Site icon العربي الموحد الإخبارية

أبو بكر الباقلاني .. أوحد زمانه بين المتكلمين

اسمه ونشأته:

محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر بن القسم، القاضي أبو بكر الباقلاني البصري ثم البغدادي، من كبار علماء الكلام، وُلِدَ في البصرة سنة 338هـ.

كان والده يبيع الباقلاء ليكسب قوته وقوت عياله، ولذا حمل عالمنا لقب الباقلَّاني.

أبو بكر الباقلاني – المكانة العلمية:

كان يضرب المثل بفهمه
وذكائه، جيد الاستنباط، سريع الجواب.

سمع أبو بكر الباقلاني : أبا بكر أحمد بن جعفر القَطِيْعِيّ، وأبا محمد بن ماسي، وغيرهم، وروى عنه: أبو ذر الهروي، ومحمد بن أحمد السِّمْنَانِي، وغيرهم.

وقد كان على مذهب الشيخ
أبي الحسن الأشعري، ومؤيداً اعتقاده وناصراً طريقته.

أبو الحسن الأشعري

سكن بغداد، وصنف التصانيف
الكثيرة المشهورة في علم الكلام وغيره، وكان في علمه أوحد زمانه، وانتهت إليه
الرياسة في مذهبه، وكان موصوفاً بجوده الاستنباط وسرعة الجواب، وسمع الحديث.

وكان أبو بكر الباقلاني كثير التطويل في المناظرة، مشهوراً بذلك، وجرى يوما بينه وبين أبي سعيد الهاروني مناظرة، فأكثر القاضي أبو بكر فيها الكلام ووسع العبارة وزاد في الإسهاب، ثم التفت إلى الحاضرين وقال: اشهدوا على أنه إن أعاد ما قلت لا غير لم أطالبه بالجواب، فقال الهاروني: اشهدوا علي أنه إن أعاد كلام نفسه سلَّمْت له ما قال.

وقد اختلفوا في مذهبه في
الفروع ؛ فقيل: شافعي. وقيل: مالكي.

لطائفه ونوادره:

بعثه عضد الدولة في رسالة
إلى ملك الروم، فلما انتهى إليه إذا هو يدخل عليه من باب قصير، ففهم أن مراده بذلك
أن ينحني كهيئة الراكع للملك، فدخل الباب بظهره وجعل يمشي القهقرى إلى نحو الملك،
ثم انفتل فسلم عليه، فعرف الملك مكانه من العلم والفهم، فعظَّمه.

ويُذكَر أن الملك أحضر إلى أبو بكر الباقلاني بين يديه آلة الطرب المسماة بِالْأُرْغُلِ، ليستفز عقله بها، فلما سمعها البَاقِلَّاني خاف أن تظهر منه حركة ناقصة بحضرة الملك، فجعل لا يَأْلُو جهداً أن جرح رجله حتى خرج منها الدم الكثير، فاشتغل بالألم عن الطرب، ولم يظهر عليه شيء من النقص والخفة، فعجب الملك من كمال عقله، ثم استكشف الملك عن أمره، فإذا هو قد جرح نفسه بما أشغله عن الطرب، فتحقق وفور علمه وعلو فهمه.

صفاته وأخلاقه:-

  • علو همته وشدة اعتزازه بنفسه: فقد ذكر القاضي عياض في “ترتيب المدارك” قصة حدثت مع الباقلاني حينما وصل إلى ملك الرُّوم بالقسطنطينية حيث قال من تلقاه ومن معه: لا تدخلوا على الملك بعمائمكم حتى تنزعوها، وحتى تنزعوا أخفافكم، فرفض الباقلاني، وقال: فإن رضيتم وإلَّا فخُذوا الكُتُب تقرؤونها ويرسل بجوابها الملك وأعود بها، فأُخبِرَ بذلك الملك، فقال: أريد معرفة سبب هذا وامتناعه مما مضى عليه رسمي مع الرُّسُل، فسُئِلَ القاضي عن ذلك، فقال: أنا رجل من علماء المسلمين وما تريدونه منا ذل وصغار، والله تعالى قد رفعنا بالإسلام، وأعزَّنا بنبينا محمد عليه السَّلام، وأيضاً من شأن الملوك إذا وصلتِهُم رُسُلٌ من ملِكِ آخر أن يرفعوا قدرهم لا سيما إذا كان الرَّسول من أهل العلم، فعرَّف التُّرجُمان الملكَ بذلِك، فقال: دعوه يدخل ومن معه كما يشتهون.
  • طول نفسه في المناظرات وسِعة ثقافته، فقد ذكر ابن خلِّكان في “وفيات الأعيان”، ” أنَّ الباقلاني كان طويل النَّفَس في المناظرة مشهوراً بذلك، فجرى يوماً بينه وبين أبي سعيد الهاروني مناظرةً فأكثر فيها القاضي الكَلام، ووسَّع العبارة وزاد في الإسهاب، ثمَّ التفَتَ إلى الحاضرين، وقال: اشهدوا عليَّ أنَّه إن عاد ما قلت لا غير لم أُطالبه بالجواب، أراد بذلك تعجيز خصمه”.
  • فصاحته وبلاغته: فقد نقل صاحب “ترتيب المدارك”، أن أبا محمد البابي الشَّافعي قال: ” لو أوصى رجل بثلث ماله لأفصح النَّاس لوجب دفعه إلى أبي بكر الأشعري”.
  • ذكاؤه وسرعة بديهته: فقد ذكر ابن عساكر أنَّ الباقلَّاني دخل على ملك الرُّوم يوماً، فقال له الأخير قاصِداً توبيخه: ما فعلت زوجة نبيكم؟ وما كان من أمرها فيما رُمِيَتْ به من الإفك؟ فقال مجيباً له على البديهة: “هما امرأتان ذكرتا بسوءٍ: مريم وعائشة، فبرأهما الله عز وجل، وكانت عائشة ذات زوجٍ ولم تأت بولد، وأتت مريم بولدٍ ولم يكن لها زوجٌ”. قال ابن كثير: “يعني أن عائشة أولى بالبراءة من مريم عليهما السلام، فإن تطرق في الذهن الفاسد احتمال إلى هذه فهو إلى تلك أسرع، وهما بحمد الله مبرأتان من السماء بوحي من الله عز وجل، رضي الله عنهما”.

أقوال العلماء فيه:

قال ابن كثير واصفا أبو بكر الباقلاني : “كان في غاية الذكاء والفطنة”.

وقال القاضي عياض: “هو الملقب بسيف السنة، ولسان الأمة، المتكلم على لسان أهل الحديث، وطريق أبي الحسن الأشعري، وإليه انتهت رئاسة المالكية في وقته”.

قال عنه ابن تيمية وتلميذه ابن القيِّم: إن الباقِلَّاني يخالف الأشاعرة في بعض القضايا العقائدية المهمة، منها أنه كان يثبت الصفات الخبرية، ومنها إثبات اليد والوجه.

وقال الذهبي: “كان ثقةً إماماً بارعاً، صنَّف في الرد على الرافضة، والمعتزلة، والخوارج والجَهْمِيَّة والكَرَّامِيَّة، وانتصر لطريقة أبي الحسن الأشعري، وقد يخالفه في مَضَائِق، فإنه من نظرائه، وقد أخذ علم النظر عن أصحابه”.

اليعــربي فصـــاحةً وبلاغـــةً .. والأشـعـــري إذا اعتزى للمذهب

قاضٍ إذا التبس القضاء على الحجى.. كشفت له الآراء كل مغيب

ما زال ينصر دين أحمد صادعــاً .. بالحَـــق يهدي للطريق الأصوب

أبو الحسن السُكَّري مادحاً أستاذه الباقلَّاني

كتبه ومصنفاته:

يعتبر أبو بكر الباقلاني من أكثر الناس كلاماً وتصنيفاً في الكلام، يقال: إنه كان لا ينام كل ليلة حتى يكتب عشرين ورقة، في مدة طويلة من عمره، فانتشرت عنه تصانيف كثيرة؛ من أشهرها:

  1. التبصرة.
  2. دقائق الحقائق.
  3. شرح الإبانة.
  4. كشف الأسرار وهتك الأستار: قام فيه بالرد على الباطنية،
    وهو من أحسن تصانيفه.
  5. إعجاز القرآن.
  6. الإنصاف.
  7. مناقب الأئمة.
  8. الملل والنحل.
  9. تمهيد الدلائل.
  10. التمهيد، في الرد على الملحدة والمعطلة والخوارج
    والمعتزلة.
  11. البيان عن الفرق بين المعجزة والكرامة.

أبو بكر الباقلاني – نهاية المسيرة :

توفي أبو بكر الباقلاني في بغداد، يوم السبت، ودُفِنَ يوم الأحد، 23 ذي القعدة، سنة 403هـ، وصلى عليه ابنه الحسن، ودفنه في داره بدرب المجوس، ثم نقل بعد ذلك فدفن في مقبرة باب حرب.

ورثاه بعض شعراء عصره بقوله:

انْظُرْ إِلَى جَبَلٍ تَمْشِي الرِّجَــالُ بِهِ .. وَانْظُــرْ إِلَى القَبْرِ مَا يَحْوِي مِنَ الصَّلَفِ

وَانْظُرْ إِلَى صَارِمِ الإِسْلاَم مُنْغَمِداً.. وَانْظُرْ إِلَى دُرَّةِ الإِسْلاَمِ فِي الصَّدَفِ

وقد أمر شيخ الحنابلة أبو الفضل التميمي منادياً يقول بين يدي جنازة أبو بكر الباقلاني : “هذا ناصر السنة والدين، والذاب عن الشريعة، هذا الذي صنف سبعين ألف ورقة”.

المصادر:

  • الأعلام (6/176).
  • البداية والنهاية (15/548).
  • التقريب والإرشاد للباقلاني، تحقيق عبد الحميد أبو زنيد.
  • سير أعلام النبلاء (17/190/رقم 110).
  • النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة (4/234).
  • وفيات الأعيان (4/269/رقم 608).
Exit mobile version