من هو حبيش الأعسم الدمشقي ؟
يعتبر حبيش بن حسن الأعسم الدمشقي أحد أشهر الأطباء الذين شهدهم القرن الثالث الهجري، فضلاً عن مكانته كأحد أبرز المساهمين بنهضة نشاط الترجمة العلمية ، حيث ترجم مؤلفات طبية مهمة من اللغة اليونانية إلى نظيرتيها العربية والسريانية.
حبيش الأعسم عاش ببغداد في عصر الخليفة المتوكل العباسي (205-247 هـ)، وقدتتلمذ على يدي خاله الطبيب والمترجم المعروف حنين بن إسحاق ، وبالتالي فهو عاصر أيضاً نجل الأخير، أي الطبيب المشهور إسحاق بن حنين والذي له باع كبير في مجال الترجمة كأبيه وأكثر.
وقد استفاد العالم الموسوعي أبو الريحان البيروني في سبعة مواضع من كتابه “الصيدنة في الطب” من مساهمات حبيش، خصوصاً في مضمار إصلاح الأدوية المسهِّلة.
مكانته العلمية:-
حظي حبيش الأعسم الدمشقي بمكانة كبيرة في الدوائر الحاكمة والأوساط الطبية في عصره، بحسب ما أورده معاصروه ومن تناول سيرته الذاتية.
- فقد وصفه خاله حنين بالقول: “إن حبيشاً ذكيٌ مطبوعٌ على الفَهْم، غير أنهُ ليسَ لهُ اجتهاد بحسب ذكائه، بل فيه تهاون، وإن كانَ ذكاؤه مفرطاً وذهنه ثاقباً”.
- قال عنه جمال الدين القفطي في “كتابه إخبار العلماء بأخبار الحكماء” : “كان نصرانياً أحد تلاميذ حنين، والناقلين من اليوناني والسرياني إلى العربي، وكان حنين يُقدِّمهُ ويُعَظِّمهُ ويرضى نقله، وقيل من جملة سعادة حنين صحبة حبيش له، فإنَّ أكثر ما نقلهُ حبيش نُسِبَ إلى حنين، وكثيراً ما يرى الجُهَّال شيئاً من الكُتُب القديمة مُترْجَمَاً بنقل حبيش، فيظُنُّ الغُرُّ منهم أنَّ النَّاسِخَ أخطأ في الاسم، ويغلبُ على ظنِّه أنَّه حنين وقَد صُحِّف، فيكشطهُ ويجعله حنين..”.
- وقال عنه ابن أبي أصيبعة في “طبقات الحُكَماء”: “وحبيش هو الذي تمَّمَ كتاب مسائل حنين في الطب الذي وضعهُ للمتعلمين، وجعله مدخلاً إلى هذه الصِّناعة، ولحبيش من الكُتُب؛ كتاب إصلاح الأدوية المُسَهِّلَة، كتاب الأدوية المفردة، كتاب الأغذية، كتاب في الاستسقاء، مقالة في النَّبْض على جِهَة التقسيم”.
تميز حبيش الأعسم في مجال النقل و الترجمة:-
تعرَّض ابن النديم في “الفهرست” لمساهمات حبيش بن الأعسم الدمشقي في مجال النقل وذلك في سياق حديثه عن ترجمات حنين بن إسحاق.
وقال ابن النديم إن حبيشاً ساهم بشكل مؤثر في نقل الكثير من الكتب الطبية اليونانية إلى العربية من قبيل كتاب التشريح الكبير، ومقالة كتاب تشريح الحيوان الميت، ومقالة تشريح الحيوان، وخمس مقالات من كتاب أرسطو في التشريح.
كما نقل مقالتين من كتاب علم أبقراط بالتشريح، كما نقل حبيش إلى العربية ثلاث مقالات كتاب تشريح الرحم، كذلك مقالة كتاب حركة الصُّدور، ومقالات من كتاب الحركات المجهولة، ومقالة من كتاب سوء المزاج المختلف، كما نقل مقالتين من كتاب المولود لسبعة أشهر من ترجمة حنين.
كما نقل حبيس سبع عشرة مقالة من كتاب الأدوية المقابلة للأدواء، ونقل مقالة في “أن الطبيب الفاضل فيلسوف”، ونقل حبيش مقال كتاب المدخل إلى المنطق، ومقالة كتاب اللامحرك الأول لا يتحرَّك.. كما ترجم حبيش نحو 35 عملاً لجالينوس إلى العربية، وذلك بطلب من إخوة بني موسى بن شاكر، الذين ذاع صيتهم في مجال الهندسة والميكانيك وغير ذلك.
وصفات الأعسم الطبية :-
حبيش بن الأعسم تعمَّقَ في مجال توظيف النباتات والكائنات والمعادن وأصناف الحجارة وغيرها للأغراض الطبية وبغية استعمالها من قبل المرضى والمصابين في العلاجات والترياقات، ومن بين وصوفاته :
- التربُّد (نبتة من بوادي خراسان): أجودهُ ما كان أبيض في لونهِ، مُلتفَّاً في شكلهِ مثل أنابيب القصب ودُقَّ جسمه وأنبوبه، فإذا كسرته أسرع إلى التفتيت ولم يكُن غليظاً رزيناً ، وإذا سحقتهُ أسرع إلى ذلك، وكان عند السَّحق أبيضاً، وما كان على خلاف ذلك فلا خير فيه، والتُّربد إذا طال عليه الزمان؛ عمل فيه القادح كما يفعل في الخشب فيضعف فعله، والدَّليل على ذلك أنه تراه مُثقباً كأنَّهُ ثُقب رأس إبرة، وإصلاحه أن يُحَلَّ قشره الخارج الدَّقيق حتى يبلغ إلى البياض ويُدَق ويُنخَل، فإن اُستُعمِل في المعجونات الكبار يُحل بحريرة، وإن اُستُعمِلَ في الأدوية المُسهِّلة مثل الحبِّ المطبوخ يُحل بشيءٍ واسعٍ ليكونَ فيهِ جراشه يسيرة فلا يلزق بخَمْل المعدة، وإنُ اُستُعمِلَ لمن به بلغم لزِج في معدتهِ؛ دقَّهُ ونَخَلهُ ليلزَق بالبلغم فيقلعه.
- قفر اليهود –وهو الخمر- وهو أرفعُ ما يكونُ من المومياء إذا كانَ خالِصاً، نفع بإذن الله من رضاض اللَّحم، ومن الكَسْر إذا ضُمِّد به من خارِج، ويغلي بالزِّيت الخالص، ويُسقى للمرضوض اللحم، ويؤخَذ المشاقة وشيء منه، ويُوضَع عليه من خارجٍ فيبرئ.
- البيش (نبات ينبُت في بلاد الصين بقرب السِّند): ينُبتُ في أقاصي الهند ويقتل النَّاس كثيرهُ وقليلهُ ولا يَقتُل صِنْفاً واحداً من الحيوان، ويرعاهُ طائرٌ يُقالُ له السَّلوى، ويأكلهُ الفأر فيسمنُ عليه.
رسالته في إصلاح الأدوية:-
اُعتُبِرَ كتاب إصلاح الأدوية الذي ألَّفه حبيش بن الأعسم الدمشقي ؛ مؤلفاً مرجعياً في هذا المضمار، حيث استند إليه الأطباء والعاملين في مجال تركيب الأدوية لفترة طويلة من بعد وفاته.
وقد سعى حبيش في مؤلفه المذكور إلى إبراز الآثار الجانبية التي تنتج عن تناول المرضى لبعض أصناف الأدوية، بطريقة علمية رصينة.
ويقول في هذا الصدد:” يجب القول إن صناعة هذه الأدوية المسهِّلة؛ يجب أن يكونَ بمقدارٍ محدد وصحيح، وإلَّا سيؤدي ذلك إلى حدوثِ أضرارٍ وأمراض، وبناءً على ذلك؛ لا بد من التأليف في هذا المجال لتوضيح بعض الحقائق”.
كذلك تناول حبيش سمات المُسَهِّلات وطبيعتها ومكوناتها والكميات الواجب تجرعها، داعياً الأطباء أن يسقي الدواء بيديه للمرضى ولا يعتمد على مساعده.
كذلك نصح حبيش بأهمية إرسال الدواء للمريض مع رسولٍ موثوق- لو تعذر على الطبيب الوصول لمريضه- وأن يختم الدواء بختمه الخاص، كما شدد على ضرورة عدم إرسال المُعالِج للأدوية إلى عدة مرضى في الوقت ذاته، لئلَّا يحصل خلطٌ بين الأدوية، فيتناول المرضى الدواء الذي لا يتناسب مع تشخيص إصابته، فتقع المسؤولية الطبية والأخلاقية هنا على الطبيب نفسه.
وقال المؤرخ البريطاني سيريل ألغود عن قيمة “إصلاح الأدوية”: “نرى في كتاب حبيش أنَّهُ يوصي ببعض الأدوية، ويصفها للمرضى دونَ أن يكون أحدٌ قد سبقهُ في ذلك، وهذا يدُلُّ على أن مطالعاتهِ لم تقتصر على المصادر اليونانية فحسب، لأنَّ بعض الأدوية المذكورة في كتابه كانت غير معروفة لديهم”.
اقرأ ايضاً.. ابن ملكا البغدادي .. الطبيب والفيسلوف الأوحد في زمانه
المصادر:-
- مكانة إصلاح الأدوية، نسب، عمادي، شعرباف.
- إخبار العلماء بأخبار الحكماء، القفطي.
- مسالك الأبصار في ممالك الأمصار، العمري.
- الفهرست، ابن النديم.
- طبقات الحكماء، ابن أبي أصيبعة.