بعد الانتهاء من جولتنا في مصطبة “مرروكا”، وعلى بعد خطوات قليلة كانت مصطبة “كاجمني”، هي وجهتنا التالية في جبانة سقارة يدفعنا الفضول والشغف لاستكشاف عظمة ما نقشه الأجداد على جدران تقف شامخة منذ أكثر من 4000 عام، لتروي لنا قصة حضارة لم تشهد الأمم مثيلا لها، لم يثن عزيمتنا لهيب الشمس الحارقة، وتلك الأعداد الغفيرة من السائحين من مختلف دول العالم الذين يقفون في صمت وكأن على رؤوسهم الطير، يتأملون روعة هذه الحياة المصرية القديمة يأسرهم سحر الأحرف والنقش كترنيمة يتردد صداها.
مصطبة “كاجمني”، مقبرة مربعة الشكل يصل طول كل ضلع فيها حوالي 32 مترا ويقع مدخلها في الواجهة الشرقية، وكان صاحبها وزيرا وقاضيا في عهد ثلاثة ملوك متتالين من ملوك الأسرة السادسة. تضم مقبرة كاجمني على جدرانها رسومات رائعة تجسد مشاهد الحياة اليومية لصاحب المقبرة في أحراش الدلتا، وكذلك مناظر لتربية الماشية ونقوش الحيوانات المختلفة كفرس النهر والتماسيح وتقديم القرابين، عثر على المقبرة عام 1899 وتتكون من سبعة حجرات. كل حجرة تضم عدة نقوش ومشاهد مختلفة لصيد الطيور بالشباك وصيد السمك بالسلال أو الشباك وتغذية الضباع وثيران العجول أمام ناظري صاحب المقبرة، الذي يقف ممسكا صولجانه، بالإضافة لرسومات الغزلان والماعز وأنواع مختلفة من الخضروات والخبز وزهرة اللوتس والبردي، وأنواع مختلفة من الأسماك وقارب البردي الذي يقف فيه المتوفى. تميزت جدران الغرفة الخامسة بنقوش توضح قيام العمال بكيل الحبوب في أكوام، واحتوت الحجرة السادسة على ما يسمى بالباب الوهمي، الذي حمل ألقاب صاحب المقبرة واسمه ومنها قاضي المحكمة العليا، وحاكم الأرض حتى حدودها الشمالية والجنوبية ومدير كل المأموريات، فهو من الرجال العظام في أواخر عهد الأسرة السادسة وأمام الباب الوهمي سلم بدرجات يؤدي إلى مائدة قرابين ويوجد بالقرب منه أيضًا مذبح صغير. أما الحجرة السابعة، فقد نقش على جدرانها أشخاص يحملون أواني مختلفة الأحجام والأوزان، التي وضع بعضها على زلاقات لسحبها بالحبال من ثقل وزنها.