اسمه ونشأته:-
أحمد بن القاسم بن خليفة بن يونس، موفق الدين، أبو العباس الخزرجي، لقبه ابن أبي أصيبعة ، الطبيب المؤرِّخ، وُلِدَ في دمشق سنة 596هـ.
لقد نجَحَ ابن أبي أصيبعة في المَزج بين التاريخ والطب، وذلك بفضلِ تعمُّقه في الميدانين وولعه واحترافه فيهما، ليُنتج لنا كتابات حفظت لنا وللبشرية أبرز المنجزات الطبية للحضارة العربية الإسلامية.
مكانته العلمية:-
كان عالماً بالأدب، والطب، والتاريخ، وصنَّف في دمشق كتابه الشهير «عيون الأنباء في طبقات الأطباء»،
وكان من أساتذته في دمشق: رضي الدين الرحبي، وشمس الدين الكُلِّي، والطبيب اليهودي عمران بن صدقة، ثم زار مصر، وعمل فيها بمهنة الطب لمدة سنة في القاهرة بالبيمارستان الناصري، ودرس فيها مهنة الكحالة (طب العيون)، وبذلك اكتسب خبرة كبيرة؛ لأن دراسة الطب كانت مزدهرة بنوع خاص في دمشق ومصر.
كما تعاون ابن أبي أصيبعة مع عالم النبات ابن البيطار -الذي زار الشَّام- وذلك في مجال دراسة النباتات من الأرض السورية وذلك لتبيان قيمتها العلاجية الدوائية.
ولابن أبي أصيبعة شعر كثير، منه هذه الأبيات التي مدح فيها الصاحب أمين الدولة:
تعريف مهنة الطِب عند ابن أبي أصيبعة:-
من أَجَلِّ واشرف المِهَن منذ الخليقة وإلى أن يرِث الله الأرض ومن عليها، لأنَّها تقوم على تخفيف ألآم
المتألمين والذين يعانون المرض في كُلِّ حين ومكان، والأصل في الطِّب، أنَّهُ حِرفة من يريد التخفيف عن
الآم النَّاس الجِسمية، وكُرُبهم النَّفسيَّة، وإذا ابتغى الطبيب من عمله هذا وجه الله، كان ذلك من أعظم
القُربِ إلى الله عزَّ وجَل.
لقد كَتَبَ ابن أبي أُصيبعة عن تجاربه في سِني دراسته في دمشق، فوصَفَ لنا كيف كان يدأب على مرافقة رئيسه في زياراته للمرضى، وكيف كان مع زملائه يعملون على متابعة ما يقوم به حيث يكشف على بعض المرضى في عيادته، وعلى معالجتهم ووصْف الدَّواء لهم، وكيفَ كانوا يتدَافعونَ بالمناكِب لتلَقُّطِ كل ما كان الرئيس يقول لزميل شهيرٍ؛ كان يأتي كُلَّمَا استعصَت حالة ما، ليتناقشا ويتباحثا، الأمرُ الذي كان يجعل زيارة المستشفى ذات فائدة مزدوجة حين يعمد الإثنان إلى مناقشة الحالات المختلفة في حضور الطلبة وإشباع أمر معالجتها بحثاً ونقاشاً.
— زيغريد هونكه، شمس العرب تسطع على الغرب.
كتب ابن أبي أصيبعة:-
- عيون الأنباء في طبقات الأطباء، في تراجم الحكماء والأطباء المشهورين، وقد صنفه للوزير أبي الحسن بن غزَّال السامري، وهو أشهر كتبه، ويؤخذ على ابن أبي أصيبعة؛ تجاهله ذكر أشهر الأطباء الذين عاصرهم في كتابه، ألا وهو ابن النفيس، رغم أنهما درسا الطِبَّ معاً، حيث كان معلمهما ابن الدخوار رئيس أطباء البيمارستان النوري الكبير في دمشق، كما تزاملا في مصر في البيمارستان النوري الذي أسَّسَهُ صلاح الدين الأيوبي، قبل أن يذهب ابن أبي أصيبعة إلى الصحراء السورية وذلك ليعمل كطبيب خاصٍ لدى أمير سوري.
- التجاريب والفوائد.
- حكايات الأطباء في علاجات الأدواء.
- معالم الأمم.
- إصابات المُنجِّمين (مفقود).
آراء العلماء في كتاب “عيون الأنباء”:-
تكمن أهمية الكتاب أيضاً في كون صاحبه عاصر الاجتياح المغولي للعالم الإسلامي والذي تمخض عنه قيام التتار بإحراق مكتبة بيت الحكمة في بغداد (656 هـ/1258 م) والتي كانت تضم أمَّهات الكتب التاريخية والعلمية، لذا؛ فقد ساهم في كتاباته في حفظ جزء من الموروث التاريخي الطبي الذي كاد يمكن أن يُفقد بشكل كامل.
لقد جُمِعَ الكِتاب للمرَّة الأولى على يد امرؤ القيس بن طحَّان وذلك سنة 1882 م، ثم أعاد طبعه المستشرق الألماني مولر عام 1884 م، ثم توالت الطبعات في كل من القاهرة وبيروت.
- يقول محقق الكتاب، الأستاذ عامر النجَّار عنه: “ولعل أهمية كتاب عيون الأنباء ترجع إلى أن صاحبه حَفِظ لنا كثيراً من النصوص، ونقل عن أعلام المؤلفين في الطِّب، فنقل مثلاً عن ابن المُطران في (بستان الأطباء) و (مختصر كتابة الأدواء للكلدانيين)، ونقل كثيراً عن أبي الوفاء المبشر بن فاتك في كتابه (مختار الحِكَم ومحاسن الكَلِم) والشيخ أبو سليمان المنطقي في (تعاليقه) أو (صوان الحكمة)، وعن عبد الملك بن زهر في (التيسير) وعن ابن ملكا العبري في (المعتبر)، وأبي معشر البلخي في (الألوف) ونقل كثيراً عن حنين بن إسحاق في (نوادر الفلاسفة والحكماء) وابن جلجل في (طبقات الأطباء)”.
- ويقول عمر كحَّالة عن الكتاب: ” ألَّفهُ ابن أبي أصيبعة سنة 643 هـ في دمشق برسم أمين الدولة غزال وزير المالك الصالح بن الملك العادل، وما زال يجمع من كتب الأخبار والطبقات ويزيد على كتابه الأصلي ويغيرِّ ما وجَدَ فيه من الأغلاط حتَّى وفاته”.
- ويقول بروان عن “عيون الأنباء” وذلك في كتابه ” الطب العربي”: “في القرن الثالث عشر الميلادي؛ ظهرت مؤلفات عربية مهمة في التَّراجم، أولها ويبحث في تراجم الأطباء فقط هو كتاب (عيون الأنباء في طبقات الأطباء)، جمعه ابن أبي أصيبعة في دمشق عام 1245 م)”.
- قال الدكتور بول غليونجي عن “عيون الأطباء”: “يُعدُّ مرجعاً أساسياً لدراسة تاريخ الطب والعلوم في العهد الإسلامي”.
- ويقول ألدو مييلي عنه أيضاً : “إن كتابه: عيون الأنباء في طبقات الأطبَّاء، يزودنا بأهم المعلومات عن تاريخ الأطباء”.
وفاة ابن أبي أصيبعة:-
توفي ابن أبي أصيبعة بصرخد -تتبع لمدينة السويداء السورية- في شهر جمادى الأولى، سنة 668هـ.
اقرأ أيضاً: البيمارستان النوري في دمشق .. أحد أبرز تجليات تقدم المسلمين في المجال الطبي
المصادر:–
- الأعلام (4/285).
- شذرات الذهب في أخبار من ذهب (7/569).
- موجز دائرة المعارف الإسلامية (1/114).
- عيون الأنباء في طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة، تحقيق عامر النجَّار.
- شمس العرب تسطع على الغرب، زيغريد هونكه.
- النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة (7/229).
- قصة العلوم الطبية في الحضارة الإسلامية، راغب السرجاني.