عندما تتحدى المرأة فطرتها السليمة، وتتخلى عن أنوثتها، فليس لها (غالبًا) في الأمر اختيار، تضطرها الظروف لأن تضع سياجًا من الفولاذ حول “القارورة” التي تسكنها، بالتأكيد لم يكن الأمر سهلاً، فهي تخوض (رغمًا عنها) حروبًا شعواء في ميادين العالم الخارجي، بينما تخوضها حروب داخلية لا يعلم مداها إلا خالقها وحده.في علم النفس، المرأة المسترجلة أو “الماشستية”، هي التى تتشبه بالرجال فى خشونة التصرفات، والجرأة الزائدة عن مستوى الحياء الأنثوي، النابعة من شعور داخلي بـ”النقص”، و”القهر”، والرغبة في تحدي ظروف خارجية، بما يصيبها بـ”التصدع” في تركيبتها النفسية، و”الخلل” في هرموناتها الداخلية.ومنذ أيام، فاجأت الفنانة روجينا، جمهورها بطرح “برومو” مسلسلها الجديد، المقرر عرضه في رمضان المقبل، بعنوان “ستّهم”، بدأ بلقطة لجهاز تليفزيون، يظهر فيه الرئيس السيسي في كلمته التي يشيد فيها بالمرأة المصرية المكافحة، ثم تظهر روجينا، وهي ترتدي جلبابًا صعيديًّا و”عمّة”، لتبدو كأنها “رجل”، في هيئة ذكورية جديدة تمامًا على الفنانة الرقيقة.المسلسل، الذي كتبه ناصر عبد الرحمن، ويخرجه رؤوف عبد العزيز، يستلهم أحداثه من “4” قصص لسيدات من مختلف محافظات مصر، كافحن في مسيرة شاقة، ومنهن من تخلين عن أنوثتهن وارتدين ثياب الرجال، وتعاملن بغلظتهم وسلوكهم الخشن، لمواجهة قسوة الحياة.في نفس التوقيت، أعلنت الفنانة منى زكي، قيامها ببطولة مسلسل “تحت الوصاية”، للمخرج محمد شاكر، تجسد فيه شخصية “الحاجة صيصا أبو دوح”، التي كرمها الرئيس، وتصدرت مواقع التواصل مؤخرًا، بسبب سيرتها الملهمة، حيث عاشت قرابة “40” عامًا، مرتدية ثياب الرجال، وتعاملت بطريقتهم وسط مجتمعها الصعيدي بالأقصر، ومارست أعمالاً شاقة مثل الحفر وحمل الطوب ومسح الأحذية، للإنفاق على أولادها بعد وفاة زوجها.وثارت حالة من الجدل، بسبب تزامن العملين لأداء نفس الشخصية، لعرضهما في رمضان المقبل، وبرغم وجود فروق جوهرية بين المسلسلين، إلا أن كثيرًا من النقاد لا يجد غضاضة في تجسيد الشخصية، باعتبارها ثرية دراميًّا، ومليئة بالتفاصيل المغرية لأي سيناريست وممثل، وهي نموذج مصري أصيل يمكن تناوله من مختلف الزوايا لسنوات عديدة، خاصة أن كلاً من روجينا ومنى زكي، لها طابع خاص، وبريق مختلف.الدراما التليفزيونية، ومن قبلها السينما، عرفت طريقها لمعالجة الشخصيات المعقدة مثل “الفتاة المسترجلة”، أو “الخشنة كالرجال”، لأسباب مختلفة، إما بالرغبة في التمرد على “الضعف الأنثوي”، و”التحرر من سيطرة مجتمع ذكوري”، أو حتى لحماية أنفسهن من التحرش، والحصول على لقمة العيش وسط ظروف اقتصادية صعبة.في نهاية القرن السادس عشر، صدرت رواية للكاتب الإنجليزي الكبير ويليام شكسبير، بعنوان “ترويض الشرسة”، أو “ترويض النمرة”، تناول خلالها الطبيعة المتقلبة للأنثى “كاتارينا” ذات المزاج الناري الشرس، والتي تتعامل بعنف كالرجال، واستلهمت السينما المصرية، رواية شكسبير، في فيلم “آه من حواء”، للمخرج فطين عبد الوهاب، 1962، وفاجأت الفنانة لبنى عبد العزيز، جمهورها بإتقانها لـ”غلظة” الدور، برغم رقتها المتناهية، ونجح الفيلم جماهيريًّا، وبعد صدوره بعامين طرح فيلم “للرجال فقط”، والذي غامر مخرجه محمود ذو الفقار، بالاستعانة بأكثر نجمتين أنوثة في السينما المصرية، سعاد حسني ونادية لطفي، لكي يرتديا ملابس الرجال، ويضعا “شوارب” على وجهيهما الجميلين، وأحدث الفيلم ضجة وقتذاك، حتى تحققت النبوءة بعد نصف قرن، وارتدت بعض مهندسات البترول في بلادنا ملابس الرجال للعمل في حقول البترول، تحت الشمس الحارقة لمتابعة “البريمة” التي تحفر الأرض.وبرغم اختيار المخرج الكبير جلال الشرقاوي للفنانة سماح أنور لتجسيد دور “بالغ الأنوثة” في مسرحية “راقصة قطاع عام”، التي نجحت جماهيريًّا في 1985، إلا أن حقبتي الثمانينيات، والتسعينيات، شهدتا “احتكار” سماح أنور لأدوار الفتاة المسترجلة في السينما، لدرجة أن والدتها الفنانة الراحلة سعاد حسين كانت تناديها بـ”الواد سماح”.أما في الألفية الثالثة، وبعيدًا عن دعاوى “الفيمنست”، و”الإندبندنت”، قررت فنانات أخريات، خوض تجارب أدوار الفتاة المسترجلة، والتخلي عن أنوثتهن على شاشة السينما، مثل ياسمين عبد العزيز (الضابط) في فيلم “أبو شنب”، وإيمي سمير غانم في فيلم “عش الزوجية”، وشقيقتها دنيا في فيلم “الفرح”، وفي التليفزيون، لعبت مي عز الدين، دور “كوريا” الفتاة المسترجلة بمسلسل “دلع بنات”، وكانت الأخيرتان الأكثر نجاحًا بين بنات جيلهما لأداء هذه التركيبة النفسية المعقدة.