ابو إسحاق ابراهيم الصابي :-
هو إبراهيم بن هلال بن إبراهيم بن زهرون الصابي ، ولد في شهر رمضان من سنة 313هـ ببغداد، ونشأ بها وفيها عرِف الأدب ومارَسَ الكتابة شعرا ونثرا، فكان من أقدر كتاب عصره .
كما يعرف إبراهيم الصابي بخبرته العظيمة في ميادين الرياضيات والهندسة والفلك..
حياته ونسبه:-
يعود نسب إبراهيم الصابي إلى الصابئة الحرانيين، وقد كان لهذه الطائفة قدر كبير بالدولة الإسلامية، إذ اعتلى الكثير منهم مراكز إدارية عظيمة فيها.
فإلى جانب علامتنا الذي كان علَماً من أعلام زمانه في العلوم والآداب؛ فقد كان جده أبو اسحاق ابراهيم بن زهرون من كبار الأطباء المشهورين حينذاك، وكانت لهذه العائلة بشكل عام بصمات واضحة في تاريخ الطب في الدولة الاسلامية.
لقد خطا أبو اسحاق في البداية خطوات أجداده وغدا طبيباً ثم لم يلبث أن أعرَضَ عن مهنة أجداده ووجَّه اهتمامه للكتابة إرضاءً لنفسه المحُبة لفروع الأدب و الشعر و النحو، وقد ساعده على ذلك اطلاعُه على الدين الإسلامي و قيامه بدراسة القرآن وحفظه رغم كونه نصرانياً، ثم اتجه الصابي إلى تعلُّم الفقه الإسلامي، و أصرَّ وثابرَ على تعلُّم العلوم الإسلامية بمختلف ألوانها، وقد تميز في فنون الكتابة وكان بارعاً فيها، الأمر الذي مكَّنه من الالتحاق بديوان الرسائل والولاية عليه، ما رَفَعَ من مكانته الاجتماعية وقدره العلمي.
مكانته العلمية:-
لقد كان الصابي عارفاً مُلماً بأصول الفلسفة قبل أن يتوجه إلى دراسة حِرفة أجداده (الطب) ، وليُعرضَ عنه ويتجه فيما بعد إلى الأدب والكتابة، ويقول جمال الدين القفطي في هذا السياق: ” إنه كان عالمًا بالهندسة والرياضيات ، وهو إلى ذلك كان مثقفًا ثقافة واسعة باللُّغة، والشعر قديمه وحديثه، واستطاع أن يحقق لنفسه قدرة بيانية جعلته يرتفع على أقرانه من المسلمين إلى رياسة ديوان الرسائل”.
لقد كان الصابي ذا قدر كبير في الوسط الثقافي آنذاك، نتيجة لاطلاعه الواسِع واهتمامه بكل جديد سواءً في العلوم أو الآداب، ما جعله قريبا من كبار علماء عصره، تجمعه بهم علاقة طيبة رغم إختلاف توجهاتكم وخلفياتهم الدينية والثقافية، إذ يقول ياقوت الحموي : “كان بينه وبين الصاحب أبي القاسم إسماعيل بن عباد مراسلات، ومواصلات ومتاحفات، وكذلك بينه وبين الرضي أبي الحسن محمد بن الحسين الموسوي مودة ومكاتبات، مع اختلاف الملل، وتباين النحل”.
واستكمالا لمكانته العلمية؛ فقد اعتلى الصابي ديوان الرسائل الخاص بالدولة العباسية سنة 349 هـ ، وهو
في سن السادسة والثلاثين، بعد أن تفوَّق على جميع كتّاب الحضرة، وأثبت تميزه .
وفي مجال العلوم؛ كان للصابي قدر كبير في علم الفلك، إذ عاصر مرصدين فلكيين عظام في بغداد في
نهاية حياته ، وقد اكتشف بعض الأدوات الخاصة بهذا العلم وقام بتصنيعها كالإسطرلاب والزيج .
وقد خلّف الصابي مصنفات عديدة، فمنها الذي عرفناه ووصل الينا مخطوطاً، ومنها ما ضاع مع مرور الزمن وتعاقب الفتن.
أقوال العلماء فيه:-
لقي علَّامتنا ثناءً كبيراً من قِبل بعض من العلماء الذين اعترفوا بمكانة الصابي العلمية وقيمته الأدبية، ونذكر من ذلك قول:
- أبو منصور الثعالبي قال عنه : “هو أوحد العراق في البلاغة، ومن به تثنی الخناصر في الكتابة، وتتفق الشهادات له ببلوغ الغاية من البراعة في الصناعة. وكان قد بلغ التسعين في خدمة الخلفاء وخلافة
الوزراء، وتقلد الأعمال الجلائل مع ديوان الرسائل، وحلب الدهر أشطره، وذاق حلوه ومره، ولابس
خیره ومارس شره، ورئس ورأس، وخدم وخُدِم، ومدحه شعراء العراق في جملة الرؤساء، وشاع ذكره
في الآفاق، ودوَّن له من الكلام البهي النقي العلوي ما تناثرت درره وتكاثرت غرره”.
- وقال شكيب أرسلان عنه: “كان الصابي نصرانيا ولكنه كان يعاشِر المسلمين أحَسن عِشرة، ويصوم
معهم شهر رمضان ويحفظ القرآن الكريم حِفظاً يدور على طَرَف لسانه وسن قلمه. وكان في أيام شبابه واقتباله، أرخی بالاً وأنعم حالاً منه في أيام استكماله، وفي زمن اكتهاله أسعد جدا منه حين مته الكِبر”.
- هذا وقد ذُكر إسم الصابي في أشعار كثيرة، ونذكر من ذلك قول الشاعر:
مؤلفات الصابي:-
لأبي إسحاق إبراهيم الصابي عِدَّة مؤلفات في مجالات عدة، منها ما ذكرته ُالمصادر القديمة و لم يصل
إلينا، ومنها ما هو مخطوط، و القلي فقط ما وصل إلينا ونال اهتمام الناشرين، نذكر من هذه المصنفات ما
يلي:
- ديوان شعر.
• رسائل الصابي.
• التاجي.
• كتاب أخبار بني بويه.
• كتاب اختيار شعر المهلب.
• رسائل الصابي والشريف الرضي.
وفاة الصابي:-
توُفي إبراهيم الصابي في 12 شوال 384هـ الموافق لـ 18 نوفمبر 994م، لتغيب شمس قامة علمية وأدبية
كبيرة أفنت حياتها في طلب العلم ونشره.
المصادر:-
- جمال الدين القفطي: إخبار العلماء بأخبار الحكماء.
- تحسين حميد مجيد: هلال الصابي، مؤلفاته وحياته.
- أبو إسحاق القيرواني: جمع الجواهِر في المِلح والنوادر.
- شكيب أرسلان: المختار من رسائل أبي إسحاق إبراهيم بن هلال بن إبراهيم بن زهرون الصابي.