جمشيد بن مسعود الكاشي |من المعلوم أن العرب والمسلمين كانت لهم إسهامات مهمة في بناء ورفد الحضارة الإنسانية، وبصورة خاصة في مجال العلوم الانسانية والحقّة ، فلم يكن المسلمون مجرد ناقلين ومترجمين للتراث العلمي اليوناني فقط؛ بل تعدت إسهاماتهم مرحلة الشرح والتعليق في كثير من العلوم، إذ بلغت درجة الخلق والابداع والاختراع.
وفي
هذا السياق؛ إرتأينا أن يكون العالم الفارسي جمشيد بن مسعود الكاشي ضيفنا في هذا
المقال، لنتعرف أكثر على إسهامات هذه الشخصية التي برزت في مجال الفلك والرياضيات
مخلفة وراءها رصيدا علميا مهما تم استهلاكه لعقود من الزمن.
من هو الكاشي ؟
هو جمشيد بن مسعود بن محمود بن محمد الكاشاني أو الكاشي، غياث الدين، حكيم رياضي فلكي، ولد في القرن الخامس عشر في مدينة كاشان سنة 1380م (إيران)، وعاش في مدينة سمرقند (أوزبكستان)، تلبية لدعوة أولغ بك الذي كان يحكم باسم معين الدين سلطان شاه آن ذاك. فألف بسمرقند الكثير من الكتب وألقى محاضرات في علوم عديدة، أهمها علم الفلك والرياضيات.
كان الكاشي أعظم من عرفهم التاريخ العربي والاسلامي في حقليّ الرياضيات والفلك، إذ أبدى اهتمامه بهذين العلمين منذ نعومة أظفاره، فكان واسع الإطلاع، كثير السفر، متقنا لعدد من اللغات، مما جعله علما من أعلام زمانه.
إسهامات الكاشي العلمية:–
ورد اسم الكاشي في كتب عظماء التاريخ على أنه ممن كان لهم الفضل الكبير في إنشاء مرصد سمرقند، الذي سببا في عمل زيج “كوركاني” الذي بقي مُعتمدا لقرون عديدة في الشرق والغرب على حد سواء، وقد اشتهر هذا الزيج بدقته وكثرة الشروح التي وُضعت له، فكان من بين أبرز الإنجازات العربية – الإسلامية في مجال الفلك.
عُرف الكاشي أيضا بمراجعته وتصحيحه وتحقيقه لحسابات ودراسات الفلكيين من قبله، خاصة جداول النجوم التي وضعها الراصدون في منطقة مراغة بإشراف العالم الكبير نصير الدين الطوسي، كما وضع الكاشي تقديراً دقيقاً لما حدث من كسوف للشمس بين سنتي 809هـ و 811هـ، وله في ذلك رسائل ومؤلفات باللغتين العربية والفارسية.
ولم يقف الكاشي عند حد التدقيق والتمحيص فقط؛ بل تعدى ذلك ليخترع آلة سماها بـ”طبق المناطق” وقد صنعها لغرض الحصول على تقاويم الكواكب وعرضها وبعدها، مع الكسوف والخسوف وما يتعلق بهما.
الرياضيات.. والقوة الرابعة
وذلك في مجال الفلك، أما في مجال علم الرياضيات؛ فقد وضع الكاشي قانوناً جديدا خاصاً بمجموع الأعداد الطبيعية المرفوعة إلى القوة الرابعة، فكان لهذا القانون دور جبار في تطور علم الاعداد، بحيث يقول المستشرق الفرنسي *كارا دي فو* مُعلِّقاً عن إنجازات علماء الفلك المسلمين: “ثم يأتي غياث الدين الكاشي فيقدم لنا طريقة لجمع المتسلسلة العددية المرفوعة إلى القوة الرابعة، وهي الطريقة التي لا يمكن أن يتوصل إليها المرء بقليل من النبوغ”.
تعرف أيضاً على شمس الدين السمرقندي .. الرياضي والفلكي
ابتكار الكسور العشرية
وفي مجال الرياضيات أيضاً، ابتكر الكاشي الكسور العشرية، إذ يقول
سمث في كتابه تاريخ الرياضيات : “إن الخلاف بين علماء الرياضيات كبير،
ولكن الغالبية تتفق على أن الكاشي هو الذي ابتكر الكسر العشري”، كما وضع
قانوناً خاصاً بتحديد قياس أحد أضلاع مثلث، انطلاقا من قياس ضلعيه الآخرين
والزاوية المقابلة له.
ومن إنجازاته كذلك حساب نسبة محيط الدائرة إلى قطرها، وهي التي يرمز إليها بالحرف π، وبالكسر العشري، وقد حدد تلك النسبة بدرجة من التقريب لم يسبقه إليها أحد على حد تعبير سمث، وقيمة هذه كما حسبها الكاشي هي كالآتي: 141592653589873، 3 أي العدد الكسري.
مؤلفات جمشيد بن مسعود الكاشي:–
خلف الكاشي وراءه عدد كبيرا من المؤلفات والتصانيف في علميّ الفلك والرياضيات، إذ كان له فيهما مؤلفات وكتب عديدة بالعربية والفارسية أيضا، ومن أهمها وأعظمها شأنا ومكانة، كتاب “مفتاح الحساب” الذي كان إنجازا جبارا في القرن الثامن الهجري (أتم تأليفه سنة 1427م)، إذ ساعد على ازدهار علم الحساب على خلفية مسائل الوصايا والمواريث.
وقد أُلف هذا الكتاب ليكون مرجعا يعتمده الطلاب في دراسة الحساب
بسمرقند، إذ جمع فيه الكاشي خلاصة القواعد الأساسية في علم الرياضيات، ما جعل هذا
الكتاب مرجعا لطلبة الحساب في الشرق والغرب لقرون عديدة.
وإلى جانب المفتاح نجد مؤلفات أخرى عديدة، نذكر منها : رسالة الجيب والوتر، كتاب زيج الخاقاني في تكميل الأيلخاني، كتاب نزهة الحدائق، رسالة سلم السماء .
أقوال العلماء في الكاشي :–
- قال صاحب كشف الظنون في أسامي الكتب والفنون، عن مفتاح الكاشي إنه “بلغ إلى غاية حقائق الأعمال الهندسية في القوانين الحسابية، وهو على مقدمة وخمس مقالات : المقالة الأولى في حساب الصحيح، والثانية في حساب الكسور، الثالثة في حساب المنجمين، الرابعة في المساحة، الخامسة في استخراج المجهولات. وهو كتاب مفيد..”
- كذلك؛ يذهب صالح زكي في نفس السياق إلى القول بأن هذا الكتاب: “يعتبر الخاتمة لكتب الحساب المبسوطة التي ألفها الرياضيون الشرقيون”.
وفاة جمشيد بن مسعود الكاشي :–
إختلف المؤرخون في تاريخ وفاة جمشيد بن مسعود الكاشي ، فذهب بعضهم إلى تحديد وفاته في سنة 1424م، بينما يقول البعض الآخر بأنه إنتقل إلى الرفيق الأعلى حوالي سنة 1436م.
المصادر:–
- خير الدين الزركلي، 2002: الأعلام، قاموس تراجم لاشهر الرجال والنساء من العرب والمتعربين والمتشرقين، ج2، دار العلم للملايين، ط 15، بيروت.
- موريس شربل، 1991: موسوعة المكتشفين المخترعين، دار الكتب العلمية، ط 1، بيروت .
- عطية محمد عطية، 2011: مقدمة في الحضارة العربية الإسلامية ونظمها، دار يافا العلمية للنشر والتوزيع، ط 1.
- قدري حافظ طوقان، 2018: تراث العرب العلمي في الرياضيات والفلك، وكالة الصحافة العربية – ناشرون، مصر.
Tarek Gahlan 2017: The Universal Effect For Arabic
Islamic civilization – ebook.