اسمه ونشأته:-
أحمد بن داود بن وَنَنْد، أبو حنيفة الدِّيْنَوَرِيُّ، النحوي، المؤرِّخ، والمهندس النباتي، وُلِدَ الدينوري في دِيْنَوَر الإيرانية سنة 212هـ، ونشأ في أسرة من أصل فارسي، وقد عاش معظم حياته في تلك المدينة.
بلدة دينور التي ينتمي إليها الدينوري:-
تحدَّث ياقوت الحموي، عن بلدة دينور التي ينتمي إليها الدينوري.
وقال الحموي في كتابه الشهير “معجم البلدان”: هي “مدينة من أعمال الجبل قرب قَرميسين؛ يُنسب إليها خلقٌ كثير، وبين دينور وهمذان نيف وعشرون فرسخاً، ومن الدينور إلى شهروزور أربعة مراحل، والدينور بمقدار ثلثيّ همذان”.
وأضاف الجغرافي والأديب الحموي – المتوفي سنة 1229 م – “وهي كثيرة الثمار والزروع ولها مياه ومستشرف، وأهلها أجودُ طبعاً من أهل همذان، ويُنسب إلى الدينور جماعة كثيرة من أهل الأدب والحديث”.
مكانته العلمية:-
يعتبر الدينوري من نوابغ الدهر، أمضى شبابه في الرحلات، وقادته هذه الرحلات إلى بلاد ما بين النهرين، ثم امتدت به أسفاره إلى المدينة المنورة، وإلى بيت المقدس، وإلى شواطئ الجزيرة العربية من جهة الخليج، فعاش في هذه البلدان فترات مختلفة، ثم انتقل إلى أصفهان سنة 235هـ وعاش بها مدة، اشتغل فيها برصد الكواكب.
كان أبو حنيفة عالماً في شتى
العلوم والمعارف، وكان من كبار الحنفية، حباه الله بعقلية علمية واسعة، استوعبت
معارف كثيرة انفرد بها عن علماء فترته وما تلاها، فكان متفنِّناً في علوم كثيرة؛
منها النحو واللغة والهندسة والفلك والحساب، راويةً ثقةً فيما يرويه ويحكيه، معروفاً
بالصدق، وحصَّل بذلك علماً في كثير من فروع العلم، وكان دائماً مجدِّداً، وظل مع
كل هذا مبدعاً دون تكرار عن أسلافه ومعاصريه، وللمؤرخين ثناء كبير عليه وعلى كتبه.
أخذ اللغة عن البصريين والكوفيين، وأكثر أخذه عن ابن السِّكِّيْتِ ووالده، وكان إنتاجه الأدبي مثل الجاحظ الذي كان يقرن به في كثير من الأحيان، يجمع بين التسلية والتثقيف.
وأقام سنة 235هـ بأصفهان
لرصد الكواكب، وسجَّل نتيجة أرصاده في مؤلفه «كتاب الرصد»، والظاهر أنه قضى بعد
ذلك معظم أيامه في مسقط رأسه، حيث ظل مرصده يشار إليه فيها عدة قرون من بعد.
أقوال العلماء فيه:-
- كان يُقرن بالجَاحظ في بلاغته، ويختلف النَّاس أيُهُمَا أبلَغ، ويتحاكمونُ إلى أبي سعيد السيرافي فيقول: “أبوحنيفة أكثرُ ندارة، وأبو عُثمان (الجاحِظ) أكثر حَلاوَة، ومعاني أبي عُثمان لائطَة بالنَّفْس، سهلة في السَّمَع، ولفظُ أبي حنيفة أعذب وأعرب وأدخل في أساليب العرب”.
- قال عنه أبو حيَّان: “إنه من نوادر الرجال، جمع بين حكمة الفلاسفة، وبيان العرب، له في كل فنٍّ ساقٌ وقدمٌ، ورواءٌ وحكمٌ”.
- وقال الذهبي: “صدوق، كبير الدائرة، طويل الباع، ألَّف في النحو واللغة، والهندسة، والهيئة، والوقت، وأشياء”.
- وقال ياقوت الحموي في “معجم الأدباء”: “قال أبو حيان في كتاب تقريظ الجاحظ: ” أني لم أجد في جميع من تقدَّم وتأخر ثلاثة: لو اجتمع الثقلان (الإنس والجن) على تقريظهم، ومدحهم، ونشر فضائلهم، في أخلاقهم وعلمهم، ومصنفاتهم، ورسائلهم، مدى الدنيا إلى أن يأذن الله بزوالها، لما بلغوا آخر ما يستحقه كل واحد منهم، أحدهم: هذا الشيخ، أعني أبا عثمان، عمرو بن بحر، والثاني: أبو حنيفة أحمد بن داود الدينوري ، فإنه من نوادر الرجال، جمع بين حكمة الفلاسفة، وبيان العرب، له في كل فنٍّ شاق وقدم، ورواء وحُكم، وهذا كلامه في الأنواء، يدل على حظٍّ وافرٍ من علم النجوم، وأسرار الفلك، فأما كتابه في النبات؛ فكلامه فيه، في عروض كلام أبدي بدوي، وعلى طباع أفصح عربي.. والثالث أحمد بن سهل البلخي..”.
- قال عنه راغب السرجاني: “يُعدُّ أول من ألَّف كتاباً علمياً متخصصاً عن النبات، وكان هذا الكتاب باسم النبات والشجر، وفيه جمع ما يربو على 1120 نباتاً من نباتات الجزيرة العربية، وكان يصف النبات وصفاً دقيقاً”.
- قال عنه أحمد أمين في “ضُحَى الإسلام”: “يظهر أن ثقافته اليونانية والهندية كانت أوسَع منها في صاحبيه الجاحِظ وابن قتيبة، وعِلْمه الرياضي يكمل نقصهما، يدُلُّ على ذلك تأليفهِ في الفَلَك والحِسَاب والجبر والمقابلة، ونوادر الجبر والقبلة، والزَّوَالَ والكُسُوف، والبحث في حساب الهند”.
كتب الدينوري:-
- الأخبار الطوال، من أهم المصادر التاريخية الأولى، وغاية في سرد حوادث الحياة المعاشية، والسياسية، والحربية عند الفرس، وفي الإبانة عن الأحداث الدقيقة في الدولة الإسلامية حتى عهد الخليفة العباسي المعتصم بالله.
- البلدان.
- النبات، وهو من أجلِّ كتبه، والغرض من تأليفه هو شرح النباتات الكثيرة التي ذكرها الشعراء الأقدمين، ومن ثم فقد اقتصر على نباتات بلاد العرب، ولكنه شمل أيضاً النباتات الأجنبية التي تأقلمت فيها، جمع الملاحظات من المعلومات التي استقاها بنفسه أو جمعها أسلافه من عرب الصحراء، وفيه أوصاف للنبات، وفيه شواهد من شعر الشعراء ذات مغزى، واشتمل على مباحث لغوية وتاريخية عن هذه الشواهد. ويبدأ الكتاب بوصف تفصيلي لأنواع تربة بلاد العرب وتركيبها، ومناخها، وتوزيع مائها والأحوال العامة اللازمة لنمو النباتات، ثم يتناول تصنيف النباتات بصفة عامة، وتركيب كل نبات على حدة، ويعالج الجزء الأكبر من الكتاب كل نبات على حدة مقسماً النباتات إلى ثلاثة أنواع: نباتات تزرع ليقتات الناس بها، ونباتات برية، ونباتات تثمر ما يؤكل. وهو يتناول النوع الثاني من النباتات بحسب أماكن وجودها ثم بحسب طبيعتها ثم بحسب قيمتها الاقتصادية إلى حد ما، وقد أصبح هذا الكتاب عمدة فقهاء اللغة المتأخرين في أسماء النباتات، وقد كتب علي بن حمزة البصري عنه نقداً ضئيل الشأن اقتصر على تناول المسائل اللغوية فيه، وضمَّنه قسماً من مؤلفه المعروف باسم «كتاب التنبيهات على أغلاط الرواة».
- تفسير القرآن.
- الفصاحة.
- الشعر والشعراء.
- ما تلحن فيه العامة.
- الرد على الأصبهاني.
- حساب الدور.
- البحث في حساب الهند.
- الجبر والمقابلة.
- نوادر الجبر.
- إصلاح المنطق.
- الوصايا.
- الأنواء.
- الكسوف.
مقتطفات من كتاب النبات للدينوري:-
في باب الرعي والمراعي:–
إذا كان الربيع مَريعاً أحلَّت الغنم، وإحلالها أن تنزل ألبانها من غير ولاد بعد أن كانت قد انقطعت ويبست، في محالُّ والواحدة مُحِلّة.
وإذا سمنت الشاة، فانتهي سمنها، قيل سَحَّت تسِح سُحوحةً، فهي ساحّة والذكر ساحّ بالتشديد.
في النعام، عِبر، هي لا تشرب الماء فيما يزعمون وإن كانت أداحيّها ومراتعها بأكناف النهاء، وهي تأكل المرو، وهو أصلب الحجارة وأذكرها، وتأكل أيضاً الحنظل، وهو أمر ما خلق الله، وأعجبُ من هذا كله ابتلاعها الجمر والحديد الملتهب، ولولا ظهور هذا وفشوّ الخبر به عندنا؛ عسُر على العقول قبوله.
في باب الحَبل:–
وإذا أُدرِج الحَبل بالفتل جاء مستديراً، وإن ضُفِر ضفراً على غير استدارة جاءت له حِرفة وذلك التحريد، وقد حَرَّد حبلَه تحريداً فهو حبل محرَّد..
في باب العسل والنبات:–
وقال بعض الرواة: العسل يقال له: النَّسِيل والنسيلة والذّواب والذَّوب والطِّرم، ويسمى العسل جنَا النحل .. قال الهذليّ (من الطويل):
وكذلك يقال له : لُعاب النحل وريق النحل ومُجاج النحل، وكلّ ذلك معناه واحد.
وقال الشاعر في وصف مشتار عسل (من الوافر) :
وصفات الدينوري النباتية والعشبية :-
الدينوري تمتع بتعمُّقه في مجال توظيف النباتات والمعادن وغيرها للأغراض الصحية وبغية استعمالها من قبل المرضى والمصابين في العلاجات والترياقات، ومن بين وصوفاته :
- تُنبُل: هو من اليقطين ينبتُ نبات اللوبياء ويرتقي في الشَّجَر، أو ما يُنصَب لهُ، وهو ممَّا يُزدَرَع ازدراعاً بأطراف بلاد العرب من نواحي عُمان، وطعم ورقِهِ طعم القرنفُل، ورائحتهِ طيِّبة والنَّاس يمضغون ورقه فينتفعون به في أفواههم.
- لحية التَّيس، ويسمَّى أذناب الخيل، وهي بقلة جَعْدَة، ورقها مثل ورق الكُرَّاث، ولا يرتفع ارتفاع ورق الكُّرَّاث، ولكن يتسطَّح والنَّاس يأكلونها، ويتداوون بعصيرها.
- يَنْبُوتْ: (خرنوب المِعزى عند أهل الشَّام): هو ضربان أحدهما هذا وهو الشَّوك القِصار، والذي يُسمَّى الخرنوب النبطي، له ثمرٌ كأنَّهُ تُفَّاحة فيها حبٌّ أحمر وهو عاقل البطن يُتداوى به، والضرب الثاني شجرةٌ عظيمةٌ تكون مثل شجرة التُّفَّاح، ورقها أصغر من ورق التُّفَّاح، ولها ثمرةٌ أصغر من الزَّعرور سوداء شديدة السَّوَاد، شديدة الحلاوة، ولها عُجمة توضع في الموازين، وهي تُشبهُ اليَنبُوتة في كُلِّ شيءٍ إلَّا أنَّها أصغر من ثمرهِ وهي عاليةٌ كبيرةٌ، والأولى تنفرشُ على الأرض، ولهُ شوك، وقد يستوقد به النَّاس إذا لم يجدوا غيرهُ.
وفاة الدينوري:-
توفي أبو حنيفة الدينوري في شهر جمادى الأولى، سنة 282هـ.
المصادر:-
- الأعلام (6/235).
- إنباه الرواة على أنباه النحاة (1/76).
- سير أعلام النبلاء (13/422/رقم 208).
- شذرات الذهب في أخبار من ذهب (1/28).
- معجم الأدباء (1/258).
- معجم البلدان، الجزء الثاني.
- موجز دائرة المعارف الإسلامية (16/4971).
- النحو والنحاة، المدارس والخصائص، خضر موسى.
- قصَّة العلوم الطبية في الحضارة الإسلامية، راغب السرجاني.