في وقت تواجه فيه “تسلا” تدقيقًا قانونيًا بأنظمتها المتقدمة لمساعدة السائق، رُفعت دعوى قضائية جماعية ضد الشركة الأمريكية في كاليفورنيا.
ادعاءات “تسلا” مضللة.. والسائق الآلي غير آمن
وتتهم الدعوى، التي رُفعت في 14 سبتمبر/أيلول 2022 نيابة عن عملاء غير راضين عن برنامج تسلا لمساعدة السائقين، الشركة بتقديم ادعاءات مضللة في إعلاناتها.
وقال المدعون إن تسلا لطالما خدعت الجمهور عند تسويق البرامج ، مشيرين إلى أنه منذ عام 2016 تتحدث الشركة عن أن أنظمتها المتقدمة لمساعدة السائق الخاص بالشركة تعمل بالفعل بكامل طاقتها أو على وشك أن تكون كذلك، في حين أن البرنامج في الواقع كان في مرحلة التطوير وغير آمن للاستخدام.
ولطالما أكد رئيس شركة تسلا -الملياردير الأمريكي الأغنى في العالم- إيلون ماسك، أن برنامج شركته يجعل القيادة أكثر أمانا ويساعد على تجنب الحوادث، على الرغم من التحذير من أنه يجب على السائقين إبقاء أيديهم على عجلة القيادة وأن يكونوا مستعدين للسيطرة على السيارة في جميع الأوقات.
وفي أغسطس/آب، قاضت هيئة المرور في كاليفورنيا تسلا بسبب الإعلان المضلل عن برنامج مساعدة القيادة الخاص بها، وتم التقاط صور لسائقي تسلا مرارا وهم يعتمدون على الأنظمة المتقدمة لمساعدة السائق أثناء القيادة.
خسائر باهظة وحوادث “مؤلمة”
وسردت وكالة بلومبرج للأنباء بعض الأمثلة على التداعيات غير الآمنة والمكلفة لأنظمة تسلا للقيادة الذاتية، منها على سبيل الذكر لا الحصر؛ تفعيل جيرمي بانر -مواطن أمريكي- خاصية السائق الآلي قبل عشر ثوان من ارتطام سيارته من طراز “تسلا” 3 بمقطورة جرار مرتفعة ومات في الحادث، وهو أب ثلاثة أطفال، بعدما مزق الحادث الجزء العلوي من سيارته، لذا يستحيل معرفة ما جرى بالضبط في تلك الحادثة التي تعود إلى شهر مارس/آذار قبل ثلاث سنوات.
إلا أن التحقيق الذي أجراه المجلس الوطني لسلامة النقل رجحّ ألا يكون بانر قد رأى الشاحنة التي عبرت الطريق السريع ثنائي المسار في فلوريدا الذي سلكه متجهاً إلى عمله. كما يبدو أن خاصية مساعدة السائق من “تسلا” لم ترصد الشاحنة أيضًا، أو على الأقل لم ترصدها بسرعة تكفي لإنقاذ حياة الرجل الخمسيني.
فيما حددت محكمة في مقاطعة بالم بيتش يوماً من فبراير الماضي للاستماع إلى الشهادات حول الطرف المسؤول عن الحادث، حيث يتوقع أن تمهد الجلسة لعشرات من المحاكمات الأخرى حول حوادث على صلة بنظام السائق الآلي. إلى ذلك الحين، يُتوقع أن تجتاح موقع “تويتر” نقاشات حادة حول مسألة كانت محل جدل لسنوات، وهي إذا ما كانت تسمية “السائق الآلي” تضلل السائقين عبر منحهم شعوراً زائفاً بالأمان فيتصورون أن سياراتهم ستقود بلا تدخل.من جانبه، قال براينت ووكر سميث، أستاذ القانون في جامعة جنوب كارولاينا إن المحاكمة تمثّل “لحظة مفصلية حيث يستقطب الحكم كثيراً من اهتمام الرأي العام، إذا تعاطفت لجنة المحلفين مع السائق ورغبت في توجيه رسالة إلى تسلا”.
أياً يكن الحكم، لا بدّ أنه سيجعل مطالب المشرعين ومناصري السلامة المرورية بتدخل الهيئات الناظمة في القطاع ملحةً. برغم بطئ التحرك نحو اتخاذ إجراءات متشددة خلال السنوات الثماني الماضية التي اختبرت خلالها “تسلا” أنظمة القيادة الذاتية، اكتسب الأمر زخماً إضافياً تحت إدارة الرئيس جو بايدن بعدما أجرت إدارة السلامة المرورية على الطرق العامة عدّة تحقيقات متعددة الجوانب.
ادعاءات “ماسك”
فيما يصر الرئيس التنفيذي لشركة تسلا، إيلون ماسك، على التأكيد بأن سيارات “تسلا” هي أكثر السيارات أماناً في التاريخ، وسيدلي خبراء تقنيين بشهاداتهم أمام المحكمة؛ حيث سيتحدثون عن مخاطر التسويق لنظام مساعدة السائق بشكل يمنح السائقين ثقة مفرطة به.
ولطالما أكدت”تسلا” أنها واضحة فيما يخصّ محدودية نظام القيادة الذاتية، مشيرة إلى اللهجة الحاسمة التي تعتمدها في كتيب إرشاداتها للسائقين.
كما جاء في الموقع الإلكتروني للشركة أن خاصية السائق الآلي “تتطلب إشرافاً نشطاً من السائق ولا تجعل المركبة ذاتية القيادة”.
ويصرّ ماسك على أن استخدام خاصية السائق الآلي بالشكل الملائم من قبل سائقين متيقظين أسهم في إنقاذ أرواح أكثر بكثير من الأشخاص الذين توفوا في حوادث.
وقال جين مانستر، الشريك الإداري في الشركة الاستثمارية “لوب فانتشرز” (Loup Ventures) التي تتابع “تسلا” لكنها غير معنية بهذه القضية: “بنظر المستثمرين، تملك “تسلا” دفاعاً بالفعل، وهم لطالما صدقوا هذا الدفاع الذي يقوم على أن البشر سائقون سيئون”.
وفقاً لإدارة السلامة المرورية على الطرق العامة، يمكن أن تعزى 18 حالة وفاة على الطرقات على الأقل لتقنية مساعدة السائق، إذ حققت الوكالة بحوالي 200 حادث اصطدام لسيارات تستخدم هذه الخاصية، بينهما حوادث ارتطمت فيها سيارات “تسلا” من الخلف بسيارات شرطة أو سيارات إطفاء مركونة على جانبيّ الطريق.
اتهمت إدارة المركبات الآلية في كاليفورنيا الشركة في أغسطس/آب بالترويج المغلوط وقالت إنها تضلل المستهلكين ليعتقدوا أن خاصتيّ السائق الآلي و”القيادة الذاتية الكاملة” المحسّنة أكثر تطوراً ممّا هي عليه في الواقع.
يرى محامي عائلة بانر، لايك ليتال هذه المحاكمة فرصة “لمحاسبة (تسلا) وإيلون ماسك أخيراً على استخدام الطرقات العامة على امتداد بلادنا كأرضية اختبارات لهذه الشركة ومن أجل محاولة إصلاح نظام السائق الآلي الذي تشوبه عيوب والذي يدركون أنه تسبب بقتل زبائنها وسيستمر في قتلهم”.
تحذير الجهات المسؤولة
ويتحسس ماسك من الانتقادات العلنية لنظام السائق الآلي، وقد قطع مكالمة في 2018 مع روبرت سوموالت، الذي كان حينها رئيس المجلس الوطني لسلامة النقل، بعدما لامه سوموالت على تدوينات حمّل فيها سائق سيارة “تسلا” طراز “أكس” مسؤولية حادث قاتل.
كما اعترض ماسك والآلاف من جماهير “تسلا” عبر موقع “تويتر” في أكتوبر الماضي على تعيين الرئيس جو بايدن الأستاذة في جامعة “ديوك” ماري كومينجز في منصب كبيرة استشاريي السلامة في إدارة السلامة المرورية على الطرق العامة لكونها كانت فيما مضى تشكك علناً بأنظمة السائق الآلي، كما تداولوا عريضة تتهمها بالتحيز.
وانتشر مقطع مصور على موقع “يوتيوب” أخيراً تبدو فيه سيارة “تسلا” تدهس لعبة بحجم طفل تستخدم في اختبارات القيادة، فيما كانت تعمل بخاصية القيادة الذاتية ما أثار موجة غضب. ردّ بعض ملاك سيارات “تسلا” على الفيديو بنشر مقاطع مصورة لسياراتهم وهي تتوقف بأمان أمام أطفال حقيقيين، ما دفع إدارة السلامة المرورية على الطرق العامة إلى إصدار تحذير بعدم تجربة هذا الاختبار.
عواقب تهز عرش تسلا
ولعلّ مشكلة “تسلا” الأكبر تكمن في ما ستكشفه المحاكمة عن شوائب تقنية السائق الآلي. إذ سيتمكن الجمهور من الاطلاع للمرّة الأولى على كمّ هائل من البيانات التي تجمعها “تسلا”، وبينها معلومات تفصيلية عن خاصية السائق الآلي.
كما أن لهذه المحاكمة عواقب على شركات مثل “أبل” و”وإيمو” تابعة “ألفابيت” اللتين تطوران أيضاً مركبات ذاتية القيادة، إلى جانب صانعي السيارات التقليديين مثل “بي أم دبليو” و”مرسيدس” اللتين تستثمران بقوة في السيارات التي تتضمن خصائص السائق الآلي. إذ تثير المحاكمة قلق أولئك الصانعين ومعهم ما لا يعدّ ولا يحصى من الموردين حيال ما ستقرره حيال تحميل المسؤوليات.
إلا أن القضية التي رفعتها عائلة بانر تشوبها عيوب أيضاً، لا سيما فيما خصّ الاستنتاجات التي توصل إليها التحقيق الذي أجرته إدارة السلامة المرورية على الطرق العامة والذي حمّل المسؤولية لعدة أطراف. إذ قال المحققون إن سائق الجرار لم يراعِ أولوية حق الطريق، كما لاموا بانر على “عدم انتباهه بسبب اعتماده المفرط على القيادة الذاتية”. إلا أن الوكالة كانت قد انتقدت في تقرير في 2020 تقنية “تسلا” بسبب عدم مراقبتها الكافية لتيقظ السائق أو تنبيهه لذلك. جاء في التقرير: “لم يوجّه نظام السائق الآلي تحذيراً بصرياً أو سمعياً للسائق كي يعاود الإمساك بعجلة القيادة”.
إن تقنية القيادة الذاتية هي الخطّ الفاصل ما بين أن تكون “تسلا” تساوي “صفراً” وأن تكون إحدى أكبر الشركات قيمة في العالم.