انشغل الرأي العام المصري في اليومين الأخيرين بالحديث عن “عمرة البدل”، التي أثار بها مقدم محتوى ديني على السوشيال ميديا الجدل بسبب دعايته لها.
وواجه أمير منير، وهو مقدم محتوى ديني على وسائل التواصل الاجتماعي، انتقادات لاذعة قائمة على اتهامه بالاتجار بالدين، وهذا بعدما روّج خلال مقطع فيديو عبر صفحته بـ”فيسبوك”، إلى تطبيق يكلّف فيه المستخدم أحد الأشخاص بأداء العمرة نيابة عن متوفى أو مريض أو عاجز بالوكالة، وهذا نظير مبلغ مالي لا يتجاوز 4 آلاف جنيه (130 دولاراً تقريباً).
ونوه “منير” خلال الفيديو بأن متابعيه عبر “فيسبوك” سيحصلون على خصم بنسبة 35%، حال كانوا من بين أول 500 مستخدم للتطبيق، قبل أن يملي عليهم كودّا يمكنهم من الاستفادة من هذا العرض.
ولم يتوقف الهجوم اللاذع على منير، الذي بدوره دافع عن وجهة نظره خلال مقطع فيديو ثان، شرح فيه وجهة نظره وأوضح فيه رأي الشرع من منظوره.
تحرير بلاغ
لم ينحصر الأمر في إطار نقاشات مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، بل امتد لإجراءات قد تنتهي داخل ساحات القضاء، بعدما كشف ناصر تركي، عضو اللجنة العليا للحج والعمرة في مصر، عن تحرير بلاغ للجهات الأمنية ضد الداعية، لما بدر منه من دعوة “تخالف القانون المصري” بحسب وصفه.
وأوضح “تركي”، بحسب ما نقلته على لسانه وسائل إعلام محلية، أن الدعاية لمثل هذه الأمور وبهذا الشكل تعتبر “نصب واحتيال”، مؤكدًا وجود قانون ينظم عملية الحج والعمرة والسفر لأداء المناسك.
كما حرر أحد المحامين بلاغاً للنائب العام المصري، اتهم فيه “منير” بـ”ممارسة الدعوة دون ترخيص واستغلالها في النصب”.
وأعادت وسائل إعلام محلية نشر تصريح للدكتور حسين عبدالباري، رئيس الإدارة المركزية لشؤون الدعوة بوزارة الأوقاف، قال خلاله إن “منير” ليس له علاقة بالأوقاف وغير مصرح له بالخطابة أو تقديم الدروس الدينية.
إجابات لأسئلة شائعة
من الجدل المثار بشأن “عمرة البدل”، خرج كثيرون بعدة استفسارات سعوا إلى إيجاد الإجابة عنها، من بينها حكم أداء مناسك العمرة بالوكالة، ورأي الشرع في أداء المناسك بالإنابة بمقابل مادي، وغيرهما الكثير.
مما سبق، أوضحت الدكتورة آمنة نصير، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر في مصر، جواز أداء العمرة عن المتوفين والعاجزين والمرضى بالوكالة، لكن حددتها في إطار الأهل: “في حال كان المؤدي من الأبناء أو من الإخوة أو من الأهل، هنا لا مانع”.
وشددت “آمنة”، في تصريحها لـ”العين الإخبارية”، على عدم جواز أداء العمرة بالوكالة من جانب شخص لا يرتبط بصلة قرابة مع المريض أو المتوفى أو العاجز.
وكشفت أن حصول الشخص على المال نظير أدائه مناسك العمرة بالوكالة جائز في حال كان هذا الشخص هو إما الابن أو الابنة أو الأخ أو الأخت: “هذا عشم الأهل مع بعضهم البعض”، لكن إذا دخل طرف غريب هنا ينقلب الأمر إلى تجارة وتأجير لأناس وهذا لا يجوز.
فتح هذا الجدل باب الحديث عن الفتاوى المتداولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وعن هذا الأمر علقت “آمنة”: “السوشيال ميديا هي لغة العصر وثقافته رغم أن لها سيئات كثيرة. أما عن تداول الفتاوى فيها فهو توجه يحتاج إلى ضبط من أولي الأمر”.
تعليق أخير من أمير منير
مع ارتفاع حدة الانتقادات الموجهة إليه، حذف أمير منير مقطع الفيديو المثير للجدل، لكنه ظل ثابتًا على موقفه، واستمر في الدفاع عن نفسه، وهذا خلال منشور طويل شرح فيها وجهة نظره.
قال “منير” في منشوره الأخير: “أتعلمون لو أن القضية مرتبطة بالمال لكنت قد فعلت إعلانات يوتيوب وفيسبوك التي أغلقها من الأساس، رغم أنها ستدر عليّ آلاف الدولارات من المشاهدات التي أحظى بها، لكني لا أفعل هذا لاعتقادي بحرمانيتها”.
ونقل “منير” حديثه عن “عمرة البدل”: “الوكالة أو الإنابة بالحج جائزة عن المتوفى والعاجز والمريض الذي لا يرجى برؤه، وهذا رأي الجمهور من أهل العلم وهو رأي جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة، عكس رأي الإمام مالك الذي يرى أنه لا يجوز إلا لو وصى المتوفى قبل موته، ولا يجوز للعاجز لأنه فقد القدرة”.
وتابع: “اختيار فتاوى اللجنة الدائمة (إذا اعتمرت عن نفسك جاز لك أن تعتمر عن أمك وأبيك إذا كانا عاجزين لكبر أو مرض لا يرجى برؤه)، وفوق كل هذا حديث النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه من يسأله: (يا رسولَ اللَّهِ، إنَّ أبي شيخٌ كبيرٌ لا يستطيعُ الحجَّ ولا العُمرةَ ولا الظَّعنَ. قال: فحُجَّ عن أبيكَ واعتمِرْ)”.
وعن أداء شخص ما المناسك لصالح آخر بمقابل مادي، ذكر: “يجوز الاستئجار على الحج، أي أدفع الأموال مقابل أن شخصًا يحج لصالح آخر، وهو مذهب المالكية والشافعية ورواية عن أحمد بن حنبل، وهذا على عكس رأي الإمام أبي حنيفة وما ذهب إليه ابن تيمية أنه لا يصل ثوابه للميت ولا للعاجز”.
وأردف: “دليل الفقهاء على الجواز قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن حق ما اتخذتم عليه أجرا كتاب الله)، وقصة الصحابي الذي رقى الملدوغ وأخذ أجره قطيعًا من الغنم وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك.. فمن هنا قال الفقهاء إنه طالما يجوز للراقي أخذ المال فيبقى أولى إنه يجوز لمن قام بالعبادات التي تدخلها النيابة كالحج والعمرة”.
ودافع “منير” كذلك عن التطبيق بقوله: “أنا لا أملك التطبيق ولا أتحصل منه على نسبة ولا لي علاقة أكثر من أنني وجدته يسهل على المسلمين شيء من أمر دينهم فأحببت أن أوصله إليكم”.
ختم الداعية المصري منشوره بالقول: “من الجائز أن أكون أخطأت.. ما أنا بشر خطاء ولو كان الأمر هكذا فأسأل الله أن يغفر لي خطأي وأن يصلحني ويحسن نيتي، وأنا مسامح والله كل من طلب مني السماح ولو بينه وبين نفسه من غير ما يصل إلي.. أنا أحبكم في الله”.