان هذا العلم والتعمق والبحث في كتب و مخطوطات أعلام علماء الطب من القدماء والمعاصرين.
ابن اللباد : أول من شخص مرض السكري:-
يعتبر ابن اللباد كأوَّلَ طَبيبٍ عربِي مسلم اكتشف مَرَض السكَّري وشخص أعراضه، ولخصها في الشعور بالعطش الدائم بسبب كثرة التبول العائدة لانطراح و رجوع الماء الذي يأتي من الكلية دون الاستفادة منه، كما يقول: «إن هزال البدن وجفوفه من علامات هذا الداء»، و كذا كونه أيضا أول من اكتشف علاج و دواء هذا الداء الكامن في التغذية الصحية المفيدة الحمية إضافة إلى الاسترخاء و الهدوء و تجنب الانفعال و التوتر .
حسه الفني المرهف :–
لقد اهتم الأستاذ الدكتور عبد الكريم شحادة بزاوية من شخصية هذا العالم المحير ، لم تنل من معاصريه أو مؤرخيه اهتماما كافيا رغم كونها تدعو للإعجاب بفكره ومبادئه، إذ ذكر في كتابه «البغدادي الأثري العربي الرائد » مظاهر و أدلة كثيرة تبين اهتمام هذا العالم واعجابه بالفن والآثار، استنادا على مؤلف “الافادة والاعتبار” الخاص بالآثار المصرية للبغدادي.
ويقول شحادة « سأحاول أن أكشف عن ناحية هامة من نواحي معارفه الواسعة وهواياته المتعددة ، ألا وهي اهتمامه بالآثار وولعه بها وغيرته عليها ومناداته بوجوب الحفاظ عليها والرعاية لها لأنها خير شاهد على حضارة الأقدمين وعراقتها في الرقي والتمدن »، مضيفاً « لقد أفرد البغدادي للآثار المصرية التي لم ير ولم يسمع بمثلها فصلاً هاماً، فتكلم عن آثار الجيزة منف وبوصير … ويتصف البغدادي بالدقة المتناهية والأمانة الكاملة في نقل صور المعالم التي يتحدث عنها »، كما وصف شحادة التقييم الفني الذي عرضه البغدادي للآثار بأنه « رائع حقا تتجلى فيه نزعته الفنية وتذوقه للقيم الجمالية … فلنستمع اليه يتكلم بلغة المصور الفنان، ولنتأمله ينظر بعين النحات المثال .. ونلمس هذا الحس الفني الدقيق في أكثر من موضع» .
ومن المثير للاهتمام هو ان كثيرا من العلماء والمؤرخين ممن عاصروا ابن اللباد أو سبقوه ، على حد تعبير شحادة «يعتبرون تلك التماثيل الجميلة والنقوش البديعة ، والصروح الشامخة من أعمال الكفار الوثنيين ، لذا نراهم لا يعبأون بها أو بالحفاظ عليها ، ولا يهتمون بالعبث بها أو بتخريبها».
مؤلفاته:-
خلف عبد اللطيف البغدادي وراءه انتاجا ضخما و ثروة علمية لا مثيل لها من مؤلفات الأدب و الطب و الفلسفة و علم الأدوية و إلى ما غير ذلك، متضمنا ما يفوق 173 عنوانا بين مقالة صغيرة و كتاب ضخم، نذكر من أبرزها :
● كتاب قوانين البلاغة.
● اختصار كتاب العمدة لابن رشيق.
● مقالة في الوفق.
● كتاب الجلي في الحساب الهندي.
● كتاب الإفادة والاعتبار في الأمور المشاهدة والحوادث المعاينة بأرض.
● كتاب غريب الحديث.
● كتاب المجرد.
● كتاب الألف واللام.
● شرح الخطب النباتية.
● شرح أربعين حديثاً طبية.
● اختصار كتاب النبات لأبي حنيفة الدينوري.
● اختصار مادة البقاء للتميمي.
● كتاب الفصول وهو بلغة الحكيم سبع مقالات.
● شرح كتاب الفصول لأبقراط.
● اختصار كتاب الصوت.
● اختصار كتاب المني.
● اختصار كتاب آلات التنفس.
● اختصار كتاب العضل.
● كتاب النخبة وهو خلاصة الأمراض الحادة.
● شرح كتاب تقدمة المعرفة لأبقراط، اختصار.
● شرح جالينوس لكتب الأمراض الحادة لأبقراط.
● اختصار كتاب الحيوان لأرسطوطاليس.
● تهذيب مسائل مابال.
وفاة عبد اللطيف البغدادي:-
بعد أن قضى ابن اللباد عقودا من عمره في الدراسة و التأليف و التدوين والسعي وراء شتى العلوم و التخصصات؛ فقد وافته المنية عام 629ھـ الموافق للسنة 1231م عن عمر يناهز السبعين ربيعاً .
المصادر:-
- عَبد الكَريم شحادَة: صفحات من تاريخ التراث الطبي العربي الإسلامي.
- ابن أبي أصيبعة: عيون الأنباء في طبقات الأطباء.
- بول غليونجي: عبداللطيف البغدادي طبيب القرن السادس الهجري.
- إسلام المازنِي: رَوائع تاريخ الطب والأطبَّاء المسلمين.