ابن الشبل البغدادي -الاسم والنشأة:-
اختُلِف في اسم ابن الشبل البغدادي ، فقيل اسمه: محمد بن الحسين بن عبد الله بن أحمد بن يوسف بن شبل، وقيل: الحسين بن عبد الله بن يوسف بن أحمد بن شبل، أبو علي البغدادي، الشاعر الطبيب، وُلِدَ في بغداد، ونشأ فيها.
عاش ابن الشبل البغدادي (401-473 هـ) قرابة 47 عاماً تحت ظل الحكم البويهي الفعلي للدولة العباسية وهو الحكم الذي انتهى عهده على يد السلاجقة وهم ينحدرون من قبائل تركية نزحت من موطنها الأصيل في سهول تركستان إلى بلاد ما وراء النهرين، إلى ان تمكنوا من السيطرة على إقليم العراق وما جاوره وبسطوا نفوذهم على العاصمة بغداد مع الإبقاء على الدور الشكلي للخليفة العباسي .
خلال العصر العباسي؛ برز عدد من الشعراء الذين نالوا حظاً وافراً من الشهرة من قبيل أبي تمام و البحتري و بشَّار بن برد والمعري، فيما لم ينل غيرهم ذات الشهرة من قبيل ابن شبل البغدادي، وذلك على الرغم من جودة أشعاره.
مكانته العلمية:-
اشتُهِر بالحكمة والفلسفة،
وكان خبيراً بصناعة الطب، أديباً فاضلاً، وشاعراً مجيداً، وظريفاً، أخذ عن أبي نصر
يحيى بن جرير التكريتي وغيره.
وكان شاعراً مجيداً له ديوان شعر، اشتُهر بروعة النظم، ومن أشهر قصائده قصيدته الرائية التي نسبت للشيخ الرئيس ابن سينا وهي ليست له، بل هي لابن شبل البغدادي، وقد دلَّت قصيدته الرائية هذه على علوِّ منزلته في الحكمة والأسرار الإلهية، وقوة اطِّلاعه على مكنوناتها، وقد سارت بها الركبان وتداولها الرواة، منها هذه الأبيات:
القصيدة الواردة أعلاه؛ منظومة على بحر الوافر، وقد جسَّدت حكمة قائلها، حيث أثارت ولا زالت تثير جدلاً حول بعض المسائل في الحكمة والفلسفة التي سادت في عصر المؤلف، والتي تستقي جذورها منذ مطلع القرن الثاني الهجري.
و أولى هذه المسائل هي مسألة الجبر والاختيار (تم تناولها من خلال الأشاعرة والمعتزلة وسواهم)، وهل الخلق مسيرَّون أم لهم حق الاختيار، ويطال هذا المخلوقات الأخرى غير البشر، وأولها الفلك الدائر وما يتضمنه الفضاء من مجرَّات ونجوم وشموس، حيث يستفهم ابن الشبل في مطلع القصيدة عن علة دوران الفلك، وهل يتم ذلك باختياره أم أنه مجبر على ذلك.
ويظهر في شعره أن ابن الشبل المتأمل للفضاء الخارجي؛ يستنطق ما لا ينطق، في محاولة منه لتبديد الحيرة والذُّهول الذي يقع في نفس المفكر والفيلسوف تجاه ما يجري من مسائل تتعلق في كيفية إدراك ما يجري مسائل كونية، وهو الأمر الذي كان محطَّ خلاف ونزاع نشب بين الفلاسفة والفقهاء والمتكلمين منذ وقت مبكر من عُمر العصر العباسي، وذلك بفعل انفتاح العرب والمسلمين على علوم الفلك الهندية واليونانية والفارسية، فضلاً عن اطلاعهم على فلسفات الإغريق حيال الكون، نشأته، كيفية تدبيره…
ويتضح من الأبيات أيضاً أن هناك قلقاً وبعداً عن الرسوخ في عقيدة الشاعر حيال البعث والنشور والثواب والعقاب، فالإيمان في نظر المسلمين يفضي إلى ذهاب الأرواح إلى بارئها ليوم معلوم، لكن ابن الشبل يلمِّح في بيته ” وعِندَكَ الأرواحُ..” إلى استفسارات ومحاولة فهم ونهجٍ قد يقرِّبه من منطق الدهريين.
آدم والهبوط إلى الأرض:-
ثم ينتقل ابن الشِّبل إلى الحديث عن معاناة آدم أبي البشر، والشَّقاء الذي تَسببَ فيه لذُريَّته وذلك بعد اقترافه ذَنب الأكل من الشَّجرة المحظورة وهبوطه من الجنَّة بعد طرده من الفردوس، حيث لم ينفعه جواره لله وعلمه بالأسماء وظهوره على الملائكة وسجودها له، ليخرج من نعيمه وأصبحت السافيات له كفَناً وأدركته رحمة الله بأن ألهمه الاستغفار من ذنبه فغُفِر له، غير أنه وعلى الرغم من هذا الغفران، فقد ظلَّ آدم يُعيَّر بجريرته ما أعقب الليل والنَّهار.
ومن شعر ابن الشبل البغدادي أيضاً قوله:
وقال في رثاء أخيه أحمد قصيدة تعتبر من أروع القصائد التي تفوح منها الحكمة والعبرة والعظة، ومما جاء في هذه القصيدة هذه الأبيات:
وقد تضمنَّت قصيدة الرِّثاء أعلاه؛ معانٍ سامية وحِكَم لطيفة، وهي همزية من البحر الخفيف، يستهلها بأمر مسلَّم به وهو أن لكلِ شيء انتهاء، حتى الحُزن والسرور لهما نهاية، ولا ينفك الأحبة المغادرون للدُّنيا يتركون غصَّة في قلوب الأحياء.
ويتناول في قصيدته كذلك ما يعانيه الإنسان من عثَرات ومصائب واختبارات في حياته، إذا، فهوَ بين مطرقة أهوال الدُّنيا التي لا ترحم، وسنديان الموت والفِراق.
الصبر:-
ويقول في أبياتٍ قليلةٍ محكمةٍ ذات معانٍ سامية تحُثُّ على الصَّبر ومواجهة الهموم والجزع:
ابن الشبل البغدادي – أقوال العلماء فيه:-
- قال عنه ابن أبي أُصَيْبعة : “كان حكيماً فيلسوفاً، ومتكلماً فاضلاً، وأديباً بارعاً وشاعراً مجيداً”.
- وقال عنه الصفدي: ” كان ظريفاً نديماً مطبوعاً وشاعراً مجيداً”.
- وقال عنه عمر رضا كحالة: “أديب، شاعر، متميز بالحكمة والفلسفة، خبير بصناعة الطب”.
- ذكر أبو الحسن الباخرزي أنه رآه على الخدمة النظامية بهراة، وقال عن ابن الشبل : “واستفدتُ من محاضراته ما لم أجد عند غيره ذلك الصِّنف، واقتبستُ من مذكَّراته جُملاً ملأت منها الكنف”، وزاد الباخرزي : “كان الغالب عليه النثر ولرسائله عذوبة، هي بين الكتَّاب أعجوبة”.
- وقال الإمام الذهبي عنه : “له ديوان مشهور ونظمه في الذروة”.
- وبحسب الإمام الذهبي وياقوت الحموي؛ فإن ابن الشبل البغدادي كان راوياً للحديث النبوي، حيث سمِعَ غريبه من أبي الحسن أحمد بن علي بن البادي وسواه، كما ذكرا أنه روى عنه كل من إسماعيل بن السمرقندي وأبو الحسن بن عبد السلام وأبو سعد بن الزوزنيّ وشجاع الهذلي، وآخرون أشاروا إلى أنه أخذ عن أبي نصر يحيى بن جرير التكريتي.
وفاته:-
توفي في بغداد، في شهر
محرم، سنة 473هـ.
تعرف على عضد الدولة .. أول من حمل لقب “شاهنشاه” بالإسلام
المصادر:–
- ابن الشبل البغدادي ، حياته وشعره، لطفي منصور.
- الأعلام (6/100).
- عيون الأنباء في طبقات الأطباء (333).
- فوات الوفيات (3/340/رقم 444).
- معجم الأدباء (3/1078/رقم 376).
- معجم المؤلفين (4/35).
- Photo by Olga Kononenko on Unsplash