Site icon العربي الموحد الإخبارية

ابن التلميذ .. الطبيب القسيس الأديب

اسمه ونشأته:-

هبة الله بن صاعد بن هبة الله بن إبراهيم، أمين الدولة أبو الحسن المصري البغدادي، الطبيب القسيس الحكيم الأديب، المعروف ” ابن التلميذ “؛ نسبةً إلى اسم جدِّه لأمه، وُلِدَ في بغداد سنة 466هـ.

مكانته العلمية:-

كان قسيس النصارى ببغداد، وشيخ
الطب وجالينوس العصر، وصاحب التصانيف، كان واحد عصره في صناعة الطب، متفنناً في
علوم كثيرة، حكيماً أديباً شاعراً مجيداً، وكان يكتب خطاً منسوباً في نهاية الحسن،
خدم الخلفاء من بني العباس، وانتهت إليه رئاسة الأطباء في العراق، وتولى
البيمارستان العضدي إلى أن توفي، وكان عارفاً بالفارسية واليونانية والسريانية
متضلعاً بالعربية، وكان يميل إلى صناعة الموسيقى ويُقرِّب أهلها.

ابن التلميذ

له شعر، كله ملح ولطائف وابتكارات، وترسُّل جيد، ومن شعره هذا اللغز في الميزان:

مــا واحــــدٌ مختلــــفُ الأســـــــماء.. يعدلُ في الأرضِ وفي السَّــــماء

يحـــكــــمُ بالقِسْــــــــطِ بــــلا ريـــــاء.. أعمى يُــــري الإرشادَ كُلَّ راء

أخــــــــــرسٌ لا مِنْ عِـــــــــــلَّةٍ ودواء.. يُغني عَنِ التَّصريحِ بالإيماء

ومن مشهور شعره:

يـا من رمــــاني عن قـــوس فـــــرقته.. بســــهم هجـــر فلا تلافيــــه

أرض لمـن غـــــاب عنــك غيبتـــــه.. فـــــذاك ذنــب عقابه فيه

قال ابن التلميذ في دار الكتب التي وقَفَها موفق الدين أبي طاهر الحسين بن محمد:

وفِّقــــتَ للخـــــير إذ عمَّمـــــت بـــه.. طلابـــــــــه يا موفـــق الدِّينِ

أزلفــــتَ للنَّــــــاس جنَّة جمعــــــــت.. عيون فضـــل أشهى من العيــنِ

فيهــــــا ثمــار العقـــول دانيـــــــة.. قطــوفهــــــا حـــــلوة الأفانيــــنِ

لا زلــتَ تسمـــــو بكــــــل صالحـــة.. بمســـــــــعدي قـــــدرة وتمكيـــــنِ

ويرحـــــــمُ اللـــــه كـــــــلَّ مستمــعٍ.. مُشَيِّــــــعٍ دعــوتـــــي بتأميـــــــنِ

وقوله:

مَنْ كانَ يُلْبِــــــــــــــسُ كَلْـــــــــــبَهُ.. وَشْــــــــــــــــياً ويَقْنَــــــعُ لي بِجِــــــلْدِ

فـــــــــــالــكَلْبُ خَــــيْرٌ عِـــنْـــدَهُ.. مِنِّــــــي وخَـــيْــــرٌ مِــنْهُ عِنْــــــدي

أقوال العلماء فيه:

  • قال أبو الفتوح الدمشقي في «أنموذج الأعيان»: “كان شيخاً زيني المنظر، عذب المجتلى والمجتنى، لطيف الروح، ظريف الشخص، مصنّف الفكر، حازم الرأي”.
  • وقال عنه العماد الأصبهاني: “سلطان الحكماء، هو مقصد العالم في علم الطب، أبقراط عصره وجالينوس زمانه، خُتِمَ به هذا العلم، ولم يكن في الماضين من بلغ مداه في الطب، عمَّر طويلاً وعاش نبيلاً جليلاً، ورأيته وهو شيخ بهي المنظر، حسن الرواء، عذب المجتلى والمجتنى، لطيف الروح، ظريف الشخص، بعيد الهم عالي الهمة، ذكي الخاطر مصيب الفكر حازم الرأي، شيخ النصارى وقسيسهم ورأسهم ورئيسهم، وله في النظم كلمات رائقة، وحلاوة جنية، وغزارة بهية”.
كتاب ديسقوريدس في موادّ العلاج (ديسقوريدس)

مواقف مع ابن التلميذ:-

  • كان حسن العشرة كريم الأخلاق ذا مروءة وسخاء، حلو الشمائل كثير النادرة، وكان ابن التلميذ هو وأوحد الزمان أبو البركات هبة الله المعروف بابن ملكا اليهودي في خدمة المستضيء بأمر الله، وكان بينهما شنآن وعداوة، فأراد أوحد الزمان أن يُوقِعَ ابن التلميذ في تهلكة، فكتب رقعة يذكر فيها عن ابن التلميذ عظائم لا تصدر عن مثله، ووهب لبعض خدم القصر مالاً ورغَّب إليه أن يلقي الرقعة في مجلس من مجالس الخليفة ففعل، فلما أخذ الخليفة الرقعة وقرأها همَّ أن يوقع بأمين الدولة، فأُشير عليه أن يتبصَّر ويستقصي عن ذلك، فظهر الأمر، وعلم أن ذلك تدبير أوحد الزمان لإهلاك ابن التلميذ ، فغضب وأباح لابن التلميذ دم أوحد الزمان وماله وكتبه، فكان من كرم أخلاق ابن التلميذ أنه لم يتعرض له بسوء وصفح عنه.
  • كان ابن التلميذ يشهد مجلس المقتفي مرة في الأسبوع الواحد، فكان الأخير يُجلس الأول لكِبر سنه، وكانت دار القوارير بدار السلام مُجراة في إقطاعه، فحَّلها الوزير يحيى بن هبيرة في ولايته، بحسب ما ذكره جمال الدين القفطي في كتابه “إخبار العلماء بأخبار الحُكماء”.

وفي يوم حضوره للمقتفي؛ أراد ابن التلميذ الانصراف من المجلس بيد أنه عجِزَ عن القيام وذلك لضعف الكِبر، فقال له الأول: كبرتَ يا حكيم؟ ، قال: نعم كبرت وتكسَّرت قواريري ( مثلٌ كان يتماجن به أهل بغداد لمن عَجِزَ وبطل)، فتفطَّن الخليفة، وقال: رجل عمَّر في خدمتنا ما تماجن قطّ بحضرتنا، ولهذا التماجن سر، ففكَّر قليلاً، فقيل له: قد حلَّها الوزير ابن هبيرة عنه وأخذها منه، فلم يرُق ذلك للمقتفي الذي أنكر هذه الفِعلة، ورد الاقطاع لابن التلميذ وزاده واحداً آخر.

كتب ابن التلميذ:-

  1. حاشية على القانون لابن سينا.
  2. حاشية على المنهاج لابن جَزْلَة.
  3. شرح مسائل حنين بن إسحاق.
  4. شرح أحاديث نبوية تشتمل على مسائل طبية.
  5. الكناش في الطب.
  6. الموجز البيمارستاني.
  7. المقالة الأمينية في الأدوية البيمارستانية.
  8. مقالة في أصول التشريع عند المسيحيين.
  9. اختصار شرح جالينوس لكتاب الفصول لأبقراط.
الصفحة الافتتاحية لكتاب المزاج لجالينوس ، أطروحته الرئيسية عن أخلاط الجسم

بعض الوصفات التي أوردها ابن التلميذ في الأقرباذين:-

أورد ابن التلميذ سبعة وثلاثين شكلاً صيدلانياً في “أقرباذين”، وهي الأقرص واللُّعوقات، والرُبُوبات، الأدهان، الحُقَن، السُّفوفات، الأكحال، المراهم، الجوارشنات، الأيارجات، المطبوخات، الحبوب، المعاجين، المربيات، المنقوعات، الطلاءات، الخِصابات، أدوية السَعْفة.

كما تناول النُفوخات، والأشياف (الفتائل)، الأطريفلات، البرودات (أدوية القم والأسنان)، البرودات (أدوية خاصَّة بالعين)، الشيافات (للعين)، البنادق، الأدوية اليابسة، الأكسيرينات، الذرورات، التزريق، السنونات، المسمنات، السُّعوطات، الغراغر، المُقيئات وحابسات القيء، المُدرَّات للعرق وحابساته.

نورد بعض نماذج الأدوية الموصوفة للعلاجات والتي تعامل معها ابن التلميذ في الأقرباذين:

  • لعوق الخَشخاش الأسود: وهو نافعٌ من قذف الدَّم والحُمَّى الحادَّة والسُّعال ووجع الصَّدر وذات الجنب والشَّوْصة، وأما أخلاطه فهي: خَشخاش أبيض مرضوض عشرة دراهم، بزر قَطُوناء ثلاثة دراهم؛ بَزْر خُبّازى وخَطمي من كل واحدٍ سبعة دراهم، يُطبخُ الجميع برطل ماء إلى أن يبقى النِّصف، يُصفَّى ويُطبَخ مع رَطل فانيد، ويُخلَط معهُ أوقية ونصف صمغ عربي، وعشرة دراهم خَشخاش أسود مصري، مسحوقين ويعقد ويُرفع في إناءٍ ويُستعمَل.
  • شراب السُّكنجبين بخلّ العُنصُل: السُّكنجبين بالتعريف هو الشَّراب المركَّب من الخَل والعسل، أما أخلاطهُ فهي بصل العُنصُل جُزء، خَل خَمر عشرة أجزاء، يُطبَخ حتَّى يتهرَّى بعد تقطيعه بسكين من خشب، ويُصفَّى، ويُطرَح على كلِّ رطلين من الخَل رَطل ونصف من السُّكر الطَبَرزَد، ويُحكم صنعته، ويُرفَع ويستعمل.
  • رُب السَّفرجل الساذج: ينفع من استطلاق البطن والقيء والحرارة وضعف المعدة، أما أخلاطه عند ابن التلميذ فهي: أن يُطبَخ ماء السفرجل حتى يبقى ما قد طُبِخ الرُّبع، ثمَّ يصفَّى ويُترَك حتى يتم صفاؤه ويُعاد طبخه حتَّى يبقى النِّصف من الرُّبع المذكور، أعني من الماء الأول، ويُرفَع عند الحاجة.
  • حُقَن مُسهِّلة: تستعمل في الأمراض الحادة إذا احتبست الطبيعة، أما أخلاطها عند ابن التلميذ؛ فهي: شعير مرضوض مقشور كفّ، بنفسج يابس ونيلوفُر وخَطمِي مصرورة في خِرقة كِتَّان ونُخالة مصرورة في خِرقة كِتَّان من كل واحدٍ خمسة دراهم، يُطبخ برطليّ ماء حتى يبقى ثمانية أواقي، ويُصفَّى ويؤخَذ من جملته خمسون درهما، يُحل فيه أوقيَّة ونصف دَهن بنفسج أو دهن لوز وأوقية ونصف سكر مع مثقال ملح العجين ويُحتقن، فإن أجاب الطبع وإلَّا أُعيدت ثانيةً فربما كان البرازُ يابِساً فيلين بالأولى، ويحلَّه بالثَّانية شعير مرضوض مقشور كَفّ، بنفسج يابس ونيلُوفُر وخَطمي مصرورة في خِرقة كِتَّان، ونخالة مصرورة في خِرقة كِتَّان من كل واحِد خمسة دراهم.
  •  نانخوَاه (اسم فارسي ، نوع من الكمُّون) معناهُ طالب الخير كأنَّهُ يُشهِّي الطَّعام إذا أُلقِيَ على الأرغفة قبل اختبازها.
  • نَيْلُوْفَر: وهو اسمٌ فارسيٌ معناهُ: النيلي الأجنحة والنيلي الأرياش، ورُبَّمَا سُمِّيَ بالسِّريانية ما معناه كُرنُب الماء.
  • سرطان بحري : يستعمل هذا السَّرَطان في المُركَّبات البيمارستانية في الكحل العزيزي، وفي أخلاط التوتياء الهندي.
  • نوشادر: نوعان: طبيعي وصناعي، فالطبيعي ينبُع من عُيون حمئة في جبال بخراسان، يقال: إن مياههها تغلي غلياً شديداً، وأجود النوشادر الطبيعي الخراساني، وهو الصَّافي كالبلور.

وفاة هبة الله بن صاعد ابن التلميذ:-

توفي هبة الله بن صاعد ابن التلميذ في بغداد 28، ربيع الأول، سنة 560هـ، وقد عاش 94 سنة.

المصادر:

  • الأعلام (8/72).
  • إخبار العلماء بأخبار الحكماء، القفطي.
  • مخطوط مختصر أقرباذين سابور بن سهل وأقرباذين ابن التلميذ، ميس قطاية، حلب.
  • سير أعلام النبلاء (30/354/رقم 243).
  • شذرات الذهب في أخبار من ذهب (6/318).
  • معجم الأدباء (6/2771/رقم 1202).
  • وفيات الأعيان (6/69/رقم 779).
  • أخبار ونوادر من عالم الأدب والتراث، إعداد عبد الرحمن يوسف الفرحان.
  • مكتبة قطر الوطنية.
  • تذكرة ابن العديم، تحقيق إبراهيم صالح.

https://stepfeed.com/the-golden-age-of-medicine-a-walk-through-history-in-the-muslim-world-9493

Exit mobile version