Site icon العربي الموحد الإخبارية

صراع العقول.. كيف استثمر ديشان هفوة خروج دي ماريا في النهائي؟

استثمر المدير الفني للمنتخب الفرنسي، ديديه ديشان، الهفوة الفنية التي اقترفها مدرب المنتخب الأرجنتيني، ليونيل سكالوني، خلال الشوط الثاني من مباراة نهائي مونديال 2022، على أكمل وجه، ليشعل أجواء اللقاء ويحول تأخره إلى تعادل صادم بنتيجة 2/2 في غضون دقيقة واحدة.
وانتقل صراع العقول بين ديشان وسكالوني إلى أشواط إضافية وركلات جزاء ترجيحية انتهت بفوز الأرجنتين 2/4 بعد تألق رهيب من الحارس إيميليانو مارتينيز الذي كسب القفاز الذهبي على حساب الكرواتي دومينيك ليفاكوفيتش.
تقدم المنتخب الأرجنتيني في المباراة التي احتضنها استاد مدينة لوسيل القطرية، مساء اليوم الأحد 18 ديسمبر، بهدف من ركلة جزاء تحصل عليها أنخل دي ماريا في الدقيقة 23، نفذها ليونيل ميسي بنجاح.
وعزز أنخل دي ماريا تقدم بلاده بالهدف الثاني إثر تسديدة من داخل منطقة الستة ياردات بعد تلقيه عرضية أرضية من أليكسيس ماك أليستر، بعد هجمة مرتدة نموذجية قادها ليونيل ميسي بـ 3 لمسات في الدقيقة 36.
ظن الجميع بعد ثنائية ميسي ودي ماريا أن المباراة صارت أسهل، لا سيما وسط استسلام مُدهش من قبل عناصر وسط وهجوم المنتخب الفرنسي أمام استحواذ وسيطرة الأرجنتين.
وحتى بعد تدخل ديشان بإجراء أول تغييراته في الدقيقة 41 بسحب أوليفيه جيرو وعثمان ديمبيلي لإشراك ماركوس تورام وكولو مواني، فشلت فرنسا في تهديد المرمى ولو بفرصة واحدة.

كان من الطبيعي بعد أن ينتهي الشوط الأول لصالح التانجو بنتيجة 2/صفر، فقد وصلت نسبة الاستحواذ إلى 59٪ مع 6 محاولات على المرمى من بينهم 3 تسديدات بين الثلاث خشبات.
وبلغ إجمالي التمريرات الصحيحة للأرجنتين 260 تمريرة من 291 تمريرة، و18 هجمة شكلت خطورة حقيقية على الدفاع الفرنسي.
أما المنتخب الفرنسي فلم تكن له محاولات على المرمى الأرجنتيني، أو تسديدات من خارج أو داخل منطقة الجزاء بين الثلاث خشبات.
كما فشل الفريق في الحصول على ركلات ركنية، ووصلت عدد تمريرات لاعبيه الصحيحة لـ 165 تمريرة فقط، واكتفى الديوك بشن 5 هجمات خطيرة فقط.
سكالوني يُبدع في عزل جريزمان
ظهر المنتخب الفرنسي في حالة يرثى لها لمدة 70 دقيقة في هذه المباراة بسبب إبداع الأرجنتين في عملية عزل مفتاح اللعب الرئيسي «أنطوان جريزمان» عن جميع مَن حوله في خط الوسط والهجوم.

بدأ المدير الفني للأرجنتين، سكالوني، بخطة لعب 4-1-2-3 تتحول إلى 4-5-1 عند فقدان الكرة، بحيث يعود ماك أليستر ودي بول لطرفي الملعب لمساندة الظهيرين، وينضم ميسي ودي ماريا إلى عمق الملعب لمساعدة إينزو فيرنانديز في عملية استخلاص الكرة أو بدء الهجمة.
وأجاد كل من إينزو فيرنانديز وماك أليستر ودي باول في قراءة تمريرات وتحركات أنطوان جريزمان على الأطراف والعمق، فكان كل استخلاص للكرة أمام جريزمان ورابيو بمثابة نقطة بداية لهجمة جديدة سريعة بقيادة ليونيل ميسي وأنخل دي ماريا، والمهاجم المتحرك يوليان ألفاريز.
هكذا عَرف سالكوني من أين تؤكل الكتف عندما قرر مُراقبة دينامو وسط فرنسا بطريقة مُحكمة بثلاثي إينزو ودي باول وماك أليستر، مع إبقاء تاجليافيكو ومولينا في الخطوط الخلفية دون تقدم لتأدية الدور الهجومي، بهدف مُراقبة كيليان مبابي وعثمان ديمبيلي، وعدم السماح لأحدهما بالحصول على أي مساحة للانطلاق والاختراق، في حال أفلت جريزمان من رقابة لاعبي الوسط.
لماذا ظهرت فرنسا بهذه الصورة الباهتة؟
ارتكب المدير الفني للمنتخب الفرنسي، ديديه ديشان، خطأ كبير حين قرر الدفع بـ 4 لاعبين عائدين من إصابات في التشكيل الأساسي، هم أوباميكانو في قلب الدفاع، وآدريان رابيو على دائرة خط الوسط، وعثمان ديمبيلي على الرواق الأيمن، والمهاجم أوليفيه جيرو.

ونشرت صحيفة ليكيب الفرنسية أخبار مؤكدة عن عدم جاهزية أوباميكانو للعب كأساسي ضد الأرجنتين، وأن مدافع ليفربول إبراهيما كوناتي هو الأقرب لمشاركة فاران في العمق الدفاعي بعد تألقه أمام المغرب في الدور نصف النهائي.
كما أشارت إلى احتمالية مشاركة مهاجم بوروسيا مونشنجلادباخ «ماركوس تورام» في الخط الأمامي بدلاً من أوليفيه جيرو الذي أصيبت ركبته خلال التدريبات يوم أمس السبت.
وكانت فرنسا بحاجة للاعب أكثر قوة في الحوارات البدنية بمنطقة الوسط بدلاً من آدريان رابيو المُنهك، لكن ديشان فضل الإبقاء على إدوار كامافينجا على الدكة البدلاء.
وأضطر ديشان فيما بعد لإجراء العديد من التعديلات، سواء على عناصر اللعب أو الرسم التكتيكي، فقام بسحب جيرو وديمبيلي وأشرك المهاجم الشرس ماركوس تورام، وكولو مواني صاحب الهدف الثاني أمام المغرب على الجناح الأيمن.
خروج أنخل دي ماريا يقلب الموازين
تبدلت أحوال المباراة بشكل ملحوظ خلال بداية الشوط الثاني، بعدما انسجم أكثر كل من كولو مواني وتورام على اللعب مع كيليان مبابي، وتزامن مع ذلك خروج مفاجيء وغير مُبرر للجناح الأرجنتيني المتألق ومفتاح اللعب الرئيسي «أنخل دي ماريا» في الدقيقة 64 من أجل الدفع بالظهير الأيسر أكونيا بهدف تقوية تلك الجهة من الناحية الدفاعية.

لكن الأرجنتين في حقيقة الأمر كانت بحاجة أكبر لتقوية الجهة اليمنى التي يتواجد فيها كيليان مبابي، فلم تكن الجهة الأخرى من الملعب بحاجة لتدعيم دفاعي بأكونيا، بما أن تاجليافيكو يقوم بعمله على أكمل وجه.
وتسبب خروج دي ماريا في تخفيف الضغط على لاعبي وسط فرنسا، وتحرير الظهير الأيمن الفرنسي جوليس كوندي للقيام بالعمليات الهجومية.
ولم يتمكن أكونيا من تكرار نفس العمل المذهل لأنخل دي ماريا على الرواق الأيسر أو في عمق الملعب، ناهيك عن فقدانه السهل للكرة وضعف تمريره للعرضيات.
مع ذلك ورغم هفوة سكالوني، لم يستفد ديشان بالسرعة اللازمة، فقد أدرك ضرورة سحب أنطوان جريزمان وثيو هيرنانديز في الدقيقة 71 لإشراك كينجسلي كومان وكامافينجا.
ديشان يستغل غفوة سكالوني
سيطر المنتخب الفرنسي على المباراة بدءًا من الدقيقة 75، خمس دقائق بعد تحويل ديشان للرسم التكتيكي من 4-3-3 إلى 3-5-2 بتحول كوندي إلى مدافع ثالث مع أوباميكانو وفاران.

وتمركز تشواميني في منطقة الوسط الدفاعي، ومن أمامه إدوار كامافينجا، وفي الوسط المتقدم آدريان رابيو، وعلى طرفي الملعب كينجسلي كومان في اليمين، وكولو مواني في اليسار، لينضم مبابي بالتالي إلى ماركوس تورام في عمق الهجوم.
وتسببت تلك التحولات في تسجيل فرنسا لهدف تقليص الفارق من ركلة جزاء تحصل عليها ماركوس تورام بعد تعرضه للعرقلة من أوتاميندي في الدقيقة 79، نفذها كيليان مبابي بنجاح.
وشهدت الدقيقة 81 قص كينجسلي كومان للكرة من ميسي على الجهة اليمنى ثم تحويل الكرة بتمريرة مذهلة في العمق الدفاعي نحو ماركوس تورام الذي مرر على الفور لكيليان مبابي ليسدد بكل قوة في المرمى.
استفاقة مؤقتة لسكالوني
حاول سكالوني تصحيح الهفوات التكتيكية التي اقترفها خلال الشوط الثاني من المباراة، وجلوسه على دكة البدلاء دون أي حراك أثناء التغييرات الفنية والتكتيكية الرائعة التي قام بها ديديه ديشان ومكنته من تعديل النتيجة في ظرف دقيقة واحدة ونقل المباراة إلى أشواط إضافية.

قام مدرب الأرجنتين بتغيير الظهير المُخترق مولينا واستبداله بالظهير الأيمن المتخصص «جونزالو مونتيل» في الدقيقة الأولى من الشوط الإضافي الأول.
أما ديشان فقد قرر المواصلة على نفس الخطة التي أنها بها الوقت الأصلي للقاء، وأجرى تغيير وحيد بسحب آدريان رابيو ودفع بيوسف فوفانا في الدقيقة 96.
وهذه المرة لم يقف سكالوني مكتوف الأيدي، وتدخل بإجراء تغييرين جديدين بإشراك لياندرو باريديس ولاوتارو مارتينيز محل دي باول ويوليان ألفاريز، لتأمين خط الدفاع وضبط إيقاع وسط الملعب.
وتسببت تدخلات سكالوني، واستغلاله للعب فرنسا بـ 3 مدافعين، في تسجيل ليونيل ميسي لهدف قاتل في الدقيقة 108 بتسديدة قوية من داخل منطقة الجزاء ليرفع رصيده لـ 7 أهداف ويعادل عدد أهداف مبابي.
وبدلاً من الحفاظ علي سيطرته في وسط الملعب، بالإبقاء على ماك أليستر، أفسد سكالوني مكتسباته خلال الشوط الإضافي الثاني بسحب أحد نجومه الرئيسيين في استخلاص الكرة وعملية التحول من الوضع الدفاعي للهجومي «أليكسيس ماك أليستر» عند الدقيقة 116 لإشراك مدافع ريال بيتيس «بيتزيلا» من أجل تغيير طريقة اللعب لـ 5-3-2.

ودفعت الأرجنتين ثمن هذا التغيير بخسارة الكرة في أحلك فترات المباراة لتحصل فرنسا على المزيد من الفرص التي مكنتها من تعديل النتيجة بركلة جزاء – بدت قاسية بعض الشيء – نفذها مبابي بنجاح ليخطف لقب الهداف من ميسي برصيد 8 أهداف.
وعرفت الدقائق الأخيرة من الشوط الإضافي الثاني مشاركة ديساسي بدلاً من كوندي في تشكيلة فرنسا، وباولو ديبالا بدلاً من تاجليافيكو في تشكيلة الأرجنتين، من أجل تنفيذ ركلات الجزاء.
وخلال ركلات الجزاء نفذت الأرجنتين جميع الركلات بشكل صحيح (ميسي وديبالا وباريديس ومونتيل)، بينما تصدى حارس الأرجنتين إيميليانو مارتينيز لركلتين من كومان وتشواميني، وسجل لفرنسا مبابي وكولو مواني، لينتهي اللقاء بفوز الأرجنتين وتتويج قيصري بكل ما حملته الكلمة من معنى.

ورفعت الأرجنتين بهذا التتويج رصيدها لـ 3 مرات متفوقة بفارق لقب عن فرنسا، لتصبح على بُعد لقب من مُعادلة عدد مرات تتويج ألمانيا وإيطاليا.

Exit mobile version