توطئة:-
تعتبر الكتابات الطبية من الأطباء في مرحلة العصر الذهبي للإسلام (بين القرنين التاسع والثالث عشر الميلاديين) من أهم المنجزات الحضارية والثقافية التي قدمتها أمتنا للبشرية التي أحاطت تلك المؤلفات بالإحترام والتقدير العاليين.
فقد طور العلماء المسلمون وغيرهم من المسيحيين واليهود أدبًا معقدًا مترجما من الإغريق والرومان والهند وفارس، إلى جانب إنشائهم لكتابات جديدة أصيلة حول الأدوية والممارسة السريرية والأمراض والعلاج والتشخيصات، وساهم هؤلاء “الحكماء” في فهم أفضل لوظائف الجسم وإنشاء المستشفيات لتطبيب عامة السكان.
صحيح أن بعض هؤلاء الأطباء كانوا من غير المسلمين، غير أنهم كانوا ينتمون إلى هذه الحضارة التي استوعبت مختلف الملل والنحل والأعراق والأديان التي انصهرت في بوتقة واحدة، ساهمت في سطوع نجم العلوم في العالم الإسلامي خلال حقبة العصور الوسطى.
من أبرز هؤلاء الحكماء:–
حنين بن إسحاق العبادي (873 – 809 م):-
حُنَيْن بن إسحاق، أبو زيد العِبَادي، طبيب مؤرِّخ ومترجم، من نصارى الحيرة في العراق، وُلِدَ في الحيرة سنة 194هـ، كان أبوه صيدلانياً.
هو الشخصية الأكثر أهمية في مدرسة الترجمة الأولى في بغداد، فقد قام شخصياً بتصحيح ترجمة كتاب ديسقوريدوس الشهير في علم الصيدلة.
كما ألّفَ العبادي زهاء 100 مؤلّف أصيل، بما في ذلك كتاب خاص عن العقاقير المعقدة لأمراض العين.
كما تناول المصطلحات المستخدمة في تحديد العقاقير والنباتات التي دخلت القواميس الأوروبية لاحقاً وذلك بفضل الترجمات اللاتينية.
وكان حنين بن إسحاق أعلم أهل زمانه باللغة اليونانية، والسريانية، والفارسية، وكانت له دراية فيهم مما لا يعرفه غيره من النقلة الذين كانوا في زمانه، بالإضافة إلى إتقانه للعربية والاشتغال، بها حتى صار من جملة المتميزين فيها، وانتهت إليه رياسة العلم باللغات بين المترجمين.
سابور بن سهل (توفي 869م):-
هو مؤلف أول مجموعة من الوصفات الطبية العربية، تضمنت المجموعة أساليب وتقنيات تكوين الدواء، وأشهر مؤلفاته كتاب “الأقرباذين الكبير” والذي تكمن أهميته في تصنيف الأدوية وفقًا لأشكالها حيث تم كتابتها لتكون دليلًا مرشداً للصيدليين.
وقد استمرت كتبه في تقديم تركيبات صيغ أدويته، إما بشكل كتب مستقلة أو كأقسام داخل الموسوعات.
وقال ابن العبري عن سابور: ” .. ومن الأطباء سهل بن سابور ويعرف بالكوسج، كان بالأهواز، وفي لسانه لكنة خُوزية، وتقدَّم بالطب في أيام المأمون بن هارون الرشيد، وكان إذا اجتمع مع يوحنا ابن ماسويه وجيورجيس بن بختيشوع وعيسى بن الحكم وزكريا الطيفوري؛ قصَّر عنهم في العبارة ولم يُقصِّر عنهم في العلاج”.
علي بن سهل الطبري (808-861م):-
كتب ملخصًا عن الطب “فردوس الحكمة” والذي يعتبر مرجعاً طبياً يحتوي على 25 فصلاً عن خصائص العقاقير، ويعرف هذا الكتاب أيضاً بـ “كناش الحضارة”.
اكتمل هذا الكتاب حوالي عام 850 م، أي في العام الثالث من تولي الخليفة المتوكل الخلافة، غالباً قبل أن يعتنق الطبري الإسلام.
تم إثراء الكتاب بشكل ملحوظ بالنصوص الطبية الهندية من قبل الأطباء المعروفين ساسروتا (عاش تقريبًا في القرن الثامن قبل الميلاد) و تشانكيا (المعلم الهندي القديم والفيلسوف والخبير الاقتصادي والمستشار الملكي)، وقد ترجمت النصوص مباشرة لهذا الغرض من السنسكريتية إلى العربية.
أجاد الطبري العبرية واليونانية بالإضافة إلى العربية والفارسية والسريانية كما يُفهم من كتبه. فعلى سبيل
المثال أنه قام بترجمة كتابه فردوس الحكمة المكتوب بالعربية إلى السريانية.
هو أحد أكبر عباقرة العصر الذهبي للحضارة
الإسلامية (والقرون الوسطى).
فقد كان الرازي
الفارسي موسوعيا برع في الخيمياء والكيمياء والفيزياء والفلسفة وطبيب، كما كانت
مساهماته الطبية الكبيرة أكبر هدية قدمت للبشرية لقرون طويلة، وهي منجزات لا يمكن
مقارنتها إلا بمساهمة ابن سينا.
ومن أبرز الأعمال الطبية للرازي:
- كتاب الحاوي (Liber Continens) : اعتبر هذا المؤلّف أهم وأشهر كتاب طبي في العصور الوسطى، ويتكون من من قراءات للطب اليوناني والروماني وملاحظاته السريرية الخاصة بالرازي، إلى جانب دراسات الحالة وطرق علاجها خلال سنوات ممارسته الطبية.
ولهذا يعتقد عموما أن هذا الكتاب تم جمعه من قبل طلابه بعد وفاته، وقد تُرجم في عام 1279 م إلى اللاتينية بواسطة اليهودي فرج بن سالم أو المعروف أيضًا باسم فاراجوت جيرجينتي (ولد عام 1230 بجرجنت الإيطالية) وهو باحث عمل في محكمة مملكة صقلية آنذاك.
وتعد الطبعة اللاتينية الأولى من كتاب “الحاوي” -التي نُشرت في بريشيا الإيطالية عام 1486م- أكبر وأثقل كتاب طُبع قبل عام 1501.
- ألّفَ الرازي كتاباً صغيراً ضمّنهُ مجموعة أمراض يمكن علاجها في غضون ساعة واحدة.. وتشمل الصداع ووجع الأسنان والأذن والمغص.
- كتاب المنصوري في الطب، وهو كتيب مختصر للعلوم الطبية ألّفهُ لحاكم الري أبي صالح المنصور بن إسحاق حوالي سنة 903 م.
- كتاب “من لا يحضره طبيب أو مستشار طبي” لعامة الناس: هو مكرّس للفقراء والمسافر والمواطن العادي الذي يمكن أن يستخدمه لعلاج عددا من الأمراض الشائعة وذلك عندما يكون الطبيب غير متوفر.
- كتاب “بئر الساعة” وهو مقال قصير من قبل الرازي عن الأمراض التي يدعي أنه يمكن علاجها في غضون ساعة واحدة وتشمل الصداع ووجع الأسنان والأذن والمغص ، والحكة وفقدان الشعور في الأطراف وآلام في العضلات.(1)
أبو القاسم الزهراوي (936-1013م):-
من قرطبة عاصمة الأندلس، نادراً ما سافر الزهراوي، حيث أمضى معظم حياته في مسقط رأسه كطبيب صيدلي ممارس، وشغل منصب طبيب البلاط في الخليفة الحكم الثاني، وذلك في فترة تعتبر “العصر الذهبي” لإسبانيا العربية حينما وصلت العلوم الطبيعية والرياضية إلى ذروتها.
في حوالي عام 1000 م؛ كتب كتابه الشهير “التصريف لمن عجز عن
التأليف” ويعتبر تخليصا للعلوم الطبية لأولئك الذين لا يستطيعون تجميعها من
طلبة الطب.
لقد كان ملخصًا
لنحو خمسين عامًا من التعليم الطبي والتدريب والممارسة والخبرة، غطت ثلاثين مجلداً
من الموسوعة الطبية جوانب مختلفة من المعرفة الطبية، بالإضافة إلى أقسام عن الطب
والجراحة.
و كان هناك
أقساماً أخرى في الولادة والصيدلة وعلم التغذية والعلاج النفسي والوزن
والتدابير والكيمياء الطبي ووصفات طبية،
كما خصص ثلاثة فصول للجراحة تتناول بعض الإجراءات والتقنيات المفصلة.(2)
أبو الريحان البيروني (975-1048م):-
كتب سلسلة من الكتب ذات الطابع التأريخي
والموسوعي والتي شملت عددا من العلوم.
و ألّف في الصيدلية والمادة الطبية، وفي “كتاب الصيدلة”؛ قدم تعريفًا أكثر تحديدًا للصيدلة، وبيانًا عن واجبات العاملين في هذا الحقل، مؤكداً على أن معرفة كيفية عمل الدواء داخل الكائن الحي أكثر أهمية من مجرد التحضير، ويعتبر بهذا البيروني أول من عرَّف مهنة الصيدلة ودور الصيدلاني.
ابن سينا (980-1037م):-
“أمير الأطباء” الموسوعي الأكثر شهرة
في الطب والفلسفة، كتب ابن سينا أكثر
من 450 مخطوطة. وقد نجا منها 240 فقط من بينها (40 مكرسًا للطب ، و 150 مكرسًا
للفلسفة).
أنتج شغفه
بالطب تطوير علاجات لأمراض وحالات مثل الاكتئاب واضطرابات المناعة والاضطرابات
النفسية واضطرابات الهيكل العظمي.
وقد كان متقدما
للغاية في العلاج بتقويم العمود الفقري.
وأشهر كتب ابن سينا كتاب القانون في الطب (موسوعة الطب في خمسة كتب، والتي قدمت ملخصًا واضحًا ومنظمًا لكل المعرفة الطبية في ذلك الوقت)، تمت ترجمة الكتاب إلى اللاتينية ثم نُشرت في مخطوطة وطبعت في جميع أنحاء أوروبا خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر فقط ، وقد تم نشره لأكثر من 35 مرة.(3)
_____________
صفوة الأطباء عبر مسيرة التاريخ الإسلامي:-
- ابن النفيس .. مكتشف الدورة الدموية الصغرى.
- ابن سينا .. شيخ الأطباء صاحب “القانون في الطب”.
- الرازي .. معجزة الطب عبر العصور.
- أبو القاسم الزهراوي.. مبتكر الأدوات الجراحية.
- ابن البيطار .. عبقرية علمية نادرة.
- ابن أبي أصيبعة .. الطبيب المؤرخ.
- ابن الكحَّال .. مؤسس طب العيون.
- يوحنا بن ماسويه .. الطبيب النَّابغة.
- ابن زهر.. الجراح الأندلسي الكبير.
- ابن رشد .. الطبيب والقاضي والفيلسوف الكبير، وقد نشأت بينه وبين ابن زهر علاقة وطيدة، فقد ألَّف ابن رشد كتابه في الكُليَّات، على أن يؤلِّفَ ابن زهر كتاباً في الجزئيات، لتكون جملة كتابيهما ككتاب شامل في صناعة الطِّب، وهو كتاب التيسير في المداواة والتدبير، والذي اُعتُبِرَ من أعظم مراجع الطب في العصور الوسطى.
- الكِندي .. الطبيب الموسوعي.
- علي بن عباس المجوسي .. الطبيب البارع.
- ابن الجزَّار القيرواني .. شيخ الطب.
- ابن مندويه الأصفهاني .. النجيب المتميز.
- السموأل بن يحيى المغربي .. الطبيب المتوقِّد.
- آل بختيشوع .. عائلة طبية رائدة.
- داود الأنطاكي .. العبقري الضرير.
- ابن طفيل .. الطبيب الفيلسوف.
- نجيب الدين السمرقندي .. الطبيب الحكيم.
- ابن رضوان المصري.. إمام الطِّب.
- ابن جلجل .. الطبيب والصيدلي والمترجم.
- ابن هبل .. علَّامة زمانه في الطِّب.
- ابن ملكا.. الطبيب والفيلسوف الأوحد في زمانه.
- ابن زهر .. الطبيب صاحب الصيت الذائع.
- سنان بن ثابت .. مختبِر الأطباء.
- ماسرجويه .. أشهر أطباء البصرة في عصره.
- ابن التلميذ .. الطبيب القسيس الأديب.
- سعيد بن هبة الله .. شيخ الطب بالعراق.
- ابن الصوري.. الطبيب وعالم النبات.
المصادر:–
- https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC6074295/
- https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC6077085/
- Roshdi Rashed :Encyclopedia of the History of Arabic Science, Vol 3 (1996),p952-956
- مكتبة قطر الوطنية، المصادر الرقمية.
- قصَّة العلوم الطبية في الحضارة الإسلامية، راغب السرجاني.