يعتبر الحسين بن يحيى الحلاج من أكثر الشخصيات جدلا في الثقافة العربية والاسلامية، وهو من كبار المتصوفة المسلمين وأكثرهم شهرة على مر التاريخ، فمن هو المتصوفة الحلاج ، وكيف مارس التصوف في زمانه ؟
من
هو الحلاج ؟
هو الحسين بن منصور بن يحيى ، المكنى بأبي المغيث، ولد حوالي منتصف القرن الثالث الهجري ( 244 هجرية) أي نحو 858 ميلادية وذلك بمنطقة البيضاء في بلاد فارس قديما، وهو شاعر وكاتب أديب عرف بكونه رائدا من رواد أعلام التصوف في العالم العربي والاسلامي.
وقيل إنه لُقِّب بالحلاج نسبة إلى أبيه الذي كان
يشتغل بصناعة الحلّج، وقد اخذ عنه الصنعة بعد موته، بينما ذهبت بعض المصادر إلى
القول بأن منبع التسمية كامن في كون الرجل كان يتكلم على أسرار الناس وعلى ما في
قلوبهم، فسمي “حلاج الأسرار” فصارَّ الحلاج لقبه.
وقد دخل عالم التصوف في سن مبكرة، حيث أخذ عن معلمه المعروف عمرو المكي، وذلك بعد تأثر الشاب بلقاءات جمعته بسهل التستري، أحد اعلام التصوف الاسلامي، الذي زرع فيه الحب والفضول تجاه اكتشاف مكنونات هذا العلم.
رحلات الحلاج في البحث عن المعرفة:–
كان
الحلاج كثير السفر والتنقل منذ صغر سنه، إذ انتقل مع أسرته من الطور إلى واسِط في
العراق، حيث ارتاد الكتاب وتلقى بعض العلم فيها، ثم انتقل إلى تستر حيث صحِب فيها
المتصوفة والعلّامة سهل بن عبد الله التستري لسنتين، ليتجه من بعد ذلك إلى البصرة وهو
في سن الثامنة عشر وفيها رافق عمرو بن عثمان المكي ثمانية عشر شهراً.
بعد ذلك؛ تزوج بأم الحسين بنت أبي يعقوب الأقطع في البصرة التي غادرها إلى مكة المكرمة فيما بعد، ويقول الذهبي في هذا الصدد: إن الحسين بن منصور الحلاج ” جلس في صحن المسجد سنةً لا يبرح عن موضعه إلا للطهارة أو للطواف ولا يبالي بالشمس ولا بالمطر، وكان يحمل إليه كل عشية كوز ماء للشرب، وقرصا من أقراص مكة، فيأخذ القرص ويعض أربع عضات من جوانبه ويشرب شربتين من الماء، شربة قبل الطعام وشربة بعده، ثم يضع باقي القرص على رأس الكوز فيحمل من عنده”، ما يدل على زهد الحلاج في الدنيا وشهواتها، ولم يفعل الحلاج ذلك إلا مبالغة منه في الارتماء بكليته بين يدي الله، إنه على حد تعبير سامي مكارم في مؤلفه “الحلاج فيما وراء المعنى” لا يفهم الصوفية زياً، ولا يفهمها انعزالا، إنما يفهمها سعيا إلى المعرفة وجهدا ضد النفس، وحربا على الظلم والاستبداد، ودعوة إلى العدل وإحقاق الحق.
زهد مع طابع اجتماعي:-
لقد كان شخصية إجتماعية، فرغم زهده في الحياة الدنيا إلا أنه كان مهتما بقضايا المجتمع وناصرا للحق ومدافعا عن الضعفاء، والأكثر من ذلك أنه استطاع أن يدخل في قلوب مريديه مفهوما إجتماعيا يعنى بإصلاح المجتمع عنايته بإصلاح الفرد، وهذا ما جعل السلطة الحاكمة تنظر إليه نظرة خوف على مصالحها. وظلت حياته بين سجن ومحاكمات لا تتم ، واتهام وتكريم حتى كانت محاكمته الأخيرة سنة 309هـ.
ولم
يكتف الحلاج بالدفاع عن أهل أرضه فقط ودعوتهم الى الحق، وإنما تعدى ذلك ليخرج في
رحلات طويلة، إذ يقول الذهبي: إن الحلاج قصد الهند وخراسان ودخل ما وراء النهر،
وتركستان، وماصين، ودعا الخلق إلى الله تعالى، وصنف لهم كتبا عديدة.
ويرى سامي مكارم بأن الحلاج في رحلته كان يرمي إلى تحقيق روح الإسلام الحق بالانفتاح على العالم، علّه يستطيع بالتفاعل المعرفي أن ينطلق بتوباته وتطلعاته إلى تحقيق ما يصبو إليه من عرفان. وقد تعلم في هذه الرحلة كثيرا من العلوم، واكتسب قدرا كبيرا من المعرفة، وازداد تعمقا في الحقائق، وذلك من خلال تعرفه على مسالك الحكمة في الهند والصين.
أشهر أقوال الحلاج :–
- “أنا مَن أهوى ومَن أهوى أنا نحن روحان، حَلَلْـنا بدنا فـإذا أبصرتـَني أبصرتـَهُ وإذا أبصرتـَهُ أبصرتـَنـا”.
- لما أُحلّ دم الحلاج قال: “ظهري حمّى ودمي حرام، وما يحل لكم أن تتأولوا عليّ بما يُبيحه، واعتِقادي الإسلام، ومذهبي السنة وتفضيل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف وأبي عبيدة بن الجراح، وليَّ كتب في السنة موجودة في الوراقين، فالله الله في دمي “.
- النقطة أصل كل خط، والخط كلّه نقطٌ مجتمعة. فلا غنى للخط عن النقطة، ولا للنقطة عن الخط. وكل خط مستقيم أو منحرف هو متحرك عن النقطة بعينها، وكلّ ما يقع عليه بصر أحد فهو نقطة بين نقطتين. وهذا دليلٌ على تجلّي الحق من كل ما يشاهد وترائيه عن كل ما يعاين. ومن هذا قلت: ما رأيت شيئاً إلاّ رأيت الله فيه.
- لأني واصفٌ، والموصوف واصفٌ، والواصِف بالحقيقة، فكيف الموصوف؟
- ثُمَّ دَخَلَ على المفازة وحازَها، ثُمَّ جازَها فَمَا لِأهْلِ والمِهَل من الجَبَل والسَّهْل.
- ولكُلِّ مقامٍ معلومٌ مفهومٌ وغير مفهوم.
- الفَرَاشُ يطيرُ حول المصباح، إلى الصَّباح، ويعودُ إلى الأَشكال، فيخبِّرهم عن الحال، بأَلْطَف المقال، ثم يمرح بالدَّلال، طمَعاً في الوصول إلى الكَمَال.
- وُجِدَ باكياً في سوق القطيعة ببغداد وهو يقول “أغيثوني من الله، فإنه اختطفني مِنّي، وليسَ يردني عليه، ولا أُطِيقُ مراعاةِ تلكَ الحَضْرَة، وأخافُ الهُجْرَان، والويلُ لِمَنْ يغيبُ بعدَ الحُضورِ، ويهْجُرُ بعدَ الوُصول”.
- ضوءُ المصباح عِلْم الحقيقة، و حرارتُهُ حقيقةُ الحقيقة، والوصول إليه حقَّ الحقيقة.
- أظهَرَ مقالَهُ، أبرَزَ أعلامَهُ، أَشَاع بُرهَانَهُ، أَشَاعَ بُرْهَانَهُ، أنْزَلَ فُرْقَانَهُ، أطلَقَ لسانَهُ، أشرق جنانه، أعجَزَ أقرانه، أثبتَ بُنيَانَهُ، رَفَعَ شأنه.
- إِن هربتَ من ميادينهِ فأينَ السَّبيل، فلا دَليل، يا أيُّهَا العليل، وحِكَم الحُكَماءِ عِنْدَ حكمَتِهِ ككثيبٍ مهيل.
- فوقهً غمامة بَرَقَتْ، وتحْتَهُ برقة لمَعَتْ وأشرَقَتْ وأمْطَرَت، العلومُ كلُّها غرفة مِن نهره، الأزمان كُلُهَا ساعة مِن دَهْرِهِ.
- ما وَصَلَ إلى عِلْمِهِ عالِمٌ، ولا أَطَّلَعَ على فهمِهِ حاكِم.
- الحقُّ ما أسلمَهُ إلى خَلْقِهِ لأَنَّهُ هو، وأنَّي هو، وهو هو .
رواية ابن الطقطقي حول الحلاج:-
وأورد ابن الطقطقي في كتابه “الفخري” بعض الروايات التي تحيط بالحلَّاج والذي وصفه الأول بأنه استغوى العامة بمخاريق كان يعتمدها.
ومن ذلك أن الحلَّاج كان يحفر في بعض قوارع الطرقات موضعاً يضع فيه زِقَّـاً فيه ماء ثم يحفر في موضع آخر ويضع فيه طعاماً، ثم يمرُّ بذلك الموضع ومعه أصحابه، فيحتاجون هناك إلى ماء يشربونه ويتوضؤون، ثم يفعل كذلك في الموضع الآخر عند جوعهم، فيخرج الطعام من بطن الأرض، يوهمهم أن ذلك من كرامات الأولياء بحسب ابن الطقطقي.
كما كان يصنع بالفواكه يدَّخِرها ويحفظها ويُخرجها في غير وقتها، فشُغِفَ الناس به، وتكلَّم بكلام الصوفية، وكان يخلطه بما لا يجوز ذكره من الحلول المحض.
وقد شغف الناس به وميلهم إليه حتى كانت العامة تستشفي ببوله، وكان الحلاج يقول لأصحابه: أنتم موسى وعيسى ومحمد وآدم، انتقلت أرواحهم إليكم،، وقال لأصحابه عند قتله: لا يهولنَّكم هذا، فإني أعود إليكم بعد شهر.
صَلب الحلاج :–
حوكِم الحلاج مدة تسع سنين ، قضاها في السجن يعظ السجناء، ويحرر بعض كتاباته، وفي السادس والعشرين من شهر مارس آذار عام 922 م؛ أُخرج الحلاج من محبسه وضُرِب خمس مائة سوط، ثم أُخرج إلى العلن وقُطِعت يداه ورجلاه، ثم صُلِبَ، فقال : “إلهي إني أصبحت في دار الرغائب أنظر إلى العجائب، إلهي إنك تتودد إلى من يؤذيك، فكيف تتودد إلى من يؤذى فيك”، هذا وقد قيل أنه لما اُخرج للقتل أنشد:
رواية ابن العبري عن الحلاج:-
تحدَّث المؤرخ ابن العبري عن الحلاج، وذلك في كتابه “تاريخ مختصر الدول”.
وقال ابن العبري – المتوفى عام 1286 م- “كان ابتداءُ حاله أنه كان يُظهر الزهد ويُظهر الكرامات وقيل إنهُ: حرَّك يوماً يده فانتثرَ على على قومٍ دراهم”.
وأضاف ابن العبري “.. فقال بعض من تفهَّم أمره (الحلَّاج) ممن حضر: أرى دراهم معروفة، ولكني أومن بك وخلقٌ معي إن أعطيتني درهماً عليه اسمك واسم أبيك. فقال: وكيف وهذا لا يُصنع. فقال لهُ: من حضر ما ليس بحاضرٍ صنع ما ليس بمصنوع”.
وزاد ” .. وكان قدِم (الحلاج) من خُراسان إلى العراق وسار إلى مكة، فأقام بها سنة في الحجر لا يستظلُّ تحت سقف شتاءً ولا صيفاً ورُئيَ في جبل أبي قبيس على صخرةٍ حافياً مكشوف الرأس والعَرَق يجري منه إلى الأرض”.
وأضاف ابن العبري “وعاد الحلاج إلى بغداد؛ فافتُتِنَ به خلق كثير واعتقدوا فيه الحلول والربوية. ثم نقل عنهُ إلى الوزير حامد أنهُ أحيا جماعةً من الموتى، فلما سأله الوزير عن ذلك أنكرهُ، وقال : أعوذُ بالله أن أدَّعي النبوة أو الربوبية، إنما أنا رجلٌ أعبد الله”.
فلم يتمكن الوزير من قتله حتَّى رأى لهُ كتاباً فيه: إن الأنسان إذا أراد الحجَّ ولم يمكنهُ؛ أفرَد من دارهِ بيتاً طاهراً، فإذا حضرت أيام الحجِّ؛ طاف حوله وفعل ما يفعل الحُجاج بمكة، ثم يُطعم ثلاثين يتيماً ويكسوهم ويُعطي كلَّ واحدٍ منهم سبعة دراهم.
وهنا؛ أحضر الوزيرُ القضاةَ ووجوه الفقهاء، فستفتاهم، فكتبوا بإباحة دم الحلَّاج، فسلمه الوزير إلى صاحِب الشرطة، فضربة ألف سوطٍ، فما تأوه لها، ثم قطع يدهُ ثم رجله ثم رجله الأخرى، ثم يده، ثم قُتِل وأُحرِق، وألقي رمادهُ في دجلة ونُصِبّ الرأس ببغداد، وذلك في سنة تسع وثلاثمائة، بجسب ما جاء في “تاريخ مختصر الدول”.
المصادر:–
- محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي 2001: سير أعلام النبلاء، تحقيق شعيب الأرناؤوط، مؤسسة ناشرون، بيروت.
- محمد باسل عيون السود 2013: ديوان الحلاج، دار الكتب العلمية، بيروت.
- كتاب الطواسين للحلاج.
- صلاح عبد الصبور1996: مأساة الحلاج، مكتبة الأسرة للأعمال الإبداعية.
- محمد بن علي بن طباطبا، المعروف بابن الطقطقا، الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية.
- ابن العبري، تاريخ مختصر الدول.
https://isha.sadhguru.org/global/en/wisdom/article/mansur-al-hallaj-sufi-mystic