انعكست الأزمة المعيشية في لبنان على إعادة إحياء بعض المهن ومنها الإسكافي والخياط بعدما ساد الاعتقاد أنها أصبحت من الماضي.
كما فرضت الأزمة المعيشية بعض التغيرات على مختلف الأصعدة، فما كان متاحاً بسهولة قبل عام ونصف العام أضحى اليوم من الماضي.واستفاق المواطن اللبناني على انهيار اقتصادي – اجتماعي متسارع، قضى على قيمة العملة الوطنية ومدخراته، ليجد نفسه متروكاً بدون أي مساعدة، فبدأ بالبحث عن البدائل لاستمرار معيشته بأقل خسائر ممكنة.هذا ما بدا جلياً من خلال عودة بعض المهن إلى النشاط بعدما كانت اندثرت، ومن هذه المهن هي مهنة الإسكافي أو “الكندرجي” باللهجة اللبنانية، بعدما ساد الاعتقاد أن مهنتهم أصبحت من الماضي، وهي التي عرفت أمجاداً، ترافقت مع ازدهار صناعة الأحذية قبل الحرب الأهلية وخلالها، والتي كانت تضاهي الأحذية الفرنسية والإيطالية من حيث الجودة.
ومنذ سنوات عديدة غرقت الأسواق اللبنانية بالأحذية المستوردة ورخيصة الثمن، بالنسبة لقدرة اللبناني الشرائية ما ساعد على غياب الورش الصغيرة التي تعنى بصناعة الأحذية أو إصلاحها التي كانت تملأ الأسواق في برج حمود (ضاحية بيروت الشرقية) وطرابلس (شمال لبنان) وغيرها من المناطق.
لكن الوضع تغيّر اليوم بحسب “الكندرجي” الشاب زافريك، الذي ورث المهنة عن أجداده ورفض التخلي عنها بحسب ما قال لـ”العين الاخبارية” التي زارته في “ورشته” الصغيرة في شارع “أراكس” في منطقة برج حمود.
وأضاف الإسكافي الأرمني الأصل، الغارق بين كمية كبيرة من الأحذية: “طبعاً الازمة الاقتصادية كان لها تأثير وكثر الذين يقصدوننا طالبين تصغير أحذية أو توسعتها، منها للاستعمال الشخصي أو لتلائم قدمي فرد آخر من العائلة”.
لكنه في المقابل لا يبدي فرحاً بزيادة العمل وعودة مهنته، إذ رغم الضغط الكبير في العمل انخفضت الأرباح، فأقل التصليحات باتت مكلفة بمقاييس قيمة العملة الوطنية اليوم. وأضاف: “مثلا كعب حذاء رجالي كان يكلف دولارين أي 3 آلاف ليرة وكنا نتقاضى نحو 10 آلاف ليرة أي نحو 6 دولارات، أما اليوم، الدولاران بأكثر من 25 ألف ليرة ونتقاضى ثمنهم فقط من دون ربح، إذ يستحيل أن نضع السعر والربح على دولار اليوم”.
ويشير إلى “أن كعب حذاء نسائي كان ثمنه حوالي 6 دولارات، أي 9 آلاف ليرة، وكنت أحصل مقابل تغييره على حوالي 20 ألفا، ما يكسبني ربحاً حوالي 11 ألف ليرة، أما اليوم بقي الكعب بـ6 دولارات لكنه أصبح بـ80 ألف ليرة، وأحصل مقابل إصلاحه على 85 ألف ليرة ويكون ربحي انخفض إلى 5 آلاف ليرة، أي أقل من نصف دولار بينما كان في السابق نحو 7 دولارات”.
وعن إمكانية استمراره، يؤكد زافريك أنه متمسكا بالاستمرار طالما يستطيع، وهو الذي رفض التخلي عن المهنة في زمن اندثارها، ولن يتوقف عن العمل اليوم في ظل الرجوع إليها.
وما ينطبق على الإسكافي زافريك ينطبق أيضاً على الخياطة ماري ديب، التي تؤكد لـ”العين الاخبارية”، أن العمل تحسّن بشكل كبير منذ بدء الأزمة الاقتصادية، والزبائن تضاعفوا، وتقول: “رأيت في هذه المدة وجوهاً لم أكن أراها من قبل رغم أنني أملك مصنعاً صغيراً للخياطة منذ 40 عاماً”.وتشير ديب الى الأكياس الموجودة حولها وجميعها تحمل أسماء علامات تجارية عالمية، لافتة إلى أنها بدأت تستقبل أنواعا من الأقمشة لم تتعامل معها من قبل، وهو ما شكل إحراجاً لها، بسبب عدم معرفتها بطريقة العمل بهذه النوعية، في إشارة إلى أنها جيدة وقيمتها مرتفعة.
وتوضح أن ما زاد فعلياً هو “التوسيع” (تكبير) و”التضييق” (تصغير) وتقصير الملابس القديمة، مضيفة: “تأتي الزبونة مع قطع من الملابس لم تستخدمها منذ سنوات وتطلب ضبطها عليها في الوقت الحالي لأنه لم يعد باستطاعتها شراء ملابس جديدة من ذات العلامة التجارية”.
لكنها في المقابل لفتت إلى أن خياطة أو صناعة الملابس أو فساتين السهرات تراجعت، مضيفة: “فستان السهرة، كنت أتقاضى عليه أيام العز نحو 600 ألف ليرة ويستغرق أكثر من أسبوع عمل، أما اليوم أصبح يكلّف الزبونة نحو مليوني ليرة وهذا ما دفع العديد من زبائني إلى الابتعاد عن شرائه”.”سعر الصرف هو السبب”، هكذا تبرر ديب رفع أسعار خياطتها، فكل شيء عندنا يتم استيراده، من الآله حتى الخيط الذي نستعمله”، لكنها تشير إلى أنها لم ترفع أسعارها كثيراً بالنسبة إلى “التصليح والتقصير والرثي، فمثلاً كانت تتقاضى 3 آلاف ليرة على تقصير سروال، أما اليوم أصبحت 8 آلاف وهو مبلغ مقبول”.وتشكو ديب من ارتفاع أسعار العمالة المحلية، “حيث كان العامل يتقاضى نحو 15 الف ليرة يوميا، أصبح يريد ضعفها، أما بالنسبة للعمالة الأجنبية فأصبح جزءا منها بالدولار وهذا ما لا قدرة لدينا لدفعه، أما العمالة السورية، فالخبير بالمهنة أصبح يفتتح مشغله الخاص”.ويعيش لبنان أزمة اقتصادية خانقة منذ عام ونصف العام، وفقدت الليرة اللبنانية أكثر من 90% من قيمتها، وأصبح أكثر من 60% من اللبنانيين تحت خط الفقر، ما أدى الى إجبارهم على تبدّل طبيعة حياتهم، بعدما تحولت الطبقة المتوسط بمعظمها إلى طبقة فقيرة.