تضغط أوكرانيا بشدة مدعومة من بعض الدول الأوروبية للحصول على طائرات “إف 16” الأمريكية سعيا لتعزيز قدراتها فى الحرب الدائرة مع روسيا، غير أن هذه المحاولات ماتزال فاشلة حتى الآن أمام رفض الإدارة الأمريكية وعلى رأسها الرئيس “جو بايدن”.
ففى حين أبدت العديد من الدول الأوروبية استعدادها لإرسال هذه الطائرات المتطورة إلى كييف، إلا أن واشنطن التى يجب تحصيل موافقتها أولا ما تزال تعارض هذه الخطوة، الأمر الذى يصفه مراقبون بأنه أحدث صورة من صور الانقسامات بين أعضاء التحالف الغربى الداعم لأوكرانيا فى حربها ضد روسيا.
وأرجع مسئولون أمريكيون تردد إدارة بايدن بشأن إرسال طائرات “إف 16” إلى أوكرانيا، إلى أن سعر الطائرة المقدر بعشرات الملايين من الدولارات (نحو 70 مليون دولار)، سيمتص الكثير من تمويل الحرب، وإن الإدارة الأمريكية مهتمة أكثر بنشر أسلحة أمريكية أخرى لدعم أوكرانيا فى هجومها المضاد المرتقب ضد روسيا، إضافة إلى أن عملية تدريب الطيارين الأوكرانيين على هذه النوعية من الطائرات تتطلب 18 شهرا.
غير أن مسؤولى كييف والطيارين الأوكرانيين يؤكدون الأهمية القصوى لهذه الطائرات المتطورة فى معركتهم، حيث ستمكنهم من استهداف أكبر منظومتى صواريخ دفاع جوى روسية “إس-300″ و”إس-400” بصواريخ “إيه.جي.إم-88” إذا ما أُطلقت باستخدام إلكترونيات الطيران الأكثر تطورا المتاحة فى مقاتلات “إف-16”.
وقال وزير الخارجية الأوكرانى ديميترو كوليبا –فى مقال نشرته مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية- إن العديد من المحظورات تم كسرها خلال الأشهر الـ 14 الماضية عندما يتعلق الأمر بالمساعدات العسكرية الغربية لأوكرانيا، وإن شركاء أوكرانيا، وعلى الأخص الولايات المتحدة، استجابوا لمطالب كييف ذات الصلة.
وأضاف كوليبا أن تقديم المساعدات العسكرية لأوكرانيا كان ولا يزال مهمة ضخمة، وربما يكون أكبر عملية لوجستية يقوم بها الغرب منذ الحرب العالمية الثانية، غير أنه مع دخول الحرب مرحلة جديدة، من المهم للغاية تزويد أوكرانيا بطائرات مقاتلة من طراز “إف 16”.
ويرى كوليبا أنه من خلال اتخاذ هذه الخطوة الاستراتيجية، لن تنقذ واشنطن العديد من الأرواح الأوكرانية وتضمن حدوث نجاحات فى ساحة المعركة لصالح أوكرانيا فقط، بل ستساعد أيضا فى التخفيف من أزمة الغذاء العالمية، وضمان استقرار أوروبا على المدى الطويل.
والمعروف أن طائرة “إف 16” تنتمى إلى الجيل الرابع من المقاتلات الحربية، وتعد من أهم الطائرات المقاتلة خفيفة الوزن، وتم إنتاجها للمرة الأولى من قبل الشركة الأمريكية جنرال دايناميكس، بينما الشركة المصنعة لها حاليا هى “لوكهيد مارتن”.
وتصل سرعة الطائرة عند أقصى ارتفاع لها إلى 2420 كم/س، بينما تصل سرعتها على مستوى سطح البحر إلى 1470 كم/س. وتتمثل مهمة الطائرة فى فرض السيطرة على المجال الجوي، وبالأخص تدمير كل شيء حولها، وبالتالى فإنها تتميز بأنها مقاتلة متعددة المهام، من حيث الدفاع والهجوم والقتال الجوي، ولديها القدرة على إصابة الهدف بكل دقة، سواء برى أو جوى، بجانب قدرتها على تعبئة الوقود أثناء الطيران، والطيران لمسافات بعيدة، وفى أى ظروف جوية.
وتستخدم الطائرة أيضا كقاذفة قنابل، وتحمل العديد من أنواع الأسلحة، سواء التقليدية أو النووية، كما أنها أول طائرة حربية يتم التحكم فى أقسامها الميكانيكية بنظام إلكتروني، وتمتلك أجهزة رادار قوية ودقيقة جدا، تمكنها من الكشف عن جميع الطائرات حولها، لاسيما الطائرات على مستوى منخفض. وتتميز طائرة “إف 16” بمرونتها فى التعامل أثناء المعارك.
كما أنها أصغر وأخف مقاتلة متعددة المهام فى العالم، وقد تم تحديثها مؤخرا بأجهزة رادار مسح إلكترونى إيجابى ومعدات رؤية ليلية.
ويؤكد وزير الخارجية الأوكرانى ديميترو كوليبا أن بلاده تحتاج إلى هذه الطائرات لتعزيز دفاعاتها الجوية والصاروخية وإنقاذ الأرواح وحماية المدنيين، حيث إن أوكرانيا تعترض حاليا ما يقرب من 75 فى المائة من الصواريخ الروسية والطائرات بدون طيار باستخدام أنظمة دفاع أرضية وصواريخ “جو- جو” يتم إطلاقها من طائرات عفا عليها الزمن وتعود إلى الحقبة السوفيتية.
ويشدد كوليبا على أن طائرات “إف 16” ستعمل -حال تزويد كييف بها- فى إطار منظومة موحدة؛ مما يسمح لأوكرانيا بإسقاط الصواريخ الروسية قبل وقت طويل من وصولها لأهدافها وقتل شخص ما أو تدمير منشأة طاقة أخرى، إضافة إلى دعم القوات البرية الأوكرانية، وتحقيق التفوق الجوى وهو الشرط المسبق لأى عمليات هجومية ناجحة، حيث ستسمح طائرات “إف 16” بالسيطرة على سماء أوكرانيا وحماية قواتها وتقليل خسائرهم وزيادة فرص بقاء الطيارين على قيد الحياة فى المعارك.
واعتبر كوليبا أن توفير هذه الطائرات الحديثة لبلاده سيسهم أيضا فى ضمان أمن ممر الحبوب فى البحر الأسود (الذى سيتم تأمينه بأسراب من طائرات “إف 16” المتطورة)، وبالتالى استئناف صادرات أوكرانيا الغذائية بالكامل وضمان التدفق المستمر للسفن التى تحمل الحبوب الأوكرانية والمواد الغذائية الأخرى.
ورأى كوليبا أن تزويد بلاده بهذه الطائرات سيعود بالفائدة على أمريكا نفسها، حيث ستفيد تجربة أوكرانيا فى تحليق طائرات “إف -16” فى قتال مباشر مع روسيا؛ القوات الجوية الأمريكية حيث تتعامل أوكرانيا حاليا مع خصم قوى مزود بقدرات حرب إلكترونية متقدمة، وإن كييف ستشارك تجربتها فى استخدام طائرات “إف 16” ضد روسيا، ما من شأنه المساعدة على ترقية سلاح الجو الأمريكى بشكل كبير دون تعريض حياة أى أمريكى للخطر.
إضافة إلى ما سبق، فإن وجود طائرات “إف 16” فى أيدى الطيارين الأوكرانيين –وفقا لكوليبا- سيكون بمثابة رادع قوى لأى محاولات روسية مستقبلية لإعادة ترسيم الحدود فى أوروبا، ما يضمن استقرار القارة الأوروبية على المدى الطويل.
وفى المقابل، فإن محللين ومراقبين كالمحلل العسكرى وخبير الشؤون الدفاعية مايكل بيك حذر من أنه فى حال اتخاذ قرار بتزويد أوكرانيا بمقاتلات “إف-16” الأمريكية، ستدمر روسيا المدارج الجوية الأوكرانية قبل أن تستقبل الطائرات.
وأشار الخبير العسكرى إلى أن العديد من المدارج الجوية الأوكرانية لديها مدارج قصيرة جدا لا يمكن لـ “إف-16” أن تتسارع بأحمال كاملة عليها، وأن روسيا لديها كل الوسائل اللازمة لتتبع بداية عمليات إصلاح المدارج الجوية وتوجيه ضربات دقيقة إليها، حيث إن جميع المدارج الجوية فى أوكرانيا تقع فى متناول الصواريخ الباليستية والصواريخ الدقيقة الروسية، وأن الضربات لم تُوجه إلى المدارج الجوية الأوكرانية حتى الآن بسبب عدم وجود تهديد خطير من الجانب الأوكراني.
والسؤال الذى يطرح نفسه حاليا فى ظل الضغوط الأوكرانية الشديدة من أجل الحصول على أسلحة متطورة للغاية، هو: هل سيؤدى ذلك إلى تطورات غير مدروسة جيدا فى الصراع؟ أو حتى توسيع نطاق الصراع وخروجه عن السيطرة خاصة وأن وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف، أكد –فى وقت سابق- أن أى شحنة تحتوى على أسلحة لأوكرانيا، ستصبح هدفا مشروعا لروسيا!