من هو إسحاق بن حنين العبادي ؟
هو إسحاق حنين بن إسحاق العبادي الحيري المعروف بأبي يعقوب، ولِدَ في بغداد حوالي سنة 215 هجرية الموافقة للعام 830 الميلادي.
نشأ في أسرة مرموقة فكان أبو حنين ألمع المترجمين والأطباء في عصره ، كما مارس جده مهنة الصيدلة بتفانٍ و وفاء. ألَّف بن حنين باقة واسعة من كتب الحكمة باللغة العربية و خلف مجلدات جد هامة من التفاسير و الشروحات ، هذا إلى جانب مهنة الطب التي برع فيها ، و الحظوة التي نالها من الخليفة المتوكل ، وكذا عدة خلفاء عباسيين خدمهم في عصره.
مكانته العلمية :-
برع إسحاق بن حنين العبادي في مجال الترجمة عصره فأعطى قيمة إلى اللغة العربية ، و شهد له كأكبر مترجمي عصرة من طرف ابن النديم وابن أبي أصيبعة .
إلا أنه و رغم ذلك كان يسعى ليصبح طبيباً ، فكان يجهد ليخلع عنه صفة المترجم الناقل فقط بسبب ما كان الأطباء ينالونه من حظوة عند الخليفة. إلا أن بعض أطباء عصره لم يعجبهم ذلك، ففي رسالة كتبها حول الأطباء الذين كانوا يعادونه ، فيذكر حنين أنهم كانوا يقولون “… من هو حنين ؟! إنما حنین ناقل هذه الكتب ليأخذ على نقله الأجرة، كما يأخذ الصناع على صناعتهم. ولا فرق عندنا بينه وبينهم، لأن الفارس قد يعمل له الحداد السيف، في المثل بدينار، ويأخذ هو من أجله في كل شهر مئة دينار . فهو خادم لأدائها وليس هو عاملا بها، كما أن الحداد وإن كان يحسن صنعة السيف إلا أنه ليس يحسن يعمل به. فما الحداد وطلب الفروسية!” .
و الحقيقة أن ابن حنين نبغ في الطب و ألف فيه أيضا كتبا كثيرة ساهمت بشكل قوي و ملموس في تطوير الطب البشري، كما أنها خلدت حتى عصرنا هذا .
علاقة إسحاق بن حنين العبادي بقصر الخلافة :-
تميز هذا الطبيب العظيم و الترجمان الكبير بشهرة كبيرة لدى بني العباس ، فقد حافظ إسحاق بن حنين العبادي باستمرار على مكانته السامية في الترجمة والطب أثناء فترة حكم مجموعة من خلفاء بني العباس كالمنتصر بالله ، المستعين بالله، المعتز بالله ابن المتوكل، المهتدي بالله ، المعتمد على الله… زغيرهم.
وقد مكنته مكانته العلمية بشكل قوي من التقرب إلى قصر الخلافة و إثبات مكانته أكثر فأكثر حتى ارتبط اسمه بكبار قادة عصر بني العباس، و مازال خالداً يلمع في سماء العلم إلى يومنا هذا .
دراسته وطلبه للعلم:-
قام إسحاق بن حنين العبادي بمجموعة من الرحلات طويلة الأمد لطلب العلم والمعرفة، قضاها في جمع و دراسة الكتب القديمة كما و قد تعلم الطب على يد شيوخ من مناطق مختلفة لمدة تقارب الست سنوات ، و الحقيقة أنه لا علم لنا بالمدارس التي تعلم فيها و الأساتذة الذين أخذ منهم علمه، إلا أنه زار خلال رحلته العلمية كلا من بلاد الفرس – إيران حاليا- ، الشام، الإسكندرية و حتى بلاد الروم… إلى أن عاد إلى أرضه الأم بغداد في العام 211 الهجري بكمٍ هائل من المعرفة والثقافة الحميدة وإتقان للغات جديدة كاللغة اليونانية و كذا السريانية ، ناهيك عن إلمامه بقواعد اللغة العربية كلها.
آثاره :-
خلف إسحاق بن حنين العبادي بعد وفاته عدداً غير يسير من الكتب المؤلفة والمترجمة و التي تقر بها مختلف المصادر و تستعمل كمراجع قوية في مجالاتها، من ألمعها :
- تاريخ الأطباء والحكماء.
- كتاب الأدوية المفردة.
- كناش الخف كتاب ذكر فيه ابتداء صناعة الطب وأسماء جماعة من الحكماء والأطباء.
- كتاب الأدوية الموجودة بكل مكان.
- كتاب إصلاح الأدوية المسهلة.
- اختصار كتاب إقليدس.
- كتاب المقولات.
- كتاب إيساغوجي وهو المدخل إلى صناعة المنطق.
- إصلاح جوامع الإسكندرانيين لشرح جالينوس لكتاب الفصول لأبقراط.
- كتاب في النبض على جهة التقسيم.
- مقالة في الأشياء التي تفيد الصحة والحفظ وتمنع من النسيان ألفها لعبد الله بن شمعون.
- كتاب في الأدوية المفردة.
- ترجمة كتاب “الأصول” و”المعطيات” لإقليدس.
- ترجمة كتاب “في كتب أبقراط الصحيحة وغير الصحيحة” لجالينوس. وقد ترجمه عن السريانية.
- ترجمة كتاب “الكرة والأسطوانة” لأرخميدس.
- ترجمة كتاب “السفسطائي” لأفلاطون.
وفاته :-
مازال سبب وفاة إسحاق بن حنين العبادي مجهولاً إلى حدود يومنا هذا، فقد تعددت الآراء باختلاف المؤرخين ، فهناك روايات متشابهة من جهة و مختلفة من وجه آخر ، المتفق عليه فقط أنه توفي في السنة 290 الهجرية .
وقد أجمع بعض الموثقين على أن كان ابن حنين في مجمع مع ابن جلجل والخليفة المتوكل وآخرون، ثم تم بينهم نقاش فأخرج إسحاق من كمه كتاباً فيه صورة المسيح – عليه السلام – مصلوباً وصُور أناس من اليهود مجتمعين حوله فقال له الطيفوري : يا حنين إن هؤلاء صلبوا المسيح ؟ فقال : نعم، قال له الطيفوري : ابصق عليهم، قال إسحاق بن حنين : لا أفعل. قال الطيفوري : لم ؟ قال إسحاق : لأنهم ليسوا الذين صلبوا المسيح، وإنما هي صور مخطوطة، فاشهد عليه الطيفوري، ورفع إلى المتوكل يسأله الحكم عليه بالديانة النصرانية … فحصل ذلك وقطع زناره، ثم عاد لبيته، إلا أنه مات في تلك الليلة نفسها، و يتداول عند أغلب المؤرخين أنه قد سَقى نفسه سماً أو مات غماً وأسفاً.
وتعددت الروايات في ذلك.
اقرأ هنا تقي الدين الدمشقي.. المهندس الميكانيكي ورائد الفلك
المصادر:-
● دبيان، أحمد بن محمد بن عبد الله: حنين بن إسحاق، دراسة تاريخية ولغوية.
● نهاد عباس زينل: الإنجازات العلمية للأطباء في الأندلس وأثرها على التطور الحضاري.
● ابن خلكان: وفيات الأعيان.