الاسم والنشأة:-
محمد بن موسى، أبو عبد الله الخوارزمي ، رياضي فلكي مؤرخ، يُنْعَت بالأستاذ، وُلِدَ في خوارزم الأوزبكستانية سنة 164هـ، وعاش في بغداد أيام حكم الخليفة المأمون العباسي، وعيَّنه الأخير قيِّماً على خزانة كتبه في بغداد، وعهد إليه بجمع الكتب اليونانية وترجمتها، وأمره باختصار «المجسطي» لبطليموس، فاختصره وسمَّاه «السند هند»؛ أي الدهر الداهر، فكان هذا الكتاب -كما يقول ملتبرون الجغرافي- أساساً لعلم الفلك بعد الإسلام.
النهل من كتب المأمون:-
وقد استفاد الخوارزمي من الكتب التي كانت متوافرة في خزانة المأمون فدرس الرياضيات، والجغرافيا، والفلك، والتاريخ، إضافةً إلى إحاطته بالمعارف اليونانية والهندية.
وقد انكبَّ الخوارزمي على الدارسة في القسم العلمي من خزانة المأمون، وفي الأخيرة؛ وجد ضالته، فقد جَمَعَ فيها بين التأليف والمطالعة، والدراسة نهاراً، والرَّصد ليلاً، وقد أتاحَت له المصادر العلمية الوفيرة فيها والمترجمة عن السريانية واليونانية والهندية والفارسية، الفرصة لإطلاق العنان لقدراته الهائلة.
كما كان أيضاً ضمن وفد قَصَد الهند من بغداد، وذلك للاتصال بعلمائها والاطلاع على نمط حساب الهنود.
وقد شهد الجميع للخوارزمي بالأمانة العلمية، إلى جانب دقة أعماله التي ظلَّت خالدة إلى يومنا هذا.
المشاركة ببناء مرصد المأمون:-
لقد تحوَّل المأمون بخزانة الحكمة إلى ما يشبه المعهد العلمي الكبير والذي ألحق به مرصده المشهور.
وقد جعل المأمون الإشراف على مرصده الكبير ليحيى بن أبي منصور، وألحق به طائفة من نابهي الفلكيين، مثل علي بن عيسى الإسطرلابي، ومحمد بن موسى الخوارزمي، والعباس بن سعيد الجوهري، ولم يلبث هذا المرصد أن تحوَّل إلى مدرسة رياضية فلكية كبيرة تخرَّج فيها غير فلكي مثل بني موسى بن شاكر”، بحسب الدكتور شوقي ضيف.
وأضاف ضيف في كتابه “العصر العباسي الأول: ” وقد أفادت هذه المدرسة من الأبحاث الفلكية والجغرافية التي سبق إليها الهنود والفرس واليونان، وأضافت إلى ذلك إضافات جديدة باهرة، إذ وضَعَت لحركات الأفلاك زيجات وجداول أكثر دقة مما كان لدى الأقدمين، وأُدخِلت تحسينات على خريطة بطليموس، واستطاعت أن تقيس درجتين من درجات محيط الأرض على أساس كرويتها، إلى مباحث فلكية فلكية وجغرافية ورياضية كثيرة”.
ويعتبر الخوارزمي أكبر العلماء الرياضيين والفلكيين الذين قاموا على أبحاث هذا المرصد.
مكانته العلمية:-
يُعَدُّ من أكبر العلماء المسلمين، ومن العلماء العالميين الذين كان لهم تأثير كبير على العلوم الرياضية والفلكية.
وفي هذا الصدد يقول ألدو مييلي: “وإذا انتقلنا إلى الرياضيات والفلك فسنلتقي، منذ البدء، بعلماء من الطراز الأول، ومن أشهر هؤلاء العلماء أبو عبد الله محمد بن موسى الخوارزمي “.
في سياق الحديث عن مساهمات الخوارزمي في الحساب والمثلثات والجغرافية وفي الأزياج أو الجداول الفلكية؛ قال ألدومييلي: ” وله في هذا المجال أعظم تأثير، أولاً في الشعوب الإسلامية، ثم بعد ذلك في الشعوب الغربية المسيحية، وحسابه المفقود نصَّه العربي مع وجود ترجمة لاتينية له من القرن الثاني عشر الميلادي؛ كان له أعظم الأثر في تعريف العرب واللاتين من بعدهم بنظام العدد الهندي”.
وزاد ألدومييلي ” وكتابه المشهور المختصر في حساب الجبر والمقابلة لم يؤدِّ فقط إلى وضع لفظ علم الجبر وإعطائه مدلوله الحالي؛ بل إنه افتتح أيضاً عصراً جديداً في الرياضيات.. وألَّف أيضاً كتباً في الهندسة، ووضع جداول خاصة بحساب المثلثات والسطوح الفلكية”.
ويقول نالينو عن الخوارزمي: ” اصطنع زيجاً سماه السندهند الصغير جمع فيه بين مذاهب الهند والفرس، وجعل أساسه على السند هند، وخالفه في التعاديل والميل، فجعل تعاديله على مذاهب الفرس، وجعل ميل الشمس فيه على مذهب بطليموس”.
الخوارزمي يُعرِّف العالم بنظام العدد الهندي:-
وقد كان له أعظم الفضل في تعريف العرب والأوربيين بنظام العدد الهندي، أضف أنه واضع علم الجبر وواضع كثير من البحوث في الحساب والفلك والجغرافيا، وقد عبر ألدو مييلي عن عظمة الخوارزمي بقوله: “وقد افتتح الخوارزمي افتتاحاً باهراً سلسلة من الرياضيين العظام”.
وقد ابتدع الخوارزمي علم الجبر وذلك بهدف حل بعض المسائل المعقدة في قضايا المواريث، حيث عَمِدَ إلى إرساء عددٍ من الأصول والقواعد الضامِنة لاستقلال الجبر عن الهندسة وعن الرياضيات.
وساهم إدخال الصفر في الترقيم؛ في تبسيط وتسهل العمليات الحسابية، ومنح العلوم الرياضية دفعة هائلة، نظراً لدوره في إيجاد حلول للمعادلات التي كان متعذر حلها، والتي بعد الوصول إلى حلول لها؛ استطاع الغرب البناء عليها وتدشين حضارته الحديثة والمتقدمة.
ألَّفَ الخوارزمي كتاباً بيَّنَ فيه النظام الهندي وطريقة استخدامه عملياً، وضرب من الأمثلة على ذلك ليُسهِّل على رِجال المال والتُّجَّار والموظفين عملهم، كما قدَّم العديد من الأمثلة لتقسيم الميراث بين مستحقيه، كما نصَّ على ذلك القرآن، بطريقةٍ مبسَّطةٍ بدلاً من تلك العمليات الحسابية المُعقَّدَة التي كانت شائعة.
— زيغريد هونكه، شمس العرب تسطع على الغرب.
إسهامات الخوارزمي العلمية:-
- يُعَدُّ الخوارزمي مؤسس علم الجبر كعلم مستقل عن الحساب، وقد أخذه الأوربيون عنه.
- أول من استعمل كلمة “جبر” للعلم المعروف الآن بهذا الاسم، فلهذه اللحظة ما زال الجبر يعرف باسمه العربي في جميع اللغات الأوربية. وترجع كل الكلمات التي تنتهي في اللغات الأوربية بـ “algorism/algorithme” إلى اسم الخوارزمي.
- يرجع إليه الفضل في تعريف الناس بالأرقام الهندية (وهي التي تعرف بالأرقام العربية).
- اكتشافه بعض القواعد وتطويرها في الرياضيات؛ ومنها:
- قاعدة الخطأين.
- الطريقة الهندسية لحل المربعات المجهولة، وهي التي تسمى اليوم باسم المعادلة من الدرجة الثانية.
- نشر أول الجداول العربية عن المثلثات للجيوب والظلال، وقد ترجمت إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر.
- أبدع الخوارزمي في علم الفلك، ووضع جداول فلكية (زيجاً)، وقد كان لهذا الزيج الأثر الكبير على الجداول الأخرى التي وضعها العرب فيما بعد، إذ استعانوا به واعتمدوا عليه وأخذوا منه.
- التحسينات التي أدخلها على جغرافية بطليموس سواء بالنسبة للنص أو الخرائط.
كتب الخوارزمي ومؤلفاته:.
- الزِّيج.
- “الجبر والمقابلة” والذي يعتبر صاحب قول الفصل في دراسة تحويل المعادلات وحلِّها، وهو المؤلَّف الذي أنجزه بطلب من الخليفة المأمون بن هارون الرشيد، وقد ظلَّ الكتاب مرجعاً للجامعات والمعاهد الدراسية في القارة الأوروبية وذلك لغاية القرن السادس عشر الميلادي، حيث وصلها مترجماً إلى اللاتينية من قِبَل روبرت أوف شستر.
- صورة الأرض من المدن والجبال، ترجم إلى اللاتينية، وتمت مقارنة المعلومات الموجودة فيه بمعلومات بطليموس.
- عمل الأسطرلاب.
- وصف إفريقية، وهو قطعة من كتابه «رسم المعمور من البلاد».
رأي مخالف:-
وفي مقابل ما تقدَّم؛ هناك رأي مخالفٌ للشيء المتعارَف عليه بشأن ريادة الخوارزمي في وأسبقيته عِلم “الجبر”، وذلك بحسب ماذكره ميخائيل خوري في كتابه “علماء العرب”.
ويقول خوري في هذا الصدد: “لعله ليس صحيحاً أن نقول: إن الخوارزمي هو واضع علم الجَبر، وليس من الطبيعي أن يكون هذا المؤلَّف (كتابه) بلغ هذه الدرجة من التطوُّر إذا لم تكُن له أصول سابقة، ثم إننا نعلم أن الجبر قديمُ العهد، منهُ نماذجٌ بدائيةٌ في بردي أخمس، ونحنُ نعلم أن العرب علموا بوجود مؤلَّفات يونانية في الجبر، لاسيَّما مؤلفات ذو فنطس، والأصح أن يقال: إنه (الخوارزمي) أوَّل من ألَّف فيه باللغة العربية”.
ويشير خوري إلى مقولة الخوارزمي الذي أكد أنه كتب مؤلَّفاته في علم الجبر وذلك من “أجل إيضاح ما كان مُستبهماً، وتسهيل ما كان مُستوعراً”، ما يعني أنه يعتبر نفسه مكمِّلاً موضِّحاً لمسائل كانت مستعصية على سابقيه، كما أن استعماله لتعابير الجذور والأموال والعدد المفرد؛ يدلُ على أنها كانت متداولة.
ولا ينفي خوري صِفة العبقرية عن الخوارزمي، لكنه يشير إلى أنه استقى معلوماته عمن سبقه، ثم “فَهِمَ أهمية هذا العلم، وجمع أشتاته، ورتَّبَ مسائله على حسب المنطق، وطبعه بعبقريته، فبعثه فكرة متينة الأساس، واسعة الإمكانات، قابلة التطوُّر، وأوضح طرقه، فتفهَّمه من بعده الكثيرون تفهُماَ صحيحاً..”.
محمد بن موسى – نهاية مسيرة:-
توفي محمد بن موسى الخوارزمي في مدينة بغداد بعد سنة 232هـ.
المصادر:–
- الأعلام (7/116).
- العصر العباسي الأول، شوقي ضيف.
- ماذا قدَّم المسلمون للعالم؟، راغب السرجاني.
- بُناة الفكر العلمي في الحضارة الإسلامية (رقم 3).
- ميخائيل خوري، علماء العرب، بيت الحكمة.
- مكتبة قطر الرقمية.
- مكتبة الكونغرس الأمريكية.