يعد الموسوعي المسلم الفارسي أبو بكر الرازي (864- 930 م) من أهم الأطباء الذين ساهموا في علاج الأمراض المنتشرة في زمنه بطرق جديدة تعتمد تقريبا على المنهج العلمي الحالي في التشخيص ثم العلاج.
وكتاب
الرازي المسمى “الجدري والحصبة”
يوفر
الخصائص السريرية لهذين المرضين، كما أضاف في متن المؤلّف تجاربه السريرية الخاصة
للتمييز بين هذين المرضين عند الأطفال.
وكان هذا الكتاب الأول من نوعه الذي
وصف الجدري والحصبة بأنهما مرضين مختلفين.
في
السابق؛ كان الجدري والحصبة يعتبران مرضًا واحداً يتسبب بالطفح الجلدي، ولكن الرازي
وجد الاختلاف بينهما من خلال الملاحظات الدقيقة، حيث عمد إلى تسجيل الاختلافات في
المظاهر الجلدية والأسباب المرتبطة بالمرضين.
وهكذا اقترح أبو بكر الرازي لأول مرة أنهما بالفعل مرضان متمايزان.
هذا وقد تم ترجمة كتابه بعنوان “مقال حول الجدري والحصبة”
إلى
اللاتينية واليونانية والبيزنطية ولغات مختلفة مختلفة،
وقد أُعيد
طبعه باللغة الإنجليزية في العقود الأخيرة بواسطة عدد من الناشرين.(1)
كيف فرّق أبو بكر الرازي بين الجدري والحصبة؟
كانت
الخطوة الأولى الحاسمة في القضاء العالمي على مرض الجدري هي المفهوم القائل إن
المرض الواحد يمكن أن يفضي إلى تغييرات من بينها زيادة قدرة الجسم على مقاومة هذا
المرض مستقبلا.
وهنا؛ طوّر الرازي من خلال الملاحظات التجريبية، هذا التحول
الفلسفي الأساسي في فهم الإنسان للمرض.
وكان الطب في العصور الوسطى قد استند إلى الملاحظات السريرية لأبرز أعراض الأمراض الوبائية، وخاصة تلك التي تصاحبها طفرات جلديّة مميزة ، مثل الجدري والطاعون والحصبة.
لكن الرازي عارض مفاهيم أبقراط و جالينوس عن الأخلاط (الأمزجة)
الأربعة،
فقد أدرك العالم المسلم بأن المرضين مختلفين.
وهكذا نشأ المفهوم الفلسفي للمرض (أي وجود كيانات مرضية محددة وموجودة
، ولكل مرض أسباب). و على الرغم من أن مفهوم العدوى كان
معروفًا للأطباء القدماء، بيد أن الجدري لم يكن معترفًا به.
التشخيص المبكر:-
حدد
الرازي أهمية التشخيص المبكر للجدري، وذلك من خلال التعرّف على الطفح الجلدي
المميز لهذا المرض، واعتقد أنه بمجرد إجراء التشخيص
الصحيح يمكن للطبيب علاج المريض بنجاح.
ولاحظ أن الأمر الأكثر أهمية هو أن
أولئك الذين نجوا من المرض لم يعودوا عرضة للإصابة به.
إدرك
الرازي أيضا أن لدى المرضى القدرة على اكتساب مقاومة ذاتية معينة ضد الجدري.
كان هذا الوصف المذهل من قبل الرازي واعترافه بالحصانة المكتسبة التي وفرت الأساس المفاهيمي المؤدي إلى نهاية ويلات الجدري.(2)
التمييز بين الأعراض:-
وللمرضين بعض الأعراض المتشابهة، لكن وجع
الظهر في حالة الإصابة بالجدري مثلا، اعتبرها علامة تميز المرض الأخير مقارنة
بالحصبة، كما أن البثور التي توجد في الجدري على الجلد تغور إلى عمقه.
وعالج أبو بكر الرازي الجدري بوصف شرب ماء الرمان ونشوق ماء الورد (يُصَبُّ في الأَنف أَو يُشم) وسويق الشعير والأغذية القابضة (من أصل نباتي) كما استعمل الفصد في بعض الحالات.(3)
وميز في تشخيصة لحالات الإصابة بالحصبة،
فبعضها يحتاج إلى دراسات مختلفة عن سواها، فإن جاءت الإصابة مترافقة مع الطفح
الجلدي الأخضر والأرجواني، فإنها قد تكون قاتلة وإذا اختفى الطفح الجلدي بعد الإصابة
بالحصبة فجأة، فقد يتسبب ذلك في مضاعفات شديدة وقد يكون مميتًا ما لم تظهر الطفح
الجلدي مرة أخرى.
وإذا كانت الحصبة مصحوبة بأوهام
والطفح الجلدي المتأخر، فإنها ستكون قاتلة أيضا.
أما
النوع الأكثر أماناً من
الحصبة؛ فهو ذلك الذي به طفح جلدي أحمر أقل كثافة.
لقد علَّمَ الرازي العرب التفكير الطلق والنَّظَر الحُر، ورسالته عن “الحَصبة والجدري” التي كَتَبَها بعد ملاحظةٍ دقيقةٍ لظواهِر المَرَض وتطوُّره، ورَسَمَ فيها صورته الكاملة، ظلَّت المرجع الأول والأخير في أوروبا حتى القرن الثامن عشر، وعُدَّت أحسن ما صُنِّف عن الأمراض المذكورة فيها، ثمَّ فرَّقَ مرض النقرس (وهو داء يُصيب الأطراف في القَدَم غالباً) عن الروماتيزم.
— زيغريد هونكه، شمس العرب تسطع على الغرب.
الرازي يقترح أسلوب العلاج:-
ويعتقد أبو بكر الرازي أنه طالما أن بالإمكان علاج المريض بالطعام والأعشاب، فلا حاجة لاستخدام الأدوية، وطالما أنه يمكن معالجة المرض بعقار بسيط، يجب تجنب العقاقير المركبة. (4)
المصادر:–
- https://link.springer.com/article/10.1007/s00381-017-3493-z#Sec2
- Band, I. C., & Reichel, M. (2017). Al Rhazes and the Beginning of the End of Smallpox. JAMA Dermatology, 153(5), 420.
- كمال السامرائي، مختصر تاريخ الطب العربي، ج2، ص273.
- https://pdfs.semanticscholar.org/2f19/031a8af2e7d5d624ac7e9fede67507a300f7.pdf
يعد الموسوعي المسلم الفارسي أبو بكر الرازي (864- 930 م) من أهم الأطباء الذين ساهموا في علاج الأمراض المنتشرة في زمنه بطرق جديدة تعتمد تقريبا على المنهج العلمي الحالي في التشخيص ثم العلاج.
وكتاب
الرازي المسمى “الجدري والحصبة”
يوفر
الخصائص السريرية لهذين المرضين، كما أضاف في متن المؤلّف تجاربه السريرية الخاصة
للتمييز بين هذين المرضين عند الأطفال.
وكان هذا الكتاب الأول من نوعه الذي
وصف الجدري والحصبة بأنهما مرضين مختلفين.
في
السابق؛ كان الجدري والحصبة يعتبران مرضًا واحداً يتسبب بالطفح الجلدي، ولكن الرازي
وجد الاختلاف بينهما من خلال الملاحظات الدقيقة، حيث عمد إلى تسجيل الاختلافات في
المظاهر الجلدية والأسباب المرتبطة بالمرضين.
وهكذا اقترح أبو بكر الرازي لأول مرة أنهما بالفعل مرضان متمايزان.
هذا وقد تم ترجمة كتابه بعنوان “مقال حول الجدري والحصبة”
إلى
اللاتينية واليونانية والبيزنطية ولغات مختلفة مختلفة،
وقد أُعيد
طبعه باللغة الإنجليزية في العقود الأخيرة بواسطة عدد من الناشرين.(1)
كيف فرّق أبو بكر الرازي بين الجدري والحصبة؟
كانت
الخطوة الأولى الحاسمة في القضاء العالمي على مرض الجدري هي المفهوم القائل إن
المرض الواحد يمكن أن يفضي إلى تغييرات من بينها زيادة قدرة الجسم على مقاومة هذا
المرض مستقبلا.
وهنا؛ طوّر الرازي من خلال الملاحظات التجريبية، هذا التحول
الفلسفي الأساسي في فهم الإنسان للمرض.
وكان الطب في العصور الوسطى قد استند إلى الملاحظات السريرية لأبرز أعراض الأمراض الوبائية، وخاصة تلك التي تصاحبها طفرات جلديّة مميزة ، مثل الجدري والطاعون والحصبة.
لكن الرازي عارض مفاهيم أبقراط و جالينوس عن الأخلاط (الأمزجة)
الأربعة،
فقد أدرك العالم المسلم بأن المرضين مختلفين.
وهكذا نشأ المفهوم الفلسفي للمرض (أي وجود كيانات مرضية محددة وموجودة
، ولكل مرض أسباب). و على الرغم من أن مفهوم العدوى كان
معروفًا للأطباء القدماء، بيد أن الجدري لم يكن معترفًا به.
التشخيص المبكر:-
حدد
الرازي أهمية التشخيص المبكر للجدري، وذلك من خلال التعرّف على الطفح الجلدي
المميز لهذا المرض، واعتقد أنه بمجرد إجراء التشخيص
الصحيح يمكن للطبيب علاج المريض بنجاح.
ولاحظ أن الأمر الأكثر أهمية هو أن
أولئك الذين نجوا من المرض لم يعودوا عرضة للإصابة به.
إدرك
الرازي أيضا أن لدى المرضى القدرة على اكتساب مقاومة ذاتية معينة ضد الجدري.
كان هذا الوصف المذهل من قبل الرازي واعترافه بالحصانة المكتسبة التي وفرت الأساس المفاهيمي المؤدي إلى نهاية ويلات الجدري.(2)
التمييز بين الأعراض:-
وللمرضين بعض الأعراض المتشابهة، لكن وجع
الظهر في حالة الإصابة بالجدري مثلا، اعتبرها علامة تميز المرض الأخير مقارنة
بالحصبة، كما أن البثور التي توجد في الجدري على الجلد تغور إلى عمقه.
وعالج أبو بكر الرازي الجدري بوصف شرب ماء الرمان ونشوق ماء الورد (يُصَبُّ في الأَنف أَو يُشم) وسويق الشعير والأغذية القابضة (من أصل نباتي) كما استعمل الفصد في بعض الحالات.(3)
وميز في تشخيصة لحالات الإصابة بالحصبة،
فبعضها يحتاج إلى دراسات مختلفة عن سواها، فإن جاءت الإصابة مترافقة مع الطفح
الجلدي الأخضر والأرجواني، فإنها قد تكون قاتلة وإذا اختفى الطفح الجلدي بعد الإصابة
بالحصبة فجأة، فقد يتسبب ذلك في مضاعفات شديدة وقد يكون مميتًا ما لم تظهر الطفح
الجلدي مرة أخرى.
وإذا كانت الحصبة مصحوبة بأوهام
والطفح الجلدي المتأخر، فإنها ستكون قاتلة أيضا.
أما
النوع الأكثر أماناً من
الحصبة؛ فهو ذلك الذي به طفح جلدي أحمر أقل كثافة.
لقد علَّمَ الرازي العرب التفكير الطلق والنَّظَر الحُر، ورسالته عن “الحَصبة والجدري” التي كَتَبَها بعد ملاحظةٍ دقيقةٍ لظواهِر المَرَض وتطوُّره، ورَسَمَ فيها صورته الكاملة، ظلَّت المرجع الأول والأخير في أوروبا حتى القرن الثامن عشر، وعُدَّت أحسن ما صُنِّف عن الأمراض المذكورة فيها، ثمَّ فرَّقَ مرض النقرس (وهو داء يُصيب الأطراف في القَدَم غالباً) عن الروماتيزم.
— زيغريد هونكه، شمس العرب تسطع على الغرب.
الرازي يقترح أسلوب العلاج:-
ويعتقد أبو بكر الرازي أنه طالما أن بالإمكان علاج المريض بالطعام والأعشاب، فلا حاجة لاستخدام الأدوية، وطالما أنه يمكن معالجة المرض بعقار بسيط، يجب تجنب العقاقير المركبة. (4)
المصادر:–
- https://link.springer.com/article/10.1007/s00381-017-3493-z#Sec2
- Band, I. C., & Reichel, M. (2017). Al Rhazes and the Beginning of the End of Smallpox. JAMA Dermatology, 153(5), 420.
- كمال السامرائي، مختصر تاريخ الطب العربي، ج2، ص273.
- https://pdfs.semanticscholar.org/2f19/031a8af2e7d5d624ac7e9fede67507a300f7.pdf