اسمه ونشأته:-
أبو الخير الإشبيلي ، المعروف بالشجَّار، عالم بالزراعة، من أبناء إشبيلية، عاش في القرن السادس الهجري، نعته مواطنه ابن العوَّام الإشبيلي بالشيخ الحكيم، في كتابه الشهير «الفلاحة الأندلسية».
مكانته العلمية:-
كان أبو الخير الإشبيلي من ذوي الشهرة والمكانة في علم الفلاحة ومعرفة الأعشاب الغذائية والدوائية، وترك فيها كتاباً جامعاً سمَّاه «عمدة الطبيب في معرفة النبات لكل لبيب».
اعتمد أبو الخير الإشبيلي في بناء رصيد معلوماته على علوم الأولين من الأمم المختلفة، حيث نهل من معين صاحب كتاب الفلاحة اليونانية هوقسطا بن لوقا الرُّومي (عاش في القرن السادس الميلادي، إلى جانب المعارف التي قدَّمها كل من أنطرليوس وديمقراطس اليونانيين، وعلى مذهب ثرمونيوس الفارسي (الفيلسوف صاحب كتاب النوم واليقظة)، كما استفاد أبو الخير من علوم قسطوس النبطي.
كما اعتمد أبو الخير على التجربة الحقلية التي مارسها بنفسه، فكان يجرَّب ثم يواصل العمل والبناء على ما نجح في تجربته، حتى لو كان مخالفاً لما بلغه الفلَّاحون السابقون من إجماع.
فيقول هنا مثلاً: ” وما تَرِكَ من الحمُص في الأحقال حتى يسقط ورقه.. يعترضه الاحتراق، والفلَّاحون مجمعون إلَّا يُسقى الحُمُّص ما ظَهَرَ فيه الاحتراق، وأمَّا أنا فعرضني الاحتراق، فسقيته، فارتفع عنه، وصلُح، فاتخذْتُ ذلك ديدَناً”.
عمدة الطبيب في معرفة النبات لكل لبيب:-
يعتبر كتاب «عمدة الطبيب في معرفة النبات لكل لبيب» أكبر معجم موسوعي في تلك القرون، وهو يضم 1739 مادة نباتية ودوائية مرتبة على حروف المعجم، وهو عدد ضخم يجعل من هذا الكتاب موسوعة حقيقية في علم النبات، ويعتبر أدق وأوفى كتاب عربي في التعريف بأنواع النبات والشجر وبيئتها الطبيعية وجغرافيتها، فيما يخص أماكن وجودها بمختلف جهات الأندلس والمغرب، كما أنه معجم متعدد اللغات يفسِّر أسماء الأعشاب باليونانية واللاتينية والفارسية والعجمية الأندلسية، فضلاً عن أن مؤلفه الإشبيلي ابتكر طريقة لتصنيف أنواع الأعشاب وأجناسها، وهو أول عالم نباتي فعل ذلك.
مراعاة ترتيب الأحرف حين تناول أسماء النبات:-
يقول الأستاذ محمد العربي الخطابي محقق كتاب «عمدة الطبيب»: “رتَّب المؤلف كتابه على حروف المعجم بالترتيب السائد في بلاد الغرب الإسلامي.
والمؤلف لا يُراعي في ترتيب المواد إلا أوائل الحروف فقط، يذكر أسماء أعيان النبات والألفاظ اللغوية التي لها صلة بأحوال العشب والبقل والشجر، ثم يعمد إلى تفسير كل مادة تفسيراً يطول أو يقصر حسب مقتضى الحال، يُحقِّق اسم النبات، عربياً كان أو أجنبياً، ثم يبين ماهيته وأجزاءه من ورق وساق وزهر وثمر وبذر وجذر.
الخوض في تفاصيل النبات:-
يذكر الإشبيلي ألوان الزهور والأوراق والأصول، وشكل البذور، وطول الساق بالشبر والذراع والقامة، ويذكر بيئة النبات الطبيعية وأماكن وجوده، ويُعدِّد في كثير من الأحيان أجناسه وأصنافه المتقاربة على أساس (المشاكلة) التي بنى عليها نظامه التصنيفي.
وكثيراً ما يذكر أسماء النبات بمختلف اللغات، ومنها اليونانية واللاتينية والفارسية والنَّبْطية والأمازيغية وعجمية الأندلس (الرومانصية أو اللاتينية العامية)، وكثيراً ما يذكر الاسم العربي الدارج في الأندلس وفي البلاد الأخرى”.
معاينته النبات في موطنه الأصلي:-
ويمتاز كتاب الإشبيلي بكون جل النباتات الموصوفة في كتابه هي نتيجة لمعاينةٍ شخصيةٍ للنبات في موطنه الأصلي، ويبقى أهم إبداع نسجله للعالم أبي الخير الإشبيلي -حسب الدكتور جمال بلخضر- هو اكتشافه لتصنيف علمي للنباتات ينم عن منهج تفكير علمي لا غبار عليه، وإن طريقته في التصنيف تقترح نسقاً ثلاثيَّ العناصر:
- حجم وبيولوجيا النبات.
- الشكل المورفولوجي؛ كالشكل العام والمظهر الخارجي وشكل
تكتل الزهرات. - شكل الأوراق.
يؤدي إلى تشكيل عناصر
تصنيفية، تندرج تحتها عناصر تصنيفية أخرى، تتلوها أخرى بما يشكل (عولبة) متتالية
لمجموعة عناصر تصنيفية داخل أخرى، مما ينتج عنه تعدد في مستويات التمييز بين
مجموعات الخصائص.
غراسة وتقليم الأشجار وتنقيتها:-
تميَّز أبو الخير بخبرته في مضمار تقليم الأشجار، وقد بزَّ أقرانه الأندلسيين في هذا المضمار، حتى أن ابن العوَّام اعتمد عليه قائلاً: وعلى كتاب الشِّيخ الحكيم أبي الخير الإشبيلي رحمه الله، وهو مبنيٌ على آراء جماعة من الحكماء والفلَّاحين وعلى تجاربه”.
- وقد اعتمد أبو الخير في هذا السياق على أسلوب التجربة قائلاً: كثير من النَّاس يحملون جميع أنواع الشَّجر في التنقية (التقليم) محملاً واحداً، وإنَّما ولَّد عليهم ذلك قلَّة التجربة وترك الاهتمام بأمور الشجرات فتتأذى الشجرات ويقل حملها”.
- وتحدَّث أبو الخير الإشبيلي عن البستنة، وعن اتخاذ الكُروم واختيار أرضها، وعن اختيار الزَّرجون (شجر العنب) ، للغراسة والوقت المستحسن له، وتحدَّث عن كيفية الغرس في الكَرْم، والعناية بالنباتات التي في البُستان.
- وتفرَّد أبو الخير -عن معاصريه من علوم الفلاحة في الأندلس- في التحدُّث بالتفصيل عن زراعة القمح، إذ يقول: “أضربَ المؤلفون في هذا النوع، بل أنِفوا من ذِكر زراعة القمح والشَّعير”، وتحدَّث أيضاً عن غراسة الزَّيتون وتوقيت غراسته، وعند تحدُّثه عن الكسح (التقليم)؛ تكلَّم عن كسْح الكروم القصار ووقت الحفر للكروم المستحكمة وتحدَّث عن البقول المتخذة في البساتين تحت عنوان البستنة.
المصادر: –
- الحضارة الإسلامية – دراسة في تاريخ العلوم الإسلامية (2/935).
- عمدة الطبيب في معرفة النبات مقدمة تحقيق محمد العربي الخطابي (29)، 1990، الرباط – المغرب.
- موجز دائرة المعارف الإسلامية (25/ 7875).
- الفلاحة في الفكر الإسلامي في الأندلس، بلال الجعافرة.