تمهيد:-
لم تكن زها حديد امرأة اعتيادية؛ إنما كانت رائدة عصرها في مضمار الهندسة المعمارية، مبرهنة أنه لا حدود لموهبتها، معيدة تعريف حدود الخيال الإبداعي الذي مكنها من تقديم أروع التحف المعمارية التي شهدها العالم في عقوده الأخيرة.
ولم تقتصر تصاميم المرحومة زها حديد على الأبنية التي أبرزت قدراتها العالية في العمارة، بل تجدها قد أبدعت في تخطيط البنية المعمارية الخاصة بقطاع النقل وتصاميم السيارات، فعندما تم إطلاق مسابقات لتصاميم مشاريع النقل؛ تم اختيار مشاريعها في كل مرة يفتح فيه باب التنافس على مصراعيه، ولن يكون مفاجئاً لك حينما تعلم بأن أحد هذه المشاريع كان بنية تحتية لمشروع سكك حديدية.
تقدير عالمي:.
حتى أنها وبعد إنجاز مشروع السكك الحديدية هذا؛ أصبحت هذه الشخصية المميزة أول امرأة في التاريخ تحصل على جائزة بريتزكر الخاص بالهندسة المعمارية، ليس ذلك فحسب، بل تمكنت من الحصول على جائزة ستيرلنغ العالمية أيضاً.
وفي مجال النقل؛ قامت المعمارية العراقية بتقديم أكثر من ستة مشاريع تعتبر أروع ما صُمِّم للبنية التحتية والنقل وهنا سنخبرك عن بعضها:
مشاريع البنية التحتية لقطاع النقل التي صممتها حديد:
أولاً: جسر مدينة سرقسطة الإسبانية
خلال معرض إكسبو لسنة 2008م ؛ تم إنشاء جناح خاص بجسر سرقسطة الإسبانية، والذي يعتبر أحد أكثر جسور العالم ندرة، فهو من المنشآت التي تدمج نوعين من عناصر البناء، وهما البنية التحتية الهندسية مع العناصر المعمارية.
وقد أريد للمشروع أن يكون فوق نهر إيبرو الإسباني الذي يربط ما بين محطة نقل ديليسياس ذات وسائط النقل المتعددة بموقع المعرض المذكور، وذلك عبر المرور بجزيرة صغيرة.
وقد اختارت زها حديد لأجل تغليف الجسر الشبكة الخرسانية المسلَّحة المُدمجة مع الألياف الزجاجية، حيث تم عبر هذه الشبكة تغطية (29) ألف مثلث يظهر بدرجات الرمادي المختلفة.
ثانياً: جسر الشيخ زايد:
ضمن إمارة أبو ظبي؛ يمتد جسر ساحر مقوس مُعلَّق على سطحِ قناة مَسقط التي تربط ما بين إحدى الجزر مع الشاطئ الجنوبي للمدينة، ليعد بمثابة بوابة ثالثة للعاصمة الإماراتية.
هذا الجسر يمثل أحد أكثر الجسور تعقيداً في العالم، حيث يتخلله مجموعة من الأقواس المنحنية ذات الشكل الملفت للنظر والتي تنسجم مع البيئة الصحراوية الرملية القريبة من الجسر.
يمتد هذا الجسر على (842) متر، وهو مؤلف بشكل أساسي من ثلاثة أقواس رئيسية منحنية ومدعَّمة بأربع أرصفة يُضاف إليها مجموعتين من الدعامات ليصل العرض إلى 140 متراً.
أبرز ما يميز جسر الشيخ زايد هو أسلوب تصميم الإضاءة الديناميكي الذي يتدرج بالإضاءة حول هيكل الجسر، ما يوحي بانسيابية تصاميم زها حديد المعهود وانسجامه مع الطبيعة المحيطة، والطاقة النابضة التي تضج بها حياة أبو ظبي.
ثالثاً: جسر دانجيانغ التايواني:
في العاصمة التايوانية تايبيه وتحديداً عند مصب نهر تامسوي؛ يشمخ جسر دانجيانغ الذي يعمل على الربط بين الأحياء فيها مع التقليل من الازدحام المروري ضمن حدود المدينة.
ستجده جسراً منسجما بشكل فريد وبسطح ممتد بطول 920 متر ويتضمن كل من سكك الحديد وممرات المشاة، كما أنه يرتفع لمئتي متر، ليعتبر أكبر جسر في العالم مكون من كتلة برج واحدة.
اعتمدت حديد في التصميم على التركيز بشكل أساسي على التلاؤم مع الطبيعة المحيطة به وخاصة غروب
الشمس الساحر وانعكاساته على النهر، دون أن تنسى الثقافة التايوانية المميزة وذلك لتضفي المزيد من
القيمة المعمارية والثقافية للمنطقة ذات الطابع السياحي.
رابعاً: محطة سكة الحديد الإيطالية:
قال القائمون على سكة الحديد الإيطالية، إن سكة حديد نابولي إفراجولا التي صممتها زها حديد؛ تمثل أهمية استراتيجية كبيرة للبلاد التي لم ترغب ببناء محطة اعتيادية يرتادها ركاب الترانزيت فقط، بل كان الهدف منها أيضاً أن تصبح مع الوقت إضافة ات قيمة ترفد النمو الاقتصادي للمنطقة وتوفر العديد من فرص العمل.
وهذا الحُلم الإيطالي تحوَّل إلى واقع ملموس، وذلك حينما قامت شركة زها حديد للهندسة المعمارية بتقديم تصميمها للمحطة سنة 2003 م.
تمحور التصميم -الذي فكرت به زها مع باتريك شوماخر- على جعل المحطة على شكل جسر يربط بين المجتمعات المتعددة التي تتوزع على جانبي سكة الحديد، كما أنهما فكرا في كيفية تقليل المسافات التي قد يقطعها المسافرون ليتمكنوا من الوصول إلى محطات القطار أو مغادرتها والتنقل بين السكك المتعددة.
لذلك؛ اعتمد تصميم حديد لمحطة الحديد في نابولي أفراجولا لتكون أبرز محطات التبادل في جنوب إيطاليا، حيث تقوم بخدمة أربعة خطوط حديدية سريعة كما تربط ثلاثة خطوط النقل بين ثلاثة مناطق.
خامساً: سكة حديد نورد بارك:
هذه السكة تتكون من أربع محطات متآلفة فيما بينها بالشكل، وتقع في النمسا ضمن سلسلة جبال انسبروك الشمالية.
وتمثل هذه المحطات الأربع المعنى الحقيقي للمفهوم المعماري “قشرة وظل”، فهي مستوحاة بشكل تام من البيئة الثلجية الطبيعية، فتجد أن الهياكل التي تقوم عليها المحطات تطفو فوق قواعد من الخرسانة المتينة لتتناغم مع المحيط.
ولم تقم زها بتصميم المحطات الأربعة في هذه المنطقة فحسب؛ بل تم إضافة تصميم لجسر إلى جوارها الذي أصبح أحد الرموز المعمارية المثيرة للأعجاب وخاصة ليلاً عندما يُضبط الضوء متوجهاً إليه مظرهاً إياه بشكل فاتن.
سادساً: السيارة (z):
تجاوزت هنا حديد حدود العمارة والأبنية لتفاجئنا بتصميمها لسيارة مدمجة رباعية بمقعدين (السيارة Z-II).
هذه المركبة الصديقة للبيئة والتي تتلاءم مع كل أعمال المهندسة العراقية، تُدعم ببطارية ليثيوم قابلة للشحن مع أربع محركات كهربائية.
هذه المركبة تعمل بالطاقة الهيدروجينية، أي أنها لا تقوم بإنتاج أي انبعاثات مضرة بالبيئة.
من الأمثلة السابقة؛ نجد بأن زها حديد لم تكتف بالعمل على تصميم البنية التحتية لوسائل النقل، بل إنها كانت أيضاً بمثابة نقلة نوعية للحقل الذي اُشتهرت فيه، فقد دمجت إبداعها في العمارة في البيئة المحيطة لها وبشكل لم يكن معهوداً فيما مضى، وذلك حينما غيرت مفاهيم الحدود الراسخة لدى المعمارين المعاصرين لها، مدشنة جسراً يصل بين العلوم والبناء.
من هي زها حديد ؟
تعتبر المهندسة العراقية – البريطانية من أشهر المهندسين المعماريين في العصر الحديث.
ولِدت في مدينة بغداد في اليوم الأخير من شهر تشرين الأول أكتوبر من العام 1950، ووافتها المنية في يوليو تموز من العام 2016 م في ميامي بالولايات المتحدة الأميركية، وذلك في أعقاب تعرضها إلى أزمة قلبية مفاجئة.
تلقت تعليمها المدرسي في بغداد ونالت درجة البكالوريوس في الرياضيات من الجامعة الأميركية ببيروت في العام 1971 م، كما تخرجت من الجمعية المعمارية في لندن عام 1977 م.
عمِلت حديد محاضِرةً في أشهر الجامعات العالمية من قبيل هارفارد وييل وكولومبيا الأميركية.
قُدِّر عدد المشاريع التي نفذتها بنحو يصل إلى ألف مشروع جسدت فيها قدرات عالية على إطلاق العنان لخيالها الواسع.
وقد حصلت حديد على عدد كبير من الأوسمة والجوائز والدروع وذلك تقديرا لابداعاتها، لتكون واحدة من بين أشهر السيدات اللواتي شهدهن التاريخ العربي الإسلامي.
مصدر الترجمة:-
www.ierek.com