اسمه ونشأته:–
محمد بن الحسن بن فُوْرَك، الأستاذ أبو بكر الأصبهاني، المتكلم الأصولي الأديب النحوي الواعظ، ويعتبر ابن فورك من علماء القرن الهجري الرابع.
تحصيله العلمي ومكانته العلمية:–
سمع «مسند أبي داود
الطَّيالسي» من عبد الله بن جعفر بن فارس، وسمع من: ابن خُرَّزَاذ الأهوازي، وأكثر
سماعه بالبصرة وبغداد.
وحدَّث عنه: أبو بكر
البيهقي، وأبو القاسم القُشَيري، وأبو بكر بن خلف، وروى الحاكم عنه حديثاً.
كان ابن فورك أشعرياً، رأسا في فن الكلام، متفقهاً على مذهب الإمام الشافعي، وكان قد أقام بالعراق مدة درس فيها على مذهب الإمام الأشعري؛ حيث أخذ عن أبي الحسن الباهلي صاحب الأشعري.
ثم توجه إلى الري فشنَّع
به أهل البدع الكَرَّامِيَّة وسعوا عليه، فراسله أهل نيسابور والتمسوا منه التوجه
إليهم، ففعل وورد نيسابور، فبُنِيَ له بها مدرسة وداراً، وأحيا الله تعالى به
أنواعاً من العلوم، وكان أكثر تحديثه بنيسابور.
ولما استوطن ابن فورك نيسابور وظهرت بركاته على جماعة المتفقهة وبلغت مصنفاته في أصول الفقه والدين ومعاني القرآن قريباً من مائة مصنف، دعي إلى مدينة غَزْنَة الأفغانية، وجرت له بها مناظرات كثيرة، وكان شديد الرد على أصحاب أبي عبد الله بن كرَّام.
وأما سبب انشغاله بعلم الكلام فأوضح ابن فورك بقوله: “كان سبب اشتغالي بعلم الكلام، أني كنت بأصبهان أختلف إلى فقيه، فسمعت أن الحجر يمين الله في الأرض، فسألت ذلك الفقيه عن معناه، فكان لا يجيب بجوابٍ شافٍ، ويقول: أيش تريد من هذا؟ لأنه كان لا يعرف حقيقة ذلك، فقيل لي: إن أردت أن تعرف هذا فمن حقك أن تخرج إلى فلان في البلد، وكان يحسن الكلام، فخرجت إليه وسألته، فأجاب بجوابٍ شافٍ، فقلت: لا بد أن أعرف هذا العلم، فاشتغلت به”.
ابن فورك ..زهده وورعه:–
قال أبو علي الدَّقَّاق: دخلت
على أبي بكر بن فُوْرَك عائداً، فلما رآني دمعت عيناه، فقلت له: إن الله سبحانه
يعافيك ويشفيك، فقال لي: “تراني أخاف من الموت؟ إنما أخاف مما وراء الموت”.
مأثوراته وأقواله:–
قال: “شغل العيال
نتيجته متابعة الشهوة بالحلال، فما ظنك بقضية شهوة الحرام؟”.
وقال تلميذه أبو القاسم
القشيري: سمعت الإمام أبا بكر بن فُوْرَك يقول: “حُمِلْتُ مقيداً إلى شيراز؛
لفتنة في الدين، فوافيت باب البلد مصبحاً، وكنت مهموم القلب، فلما أسفر النهار وقع
بصري على محراب في مسجد على باب البلد مكتوب عليه {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ
عَبْدَه} [الزمر: 36]، وحصل لي تعريف من باطني أني أُكْفَى عن قريبٍ، فكان كذلك”.
ثناء العلماء على ابن فورك :–
قال الحافظ أبو عبد الله
بن البَيِّع النيسابورى: “تقدَّمنا إلى الأمير ناصر الدولة أبي الحسن محمد بن
إبراهيم، والتمسنا منه المراسلة في توجهه إلى نيسابور ففعل، وورد نيسابور، فبنى له
الدار والمدرسة في خَانْكَاه أبي الحسن البُوْشَنْجِي، وأحيا الله به بلدنا أنواعاً
من العلوم لما استوطنها، وظهرت بركته على جماعة من المتفقهة، وتخرجوا به”.
وقال الذهبي: “روى «مسند الطَّيالسي» عن أبي محمد بن فارس، وتصدَّر للإفادة بنيسابور، وكان ذا زهد وعبادة، وتوسُّع في الأدب والكلام والوعظ والنحو”.
وقال عبد الغافر: “دعا
أبو علي الدَّقَّاق في مجلسه لِطَائفةٍ، فقيل: ألا دعوت لابن فُوْرَك؟ قال: “كيف
أدعو له، وكنت البارحة أقسم على الله بإيمانه أن يشفيني؟”.
ووصفه السُّبْكي فقال:
“الإمام الجليل، والحِبْر الذي لا يُجارى فقهاً وأصولاً وكلاماً ووعظاً ونحواً،
مع مهابةٍ وجلالةٍ وورعٍ بالغٍ، رفض الدنيا وراء ظهره، وعامل الله في سره وجهره،
وصمم على دينه”.
ولما حضرت الوفاة عالم
عصره وسيد وقته أبا عثمان المغربي، أوصى بأن يُصلِّي عليه الإمام أبو بكر بن فُوْرَك.
كتبه ومصنفاته:–
بلغت تصانيفه في أصول
الدين وأصول الفقه ومعاني القرآن قريباً من المئة؛ منها:
- مشكل الحديث وغريبه.
- النظامي: كتاب في أصول الدين، ألفه لنظام الملك.
- الحدود: كتاب في الأصول.
- أسماء الرجال.
- التفسير.
- حل الآيات المتشابهات.
- غريب القرآن.
- رسالة في علم التوحيد.
- الإملاء في الإيضاح والكشف عن وجوه الأحاديث الواردة في
الصفات، وبيان معانيها، وإبطال مذاهب الملحدة والمبتدعة من الجهمية والمجسمة
والمعتزلة.
وفاته:–
ترك غَزْنَة وعاد إلى نيسابور فسُمَّ في الطريق، فمات هناك قرب مدينة بُسْت الأفغانية، ونُقِل إلى نيسابور، ودُفِنَ ابن فورك بالحِيْرَة التي تقع بنيسابور، ومشهده بها ظاهر يُزار ويُسْتَسْقَى به وتجاب الدعوة عنده، وكانت وفاته سنة 406هـ.
وقد قال ابن حزم: قتله
محمود بن سُبُكْتِكِين؛ لكونه قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولاً
في حياته فقط، وإن روحه قد بطل وتلاشى، وليس هو في الجنة عند الله تعالى -يعنى
روحه- صلى الله عليه وسلم”.
وهذا افتراء على ابن
فُوْرَك، أثاره عليه الكَرَّامِيَّة، حيث استدعاه محمود بن سُبُكْتِكِين، وسأله عن
ذلك، فكذَّب ابن فُوْرَك الناقل، ووضَّح له أن معتقد الأشاعرة في النبي صلى الله
عليه وسلم أنه حيٌّ في قبره، رسول الله أبد الآباد على الحقيقة لا المجاز، وأنه
كان نبياً وآدم بين الماء والطين، ولم تبرح نبوته باقية ولا تزال. وعند ذلك وضح
للسلطان الأمر، وأمر بإعزازه وإكرامه، ورجوعه إلى وطنه.
والصحيح أن المبتدعة الكَرَّامِيَّة لما يئسوا من معاقبة السلطان له، سعوا في موته، فسلَّطوا عليه من سَمَّه.
تعرف أيضاً على المكتبة الظاهرية .. الأقدم من نوعها في بلاد الشام
المصادر:–
- الأعلام (6/83).
- إنباه الرواة على أنباه النحاة (3/110/رقم 626).
- سير أعلام النبلاء (17/214/رقم 125).
- شذرات الذهب في أخبار من ذهب (5/42).
- طبقات الشافعية الكبرى للسبكي (4/127/رقم 317).
- طبقات الفقهاء الشافعية (1/136).
- العبر في خبر من غبر (2/213).
- النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة (4/240).
- الوافي بالوفيات (2/254).
- وفيات الأعيان (4/272/رقم 610).